علاء ثابت يكتب: كلُّ الحكاية
كلُّ الحكاية..كانت بدايةُ كلِّ شيء. كنتُ أرتجفُ في المرةِ الأولى التي وضعتُ فيها كلماتي بين يديها. ظننتُ أنَّ العالم سينهار من ثقلهما، لكنَّ نظرتها كانت شيئًا آخر. المبدعةُ زينب زمزم لم تكن عيناها تقرأُ فقط، بل كانت تبحثُ في السطورِ عمّا لم أقله، عمّا يختبئ في شقوقِ الحروف. كانت ترى ما لا أراهُ أنا في نفسي. قالت لي يومها: "لديك جناحان، فلا تخف من السماء." وكان ذلك بدايةَ التحليق.
معها، لم تكن الكتابةُ مجردَ حرفةٍ أو فن، بل كانت رسالة. تعاونّا في كتابة "قصص الأنبياء"، وسير "المبشّرين بالجنة"، وغيرها من الأعمال. كنا نبني عوالمَ للأطفال.
مكالمتُها الأخيرةُ
وحين جاءت مكالمتُها الأخيرةُ قبلَ عدةِ أسابيع، شعرتُ أنَّ روحَها تُشرق من جديد، وكأنها تخبرني: "هناك المزيد لنقوله، هناك قصص لم تُكتب بعد". كانت تؤمن بأنَّ الكتابة للأطفال ليست مجردَ مهمةٍ، بل ضرورة؛ حلمٌ مستمرٌ لا ينقطع. كنتُ أظنُّ أنَّ الحياة تمدُّ لنا يدها بفرصةٍ أخرى، لم أكن أعرف أنَّ تلك المكالمةَ ستكون الوصيةَ الأخيرة.
ثم رحلت. هكذا ببساطة، كأنها حلمٌ تبخرَ قبلَ أن يكتمل.
أسيرُ الآن بخطواتٍ مثقلة، لا أعرف إن كنتُ أعزّي نفسي أم أعزّي أحبابها، لكنني أعلمُ أنني أبحث عن عزاءٍ في كلِّ شيء. كيف أتصالحُ مع غيابها؟ كيف أصدّق أن التي كانت تسكنُ الحروفَ قد أصبحت الآن غائبةً عنها؟
يقولون إنَّ الموت هو الحقيقةُ الوحيدةُ التي لا خلافَ عليها، لكنني أرفض أن أصدّق. أرفض أن أقبل أنَّ الحكاياتِ التي بدأناها معًا لن تجد نهاياتِها. كيف يمكنُ لحياةٍ أن تتوقفَ هكذا فجأة، دون إنذارٍ أو تصفيةِ حسابٍ مع من يحبونها؟
زينب زمزم لم تكن مجردَ إنسانة، كانت فكرة، كانت طاقةً تملأ المكان أينما حلّت. وحتى وإن غابت الآن، فإنَّ صوتها في داخلي، تلك الجملةُ الأخيرة، تلك الدعوةُ لأن أعودَ وأكتبَ للأطفال، لن أتركها تموتُ معها.
هي الآن في مكانٍ آخر، ربما تراقبنا، وربما تبتسم لذلك الطفل الذي كبر في عينيها ذات يوم.
وأنا، سأكتبُ من أجلها، من أجل الحكايات التي لم تُكملها، ومن أجل كلِّ طفلٍ سيقرأ يومًا ويجدها بين السطور.
زينب، لم تكوني مجردَ بداية، كنتِ كلَّ البداية، وستبقين كلَّ الحكاية
- كاتب المقال
علاء ثابت
رئيس تحرير صحيفة الأهرام السابق