الأحد 17 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

الأدارات المسيسة أحد أكبر أشكالات مؤسسات التعليم العالي

السبت 07/يناير/2017 - 02:39 ص

من المحن التي لا تحدث الا في هذا الوطن المنكوب ان الحقوق لا تؤخذ عبر قنواتها المشروعة, فمن يطالب بحقه ( بأخوي واخوك) لا يجد الا التجاهل , ولكن من يرفع رأية العصيان يستمع له بأصغاء , بل وقد يصبح وزيرا كحال الحركات المتمردة.....! وهذا ما ينطبق علي أزمة طلاب جامعة البحر الأحمر الذين بدؤا بمطالبهم عبر القنوات المشروعة مطالبين بتحسين البيئة الجامعية ولم يجدوا اذانا صاغية ,وكانت الطامة الكبري التي عمقت الأزمة جراء ما تعرضوا له من اعتداءات في انفسهم وممتلكاتهم من قبل الأجهزة النظامية , وبالتالي أستفاد هؤلاء الطلاب من موجة العصيان التي ضربت البلاد مؤخرا ابتداء من اضراب الاطباء ,زادت من تنامي الوعي الجمعي , وبالتالي كانت الأجواء مهيئة لهؤلاء الطلاب لتنفيذ العصيان من اجل الاستجابة لمطالبهم التي تنامت عقب الاعتداءات التي تمت بحقهم, وكان من الاحري من ادارة الجامعة ان لا تستهين بمطالبهم منذ البداية التي تتمثل في خلق بيئة جامعية مريحة بغض النظر عن تحقيقها أم لا ,ولكن أن تتعامل معهم بطريقة محترمة , ثم الخطأ الثاني الذي أرتكبته أدارة الجامعة اذ كان عليها أن تتصدي لهذه المشكلة عقب حادثة الأعتداء وعلي أقل تقدير تستنكر الأعتداءات التي تمت من قبل الأجهزة النظامية, بغض النظر عن تبعية الداخلية لجهة أخري وهي صندوق دعم الطلاب , فهؤلاء الطلاب يتبعون للجامعة في المقام الأول وليس صندوق دعم الطلاب , لأن تباطؤ ادارة الجامعة وتنصلها من المسؤلية هو ما دفع هؤلاء الطلاب الي رد فعل اعنف وهو الأضراب عن الامتحانات , وقد أستطاعوا أن يوصلوا رسالتهم , اذ كانت الأستجابة واسعة من زملائهم الطلاب الذين أبدوا تضامنهم , مما أجبروا أدارة الجامعة علي تأجيل الأمتحانات وأعادة النظر بجدية في مطالبهم , ما كان لها ان تحدث لو ان ادارة الجامعة تعاملت مع الأحداث بجدية , نعم هناك بعض التجاوزات السالبة شخصيا أستنكرها حدثت من بعض الطلاب المحتجين , ولكن هذا كله من باب رد الفعل , ثم توالت الأحداث من الاجهزة النظامية تجاه الطلاب, واعتقال بعضهم بطريقة مهينة وتقديمهم للمحاكمة اثر اعتقالهم عقب دخولهم في اضراب مفتوح عن أداء الأمتحانات مالم تتحقق مطالبهم, هذه الخطوة زادت من توسيع دائرة التضامن من داخل الجامعة من زملائهم الطلاب, ووجد هؤلاء الطلاب مساندة قوية من بعض المحامين الشرفاء الذين تصدوا لحمايتهم الي ان انصفتهم عدالة السماء بعد قرار محكمة الجنايات بشطب البلاغ المفتوح في مواجهة الطلاب عقب تدوين لائحات اتهامات ضدهم تحت المواد 69 و77 من القانون الجنائي .

 

 

 

