مظاهرات الطلاب.. من كوبري عباس إلي جامعة الأزهر
الثلاثاء 21/يناير/2014 - 11:24 م
تصاعدت في الأيام الأخيرة حدة تظاهرات الطلاب، وازدادت درجة العنف، دون هدف أو مبرر منطقي، اللهم إلا السعي لتحقيق أهداف الجماعة الإرهابية، وهو سعي فاشل، وغير مشكور.
الطلاب دائما في قلب الأحداث السياسية، وجزء فاعل من الحراك السياسي، وأول الفئات التي تطالب بالتغيير؛ نظرا لطبيعتهم السيكولوجية الرافضه للجمود والساعية إلي التغيير.
لذا؛ ليس من المستغرب أن نجد الشباب وخاصة طلاب الجامعات في مقدمة الصفوف في معظم التظاهرات، وآخرها مظاهرات الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو.
وبنظرة تحليلية إلي مظاهرات الطلاب زمان والآن؛ نجد الفارق كبير؛ في الأهداف وفي الأسلوب. فالمظاهرات زمان كانت نتاج للحالة السياسية العامة وللحالة الجماهيرية، ونتاج لموازين القوي، وانعكاس لأوضاع القوى السياسية وعلاقتها بالجماهير في لحظة ما. أما الآن فهي نتاج لحالة سياسية مشوهة، وتعبيرا عن أقلية لا تمثل الجماهير الحقيقية. زمان، مظاهرات الطلاب كانت بدافع تلقائي، أما الآن فهي مأجورة. زمان كانت من أجل الوطن، والآن لبيع الوطن، زمان كان يحركها الانتماء، الآن يسيرها عدم الانتماء. زمان كانت قبضة الأمن قوية، أما الآن فالقبضة مرتخية.
وإذا رجعنا إلي الوراء، وتحديدا إلي مظاهرة طلاب جامعة القاهرة في11 فبراير 1973 نجدها عبارة عن مقطوعة موسيقية رائعة، جاءت من العزف الجماعي لتفاعل المتظاهرين، حيث تجمع حوالي ثلاثة آلاف طالب أمام النصب التذكاري لجامعة القاهرة بعد أن طافوا بالحرم الجامعي. وكان هناك المئات من الطلاب معتقلين داخل السجون. ووقف الطلاب يرددون شعاراتهم: "أصل معدش فيها رجوع ... جه ميعادنا للطلوع" وكان الطلاب محاصرين من جميع الجهات. حاصرت قوات الأمن منطقة بين السرايات، ووضعت آلاف الجنود على مشارف كوبري الجامعة ومنطقة تمثال نهضة مصر وحديقة الأورمان.
ولأن الطلاب يفكرون ولديهم القدرة علي المناورة وإيجاد الحلول، فغالبا ما تنجح مظاهراتهم وتفشل محاولات الأمن لفض تظاهراتهم. وهم غالبا ما يتحركون ولا يقفون في مكان ثابت. وهذا من عوامل نجاحهم؛ ففي المظاهرات المتحركة يستطيع المتظاهرون التوجه ناحية الجمهور والتفاعل معهم، ويصبح الجمهور قوة ضاربة في المظاهرة.
والمظاهرة المتحركة حينما تسير بحرية وفاعلية وتحدد مسارها بين الكتل البشرية، فإنها تستطيع إذا بدأت بمئات أن تصبح آلاف بسهولة، وإذا بدأت بالآلاف يمكن أن تتحول إلى عشرات ومئات الآلاف، طالما أن المظاهرة في توجهها السياسي تتجاوب مع مشاعر الجماهير ومطالبها.
أما مظاهرات طلاب الجامعة الحالية فهي مظاهرات "معلبة" داخل الحرم الجامعي. وهذا النوع من المظاهرات، المظاهرات المحاصرة (الثابتة) فإن المتظاهرين لا يملكوا سوى الصراخ من داخل الصندوق (الحرم الجامعي) وتحطيم مايقابلهم نتيجة الحالة النفسية التي فرضوها علي أنفسم بالحصار.
مظاهرات اليوم ليست تظاهرا حرا، بل هي انتزاع لحق التظاهر. وليس لها غطاء جماهيري فغالبية الجماهير ليست طرفا فاعلا فيها. بعكس مظاهرات الأمس التي كانت تحدث ضمن عمل شعبي يتسم بالاتساع في كل مكان.
مظاهرات الطلاب في السابق كانت تنتبني قضايا وطنية، مثل مظاهرة 13 نوفمبر 1934
ضد تصريحات وزير الخارجية البريطاني آنذاك والذي قال فيها ان دستور ثلاثة وعشرين غير صالح للعمل به، وان دستور ثلاثين ضد رغبة الأمة بالإجماع، فخرجت مظاهرات عارمة تندد بهذا التصريح، وبسقوط الحكومة، وخرج طلاب الجامعة وانضم إليهم طلاب المدارس فى مظاهرة، هاتفين ضد تصريح الوزير وضد إنجلترا، ومنادين بسقوط الحكومة، وتحت ضغط الحركة الطلابية استجاب الرأي العام وأعلن أن يوم 21 نوفمبر 1935 سيكون إضرابًا عامًا.
مظاهرات الأمس كانت تتمحور حول قضية قومية تهم الشعب كله، أو علي الأقل قطاع عريض منه، أما مظاهرات الجامعة الآن فهي تتمحور حول شخص(محمد مرسي، أو بديع) أو تسعي لتحقيق مصالح فئة قليلة أو جماعة منحلة.
والأهم من هذا كله؛ أن طلاب زمان كانوا مخططين. أما طلاب اليوم فهم تابعون، هم مجموعة من البشر لا يستطيعون تكوين رأي أو اتجاه، يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة المسيرة لهم دون تفكير أو تخطيط منهم قبل الإقدام على أي سلوك. لا يملكون رأيا خاصا بهم أو يحتكمون إلى العقل قبل اتخاذ قرار، أو يخططون لما يريدون الوصول إليه، وإنما هم يتبعون الجماعة فيما تقوم به، والخطورة في هذا ليست فيما يحدث الآن، بل الخطورة الحقيقية في ترويض هذا الشباب ليندمج في المجتمع، ويصح فاعلا، يُعمل عقله، ويتبع الحق ولا يتبع الهوي.