المعلمون والاختصاص المفقود!!
الإثنين 27/فبراير/2017 - 09:48 ص
أكتب من الميدان فأقول: إن أولَ شيء يصيب رسالة المعلم في مقتل فيشوهها، بل ويمحو معالمها في مرحلة تالية هو: إلهاء المعلم عن اختصاصه الأصلي بإسناد أعمال إضافية إليه عن طريق إدارة المدرسة، كالعمل في وحدات المعلومات والإحصاء، أو تكليفه بأعمال مالية وإدارية لا تمت لاختصاصه بصلة، كأن يكون أمين عهدة أو أمين معمل أو مسئول أمن أو مسئول نظافة ...الخ، وما يترتب على كل ذلك من إجراءات إدارية ومالية لا علاقة لها باختصاص المعلم الذي عُين من قبل الدولة ليكون في الفصل الدراسي بين طلابه مربياً ومعلمًا، وليس من الصواب أن نتحجج بالصالح العام ونكلف المعلم بما نهوى ونشاء، فإن تحقيق الصالح العام يكمن في تطبيق القانون الذي حدد للمعلم واجبات ومسئوليات..
إنّ عدم احترام تخصص المعلم أفقده الثقة في نفسه، وأدى إلى إهماله في تنمية ذاته مهنة وعلمًا، كما أدى إلى تشتيت تركيزه وبعثرة مجهوده في أعمال ذات طبيعة مُختلفة، تحت دعاوى التعاون مع إدارة المدرسة في أعمال لها موظفيها من الأصل، ولكن لأننا لا نقدر رسالة المعلم، ولأننا لا نحترم التخصص، ولأننا نؤثر ترتيب الأوراق ورصِّ المستندات لتلافي مُلاحظات المتابعين والزوار، فقد ألقينا بالمعلم في هذه الدوامة التي جرت مستواه إلى الوراء، ولا احد يتدخل إلا على استحياء وبعبارات غير مُلزمة..
نسمع بين الفينة والأخرى عن قرارات سوف تصدر لتعيد المعلم إلى اختصاصه ومهنته، ومن ثم هيبته وكرامته أمام طلابه وأمام المنظومة وأمام المجتمع، ولكن لا شيئ من ذلك يحدث، فلماذا الإصرار العجيب على الزج بالمعلمين في لجان، ووحدات، وأعمال مالية إدارية، تشوه مهنة التدريس وتُلقي بها في الحضيض، وذا ما تجسده سياسات مديري مدارس تخيلوها وحدات إدارية ومالية، وملفات، وأوراق.. ذلك لأن الذين يتابعون لا يسألون عن مستوى معلم، ولا عن مستوى طالب، وإنما يسألون عن السجلات والأوراق، ويكتبون التقارير بناء عليها..
عيب كبير أن تظل مدارسنا قابعة في هذا النفق الإداري الروتيني الكئيب.. عيب كبير أن تظل مدارسنا أسيرة لنظم إدارية بالية تجر التعليم جرًا إلى الوراء.. عيب كبير أن تظل مدارسنا مجرد دفتر حضور وانصراف.. عيب كبير أن تظل مدارسنا مجرد لوحات ووسائل.. عيب كبير أن تظل مدارسنا مجرد حبر يوضع في سجلات وأوراق.. لقد نسينا في زحمة الإداريات أن المدرسة موطن للتربية والتعليم وبناء الشخصية وتنمية الوجدان، وإن كنا نعلم أن هذا لا يتحقق إلا بمعلم محصن بالعلم، ومحمي باحترام الجميع، وبطالب يريد أن يتعلم ويذهب نحو ذلك بعشق، وبإدارة عصرية تضع المدرسة على طريق آداء رسالتها على النحو المنشود، بخلق المناخ التربوي الملائم للمعلم والطالب على السواء.
يا سادة أعيدوا للمعلم اختصاصه، ولا تشغلوه بأعمال إدارية ومالية، وأعيدوا له كرامته وثقته بنفسه.. فسوف تعود أشياء عظيمة إلى التعليم إن عاد المعلم إلى مكانه ومكانته.
أرجو أن يصل صوتي إلى أبعد مدى.
عبد القادر مصطفى عبد القادر
تربوي وكاتب