القضية برمتها فشل أداري , فأدارة الجامعة أولا لم تستطيع أن تحل مثل هذه المشكلة البسيطة التي بدأت صغيرة اذ تعاملت معها بأستهتار , وثانيا لم تضع في بالها ان ينفذ الطلاب اعتصاما مستفيدين من الاجواء السياسية المحتقنة السائدة علي غرار اضراب الأطباء ثم حالتي الأعتصام المدني , فالفساد الأداري من طبيعة الانظمة الشمولية والفاشية لان الغاية عندها تبرر الوسيلة بحكم توجهاتها الاحادية ,فالمشكلة برمتها ادارية تتحملها ادارة الجامعة التي لم تتعامل بجدية وحكمة تجاه الحدث منذ بدايته , وكانت الطامة الكبري عقب الاعتداء علي الطلاب ومصادرة ممتلكاتهم هي التي حركت الطلاب ليتشددوا في مطالبهم ,وكانت الفرصة مواتية لادارة الجامعة حينها لأن تحلها بكل هدوء, ولكنها تمادت بحسب نظرتها القاصرة وأستمرت في الأمتحانات ,ولكن الأستجابة الواسعة من الطلاب لمقاطعة الأمتحانات, أجبرت أدارة الجامعة أن تعيد الأمتحانات, وبالتالي الخسارة كبيرة لادارة الجامعة التي ما كانت ستكلف نفسها شيئا لو كانت جادة في اول الأمر , فأدارة الجامعة فشلت في ادارة الأزمة منذ بدايتها , لأنه نظرت لها بعقليتها الأحادية , وبالتالي هذه مسألة طبيعية في ظل وجود ادارات مسيسة.

 

واحدة من أكبر عيوب الأنظمة البوليسية أن المناظر الطبيعية تصبح مقلوبة ,فعندما يطالب الطلاب بجزء من حقوقهم المهضومة , يكون الردع عقابا لهم....!فعلي سبيل المثال طلاب كلية الطب جامعة الفاشر رفعوا من قبل مزكرة احتوت علي مطال محددة لهدف تحسين البيئة الجامعية ومعالجة النقص الكبير في الاساتذة وتقليص الفترة المفترضة للتخرج التي امتدت الي ثمانية سنوات بخلاف المعتاد بالاضافة الي تكوين اجسامهم النقابية المصادرة منذ عشرة سنوات ,وعندما تجاهلت الادارة المزكرة بالرغم من انهم سلكوا طريقا مشروعا ,نفذ الطلاب اعتصاما وهو سلوك حضاري , ردت عليهم الادارة بتعليق الدراسة الي اجل غير مسمي وتوجيه الحرس الجامعي باخلاء الداخليات من الطلاب والطالبات في خلال24ساعة منذ ساعة صدور القرار......! فالاجراء عقابي الغرض منه تخويف الطلاب وهو احد سلوك النظام تجاه الطلاب نراه كثيرا في الجامعات السودانية ,ثم تعلن بعد ذلك الادارة المعنية بعد استئناف الدراسة شروط من ضمنها الالتزام بلوائح الجامعة التي تمنح من ممارسة اي نشاط سياسي او ثقافي في وطن يتحدث فيه هؤلاء صباحا ومساءا عن شعارات التحول الديمقراطي التي لا تجد طريقها للتطبيق علي ارض الواقع .

 

في احدي الجامعات الولائية , قامت الادارة بفصل د (محمد علي حمد) (اجراس الحرية عدد55)استاذ علوم المناهج في كلية التربية عن العمل, وذلك بدعوي تحريضه للطلاب علي الادارة ,هذا وقد درج د (محمد علي حمد) علي اشراك الطلاب في النقاش اثناء محاضراته مع لجوءه لاساليب مبتكرة في التدريس تعتمد علي تشجيع ملكة التحليل والمقارنة والاستنباط والاسقاط العملي علي الواقع المعاش ,واتاحته الفرصة للطلاب كي يعبروا عن ارائهم بحرية تجاه الاوضاع في الجامعة, استطلعت الصحيفة ادارة الجامعة ممثلة في عميد شؤون الطلاب, الذي صراح بان المشكلة يمكن ان تعالج ببساطة لولا عناد د (محمد علي ) ورفضه تقديم استرحام لمدير الجامعة.....ّ! ومن جهته رفض الدكتور المقال تقديم اعتذار عن جريمة لم يرتكبها اصلا.....! كما ادان مسلك الادارة الغير تربوي فيما يتعلق بتحريض بعض الطلاب علي التجسس وكتابة التقارير عن اساتذتهم.....! فبدلا من يتم الاشادة به علي ما يقوم به من جهد تجاه طلابه لتنمية مهاراتهم في الاستيعاب, يتم طرده من التدريس بالجامعة .

 

المشاهد اعلاه توضح بجلاء الفشل الأداري في مؤسسات التعليم العالي , فقد كان البريطانيون يفاخرون بأنهم خلفوا افضل الجامعات خارج بريطانيا في السودان , وكانت جامعة الخرطوم تعرف بأكسفورد افريقيا, ولكنها الان تدهورت الي القاع ,وفارقت عهدها الزاهي ,لتمكين القلة المتنفذة ومحاسيبها بعد ان اصبح الاختيار يتم لاقل الناس كفاءة, وتقدم الانتهازيين وانصاف الكفاءات الصفوف , واصبح الفرد بانتمائه للحزب الحاكم ومحاسيبه , اوبقدرته علي التملق التسلق علي اكتاف الاخرين , فمن الطبيعي ان تتدهور الجامعات علي نحو لم تشهده من قبل فمنذ العام 1989 تعاقبت علي الجامعات السودانية ادارات (مسيسة) تناست احتياجات التعليم العالي الاساسية في بلد نامي كالسودان وركزت جهودها علي تضخيم ثورة التعليم العالي المتوهمة,وتكريس عقلية النظام الحاكم الاقصائية داخل الجامعات عبر الاستهداف والفصل التعسفي لاسباب سياسية, والتواطؤ المكشوف مع منسوبي الحزب الحاكم في انتخابات الروابط والاتحادات الجامعية, وانشاء الوحدات الجهادية كي تمارس عنفها المنظم ضد الطلاب وتنظيم امتحانات المجاهدين التي يتنافي اجرائها مع معايير النزاهة العلمية المتفق عليها عالميا , وتبدي السلوك الانتهازي الواضح للنظام من خلال الاستثمار في التعليم وفتح ابواب القبول الخاص علي مصراعيه الامر الذي ادي الي تراجع الجامعات السودانية في التصنيف العالمي لسبب التركيز علي مناهج التلقين النظري وانعدام برامج التدريب والتأهيل العملي ,وفي المحصلة غابت جامعاتنا عن طوال الفترة الماضية عن المساهمة في اعداد البحوث الاكاديمية الجادة والاكتشافات العلمية المميزة باستثناء البحث الشاق والتدقيق الممعن في علوم الحيض والنفاس التي اذدهرت وتطورت كثيرا في عهد الانقاذ .

 

 

البروفيسور ( أسامة عوض الكريم ) تم فصله من جامعة الخرطوم في العام 1992 اختارته الخارجية الأمريكية قبل أيام ضمن خمسة علماء يتم اختيارهم من بين (100) جامعة من الجامعات الاميركية ليصبحوا مستشارين لوزارة الخارجية الأمريكية، الاختيار تم وفق معايير دقيقة وبناء على الكفاءة العلمية العالية ، وقامت كل جامعة بترشيح عالمين ليصبح العدد الكلى مائتي عالم ليتم اختيار خمسة منهم بعد المعاينات النهائية فى أكاديمية العلوم ووزارة الخارجية ,ويشترط أن يكون المرشح من الذين تتوفر لديهم المعرفة والخبرة العلمية الكافية فى العلوم والهندسة ، وان يكون معروفا في الأوساط العلمية القومية والعالمية ، وان تكون له المقدرة على تفهم التطورات العلمية خارج مجال تخصصه وان يقوم بعكس ذلك خلال النقاش داخل الوزارة إضافة لان تكون له المقدرة على عكس المسائل العلمية بطريقة تناسب غير المتخصصين فى المجالات .البروفسير( أسامه عوض الكريم) متخصص فى مجال الفيزياء التطبيقية ويعمل بروفسير فى شعبة علوم الهندسة والميكانيكا فى جامعة ولاية بنسلفانيا كما يعمل مدير مشاركا لمركز أبحاث وتدريب النابوتكنولوجى ,تحصل على البكالوريوس فى الفيزياء من جامعة الخرطوم , والدكتوراة من جامعة ردينق بالمملكة المتحدة ,بعدها عمل كباحث فى جامعة لينشوبنق بالسويد وكذلك فى برامج البحوث العسكرية السويدية ، مجالات البحوث التي يعمل فيها تشمل المواد الالكترونية وأنظمة النا مايكرو إليكترونية وميكانيكية. ألف كتابا فى هذا المجال يدرس ألان فى الجامعات الاميريكية والإنجليزية وألف ما يقارب المائتى مقالة فى المجالات المختلفة ،إضافة لكتابه أجزاء من كتب علمية وكتب وحضر عددا كبيرا من المؤتمرات . منح جائزة شل وجائزة الدولة فى السودان نال أكثر من زمالة خلال المؤتمرات العالمية فى الفيزياء والكيمياء بالسويد والمركز العالمي للفيزياء النظرية بايطاليا , ومثل البروف (اسامة) هناك الكثيرون من الكوادر الأكاديمية والأدارية في