حكايات من الجامعات
جامعاتنا المصرية لا تنتهي فيها الحكايات، ما بين مشكلات تنخر في أساساتها ومحاولات للصمود وأداء الواجب، وحلول للمشكلات موجودة ومطروحة منذ سنوات أمام الجميع إن كان هناك رغبة في الإصلاح وهو ما لا نراه. ما بين راغبين في الإصلاح الحقيقي وبين رافعي الشعارات عاقدي المؤتمرات المنفذين لألاعيب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مدمري الدول والجامعات، فاتحي الأبواب للجامعات الأجنبية ولكل مرتدي القبعات. حيث رفع شعار السعي للعالمية كمبرر للقضاء على الجامعات الحكومية من أجل فتح الباب للجامعات الخاصة والأجنبية في إطار زيادة تغول رأس المال وسيطرته على كافة مناحي الحياة في مصر. سياسات بدأت في التسلل للجامعات المصرية منذ وزارة هاني هلال وما زالت مستمرة حتى اليوم، تثبت بل وتخفض ميزانية الجامعات الحكومية في مقابل زيادة أعداد الطلاب بها وتطالبها في نفس الوقت بجودة التعليم التي تحولت إلى جودة ورقية وسبوبة مالية للمشاركين فيها دونما عائد يذكر لمجرد تنفيذ أوامر الغرب الذي لا يهمه إصلاح التعليم بل تخريبه.
وزيادة سكانية
تدفع بالمزيد من الطلاب للتعليم الجامعي معظمهم لا يعرف كيف يكتب جملة واحدة صحيحة
بسبب انهيار التعليم العام ووزير يظن نفسه وزيرًا للتعليم في الولايات المتحدة لا يقدم
أفكار للإصلاح بقدر ما يقدم أوهام لا يمكن تطبيقها لأنه لا يعرف أرض الواقع ولم يزرها
يومًا.
جامعات تئن تحت
قيادة وزراء واحد تلو الآخر لا يفعلون سوى التصريحات بإصدار قانون جديد لتنظيم الجامعات،
وينهي الواحد منهم مدته ولا إنجاز له سوى التصريحات والتجاوزات. فلم نشهد لأي وزير
منذ التسعينات إنجازات حقيقية تحسب له، سواء من حيث الإرتقاء بالجامعات أو العاملين
فيها. إلا إذا كان بعضهم يفاخر بزيادة عدد الجامعات وهي زيادة وهمية تمت بتحويل فروع
الجامعات في بداية الألفية إلى جامعات لنيل رضا القيادة السياسية وقتها دون أن تمتلك
هذه الفروع ما يؤهلها لتصبح جامعات بمعنى الكلمة، وهي السياسة التي استمرت بفتح عشرات
الكليات دون توفير البنية الأساسية أو البشرية لها فأنتجت لنا دكاكين تحت مسمى كليات
تساهم في تدهور التعليم وليس تقدمه، حيث أصبحت الكثير منها فرصة لكل أصحاب النفوذ ممن
يريدون تعيين أقاربهم في الجامعات حتى ولو لم يكونوا أصحاب الحق في ذلك.
ما بين أساتذة
يعرفون معنى العلم والوطنية الأستاذية يعانون الأمرين في الجامعات من أجل القيام بواجباتهم
في التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع حيث تستنزف سنوات عمرهم ما بين الماجستير والدكتوراة
ثم الأبحاث المستمرة من أجل الترقيات، وفي المقابل يعانون من مرتبات لا تكفي الحد الأدنى
من تكاليف الحياة تقل عن رواتب الحاصلين على الدبلومات في عشرات الجهات في الدولة وكان
نظام مبارك يتعمد ذلك لإذلال أساتذة الجامعات ووضعهم تحت ضغط الحاجة بشكل مستمر فيهرب
منهم من يهرب إلى الخليج بحثا عن الحياة الكريمة ومن يتبقى منهم يسعى إلى سداد احتياجات
أسرته باللجوء للعمل الخاص الذي عادةً ما يمنعه القانون، بل وصل الأمر إلى الدروس الخصوصية
والتجارة بالكتب للتحول الجامعات لحلقة أخرى من حلقات فشل التعليم العام، ومن حافظ
منهم على كرامة مهنته لا يجد مرتبًا يكفيه هو وأسرته، وإذا حاول الترقية عانى من أجل
إنهاء أبحاثه وتكلف ما يزيد عن راتبه من أجل القيام بها، فإن أنهاها واجه أسلوب للترقية
يسوده الشللية والوساطة والمحسوبية، وإن مرض لا يجد العلاج، فإن توفى عانت أسرته من
ملاليم المعاشات وهناك حالات كثيرة لزملاء توفاهم الله وقام زملائهم بجمع تبرعات لهم
تحفظ ماء وجههم. وهي كلها مشكلات لم تسع وزارة واحدة لحلها بل لا نبالغ إن قلنا إن
بعضها تعمد زيادة هذه المشكلات حتي يستمر أعضاء هيئة التدريس بين مطرقة المتطلبات المعيشية
والوظيفية وسندان المرتبات المنعدمة وليست الضعيفة. وما بين آخرين تمثل الجامعة بالنسبة
لهم منفذ لبث أفكار جماعتهم الإرهابية، وشتى أنواع التجارة داخلية وخارجية، ومجال لممارسة
الفساد بشتى أنواعه. والغريب أن النوعية الأخيرة هي التي تحظى بكل المميزات سواء المادية
أو الأدبية في دعوة صريحة للفساد والإهمال..
ما بين قيادات
تنجز في أيام ما ينجز في سنوات مثل د محمد عثمان الخشت في القاهرة و د ماجد القمري
في كفر الشيخ ود معوض الخولي في المنوفية حيث استطاع كل منهم ترك بصمة قوية في جامعته
ما بين استعادة القانون بشكل فعلي ومنع الجبايات غير القانونية وإعادة الثقة بين والتحول
لمنبر تنويري ثقافي تعليمي هام في القاهرة والانتقال بالجامعة نقلة نوعية لم تحدث في
جامعة مصرية سواء من الناحية الإنشائية أو المعملية أو البحثية في كفر الشيخ لتصبح
جامعة عالمية على أرض مصرية أو رئيس جامعة يذيب الفواصل بينه وبين العاملين معه ويهتم
بكل شئونهم في المنوفية، وبين قيادات لا تعرف سوى الجلوس على مقعد رئاسة الجامعة لى
وتتصرف بعنترية وترفع سيف العقاب سواء بالقانون أو بالمخالفة للقانون اعتمادًا على
أن على المتضرر اللجوء للقضاء والبقاء سنوات في دهاليز المحاكم حتى يحصل المظلوم على
حقه بعد أن ينفق سنوات عمره في القضاء ويكون المسئول الظالم قد ترك منصبه وقيادات أخرى
تترك الفساد بل وتوفر له الحماية وهناك جامعات لا تتوقف الصحف عن نشر وقائع الفساد
فيها ما بين تلاعب في تعيينات أعضاء هيئة التدريس وإخفاء أوراق بعضهم بعد تعيينه لإخفاء
آثار الجريمة وتلاعب في النتائج وتزوير ونجاح لطلاب عرب لم يدخلوا مصر من الأساس. وما
ذلك إلا نتاج لنظام فاسد لتعيين القيادات يعتمد علي برنامج لا يقرأه أحد ولا حتى لجنة
المقابلات ولا يتم مراجعته بعد فترة من التعيين لمعرفة مدى تطبيق ما جاء به، ولجنة
يغلب عليها الاختيار بناء على الوساطات التي تساند كل مرشح ومدى تقربه للمسئولين الأعلى
منه ورضائهم عنه، حتى أن الوزير الحالي نفسه حين كان نائبًا لرئيس جامعة عين شمس رشح
نفسه لرئاسة الجامعة ووجدت اللجنة المختصة باختيار القيادات أنه لا يصلح أن يكون بين
أفضل ثلاثة مرشحين فلم ترشحه لرئاسة جامعة وبعدها بشهرين فقط تم اختياره وزيرًا للتعليم
العالي ليصبح مسئولاً عن كل الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا، وهنا يثور
التساؤل أيهما كان أكثر دقة وصوابًا في قراره لجنة اختيار القيادات أم الرئاسة وهي
الأكثر دراية وحكمة التي وجدت أنه يصلح لقيادة التعليم العالي كله ، وواقعة أخرى في
أحدى الكليات الجامعية تم ترشيح ثلاثة مرشحين منها لتولى العمادة فتم تعطيل الأوراق
أربع سنوات كاملة لينتهي الأمر بخروج اثنين من المرشحين إلى المعاش وتعيين الثالث في
مخالفة صريحة حتى للقواعد الفاشلة الموضوعة حالياً.
الطريق لحل هذه
المشكلات والارتقاء بالجامعات وكل العاملين بها من أعضاء هيئة تدريس وموظفين متاح ومعروف
وقدمناه مرارا وتكرارا لكن ماذا ننتظر ممن يرفضون بشتى الطرق وبشكل صارم تدريس مقرر
مدخل إلى علم الأخلاق كمقرر جامعي يسعى لغرس القيم الأخلاقية المختلفة بين الطلاب وتوعيتهم
في الحرب ضد الفساد والإرهاب وكأن من يفعلون ذلك هم أنصار للفساد والإرهاب والجهل في
كل مكان
· * منشور في "السبورة " الورقي