السبت 16 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

ثورة ضد معلم البرسيم

الثلاثاء 22/أغسطس/2017 - 12:21 ص

أطفال في عمـرالزهـور، محدودي الفكر، ضِعاف الجسم، لا يفقهون شيئاً عن المكر أو الدهاء، لا ترى في أعينهم إلا البراءة، لا تتزين وجوههم إلا بالضحكة البريئة، وإذا بهم تُهان كرامتهم الإنسانية، على يد مُعلم مدرستهم الابتدائية في صعيد مصر!!.ز

شيئ لا يقبله دين سماوي أن تُمَس كرامة أطفال أبرياء، ذهبوا للمدرسة ليتعلموا العلم ويتزودوا بمكارم الأخلاق، فوجدوا معلماً لا يعي من الأمانة شيئاً الفصل، يرغمهم على أكل البرسيم!!..

عندما قرأت خبراً على إحدى البوابات الصحفية المصرية، ويحمل عنوان "حبس معلم أجبر الطلاب على أكل البرسيم" ، أصابتني الدهشة، حيث أفصحت تفاصيل الخبر بأن مدرس بصعيد مصر، أقدَمَ عن نيَة مبيَتة، وأخذ قراراً شيطانياً، بصنع متود أسمنتي داخل الحرم المدرسي، وأحضر بداخل هذا المتود كمية من البرسيم الأخضر الطازج، ثم أجبر أطفال الفصل علي التهام البرسيم الموجود بداخل المتود الأسمنتي لمجرد تقصير هؤلاء الأطفال في كتابة واجباتهم المدرسية التي كلفهم بها!!..

بالفعل رضخ الأطفال لأكل البرسيم، بعد أن هددهم المُربي الفاضل، باستخدام الضرب الموجع، إذا امتنعوا تنفيذ أمره، غير مبال بما قد يسببه طعام البهائم من ضرر صحي ومعنوي ونفسي جسيم لهؤلاء الصغار، واعتبر المعلم أن ما فعله من تصرف إجرامي، هو نوع طبيعي جداً من أنواع العقاب تجاه تلامذته، وحتى لا يهمل المهملون واجباتهم مرات قادمة!!..

إنها حادثة بمثابة قامة إجرامية لم نعهد مثلها من قبل، فأعرافنا كمصريين تدعوا للتعامل بالحسني واللين، وإستخدام العطف عند معاملة حديثي السن..
ولم ندري ماذا فعلت وزارة العدل تجاه تلك القضية؟، وهل اقشعرت أبدان الحقوقيين لهول الموقف، ثم أين المنادون بالحريات، والمناضلون من أجل حقوق الإنسان والماكثون والمرابطون في سبيل حماية الطفل والطفولة؟!..

ولك أن تعلم أستاذي الجليل، أنه عندما يتعرض الطفل المصري داخل مدرسته لأي إرهاب نفسي ممثلاً في ضربه أو إهانته، أو حتى سبِه وقذف الرعب بداخله، وإيذاؤه نفسياً، والقسوة في معاملته، فهي إذن جريمة فظة للغاية، ولا يقبل بها أي إنسان مهما كانت هويته أو موطنه.. بل ربما يتسرب ضحايا الإيذاء المدرسي سواء إيذاء بدني أو نفسي، ويهربون من محراب العلم إلى مجتمع البلطجة والعنف!!..

لم نعلم أين كان مدير المدرسة حين وقعت واقعة البرسيم وماذا فعل تجاه ذلك المعلم الفاقد للسلمية والمسئولية ؟!!.. وربما استغل معلم البرسيم، حالة الخشخشة الأمنية التي دبَت في جسد المجتمع المصري، وظن أنه لا رادع له، فأقدم بكل جبروت علي ما فعل، وربما سولت له نفسه أنه سيفلت من العقاب، ولنعلم أن غياب الشق التربوي والأخلاقي عند ذلك المعلم جعل شيطانه يقدم البرسيم كوجبة إجبارية لا مفر من تناولها ولو بالقوة ليرهب بها أفئدة الأطفال، ويحشو بحزمات البرسيم بطون البراعم التي لا تطيب إلا بأكل الطعام الطيب!!..

وهل ينتوي معلم الصعيد في المرة القادمة أن يغلظ عقوبته علي المخطئين من الأطفال، بأن يسقيهم مشتقات البرسيم سقياً، بعد أن يصنع منه العصائر المتنوعة، أو ربما يحضره معه، مطبوخاً في أواني ويضيف إليه النكهات اللذيذة.. ولك أن تتخيل سيدي القارئ، ماذا لو زين للمعلم المُخطئ سوء عمله، وأتي بجوال من التبن الأصفر ليكمم به أفواه المتمادين في الأخطاء من براعم العلم!!

إن لجوء أي معلم للضرب الخفيف لمعاقبة طلاب المدارس، أمر قد نتجاوز عنه نسبياً أو نقبله شيئاً ما، ومع ذلك فنحن ضد استخدام الضرب المبرح الذي يترك أثر جسدي أو نفسي، وقد يُنشئ حالة مستديمة من العدوان والكراهية  بين المعلم والمتعلم.. 

حالة ثورة عارمة تزعمها أولياء أمور أطفال البرسيم، ضد معلم البرسيم،  الذي أساء لفلذات أكبادهم بإطعامهم  طعام البهائم والأنعام ، وهم بشر من بني آدم ، و الله كرَم الإنسان في القرآن الكريم وباقي الكتب السماوية المقدسة ،،  وتراقب حالة الغضب لا يزال متوهجة ، رغم حُكم القضاء بالسجن عام مع الشغل علي مجرم واقعة البرسيم!!

وليعلم من لا يعلم أن عصب رسالة المعلم هي التربية الحسنة ثم التعليم المفيد ، واستخدام الحلم والتحلي بآداب العلم حينما يشرع كل معلم في تعليم من يعلِمُه.
وأخيراً ..  كان لزاماً لا هوادة فيه ، أن يجاهد وزير تعليم مصر بشأن إصلاح التعليم ، لعله ينفع الأمل ويأتي بنتيجة مُرضية ، ولا يتسرب أطفالنا من مدارسهم الحكومية المُهمَلة رقابياً وتربوياَ ، ويصبح منهم  أطفال شوارع يتشربون العنف ، ويتحولوا لأصدقاء سوء ومجرمين ، وكثيراً يلجئ الأثرياء لتعليم أبنائهم بالمدارس الخاصة ، ليضمنوا كرامة محفوظة ومعاملات أرقي ولُطف كبير بأولادهم ، وإن كان هذا الحل مستحيلاً أمام كل محروم ومحتاج..

وليتوخي كل مُعلم حذره من شبيهات قادمات لحادثة البرسيم ، فإحترام النفس والذات قبل العلم ، وعندما يُوضع التعليم في كفة.. وكرامة المتعلم في الكفة الأخري فلابد أن ترجح - بثِقل - كفة الكرامة والعِزة ، أما التعليم فلا خوف عليه ، وليأتي علي مهل!!..