درس خصوصى.. حين مطلع الفجر!!
الجمعة 03/نوفمبر/2017 - 09:50 م
لعل من عجائب الأمور أن يطرق معلم باب تلميذته ، التي هي بالصف الرابع الإبتدائي ، في الخامسة والنصف صباحاً ، كي يُعطيها درساً خصوصياً ، ولعل ما أرغمه علي ذلك ، إفتقاره إلي أية أوقات أخري للحضور لتعليم الطفلة ، بعدما إنشغلت ساعات نهاره وليلِهْ ، بمواعيد دُروسه الخاصة ، التي يبدأها منذ باكورة الصباح وتنتهي بحلول ظلام الليل وسكونه !!
وكيف هو شعور أهل البيت عند استيقاظهم ، في ذلك الوقت الحرج ، لإستقبال معلم إبنتهم ، وماذا هو شعور المعلم نفسه ، وهو يزور بيت تلميذته في ذلك الميقات العجيب ، الذي يلي طلوع الفجر بقليل..
وحتماً أن قدوم المعلم في ذلك الوقت الباكر من الصباح ، يُعد مصدر قلق جسيم لدي أهل البيت جميعهم، وخاصة أن التلميذة، ذو العشرة أعوام، ليست قادرة على إيقاظ نفسها فجراً، لاستقبال معلمها، دون مساعدة أي من الوالدين..
ولعل تلك الطفلة المسكينة، كانت تستيقظ باكية أو صارخة، وهي تتوسل لوالدتها أن تتركها لكي تنم مزيداً من الوقت، لتستمتع بدفئ الفراش في جو الشتاء القارس مثل قريناتها، ولكنها ميقات درسها، هو الذي أجبرها لأن تنهض من فراشها ، قبل ميعاد درسها، ربما بساعة زمنية كاملة، لكي تغتسل وتفيق من نومها، ثم تتناول فطورها، وترتدي ملابس مدرستها، وتتهيئ للجلوس مع معلمها ، لتأخذ درسها ، وهي قلقة، خائفة تترقب أن يفوتها ميعاد الذهاب لمدرستها !!..
وما حال تلك الطفلة، وهي جالسة في مقعدها بحجرة الفصل، قليلة التركيز، بعدما حُرِمَتْ من أخذ قسط وافر من النوم، وربما يدفعها ذلك للدخول في حالة نوم عميق، يعقبه شخير عالي الصوت!!..
لم أسأل زميلي المعلم، هل كان يُعاقب تلميذته إذا قصَرتْ في واجباتها، فيُسبب لها آثار نفسيه ومعنوية سيئة ، فتذهب لمَدْرستها ، حزينة كارهه للمدرسة والتعليم معاً، رغم إستقطاعها من وقت نومها وراحتها، لتُخصصه لأجل درسها، التي يُعقد في ميعاد غير مألوف، وربما أن زميلي المُعلم قد أحدث إنفراداً أو إبتكاراً لم يسبقه به أحد ، بإبتداعه لذلك الميعاد القاسي ليُصبح كأي ميعاد لدرس خاص ، ويُصبح صديقي مُعلم الأوقات الصعبة!!..
وماذا لو نامت الطفلة متأخراً، في ليلة ما، فكيف لها أن تستيقظ منتبهه لدرسها، إلا إذا ظلت، وهي في درسها ، تقاوم النوم وتُدلِك عينيها بيديها من حين لآخر حتي لا يغلبها النوم، وماذا لو نام المعلم متأخراً ، في إحدي الليالي، هل سيقدرعلي التركيز والشرح بكفاءة ، أم سيظل يتثاءب ويبدو وكأنه في حالة سُكْرْ وشرود ذهني ؟!!..
كان عجبي لا يُوصَف وأنا أستمع لحديث زميلي ، الذي يُحَمِل جسده فوق طاقته ، ويُهمِل في صحته عظيم الإهمال، ويُجهد رِجْليه بالذهاب والإياب مرات كثيره يومياً، لزيارة أكبر عدد من البيوت، لأجل الدروس المنزلية ، ليجمع المال لمواجهة غلاء المعيشة الفاحش .
كان صديقي المُعلم، دائم الشكوي من حالة اللغوب القاتل التي تلازمه، نتيجة الجهد الهائل جداً، الذي يبذله ليلاً ونهاراً في دُروسه الخاصة، وكان الحزن دائماً يرتسم وجهه، وهو يشتكي من أوجاع ظهره وآلام في رقبته وحاجته لإجراء جلسات علاج طبيعي بأمر الطبيب ، مُعترفاً بظُلمُه لنفسه ، حزيناً متحسراًعلي حالة الخجل التي تفاجئه ، إذا أصابه النعاس وهو يُعطي درساً لتلميذ ، فلا يتنبه من نُعاسُه إلا إذا أيقظه التلميذ ، وحينها لا يتمني المُعلم كل أموال الدنيا ، وإنما تُصبح أعظم أمانيه ، أن يسمح له تلميذه بأن ينام قليلاً ليذهب الصداع الذي يكاد أن يُفجِرْ رأسه ، ولكي يرتاح جسده ، الذي أصابه الوهن والوجع والمرض ، إنه جسد صديقي المعلم الذي لم يبلغ من عُمرِه الثلاثين !!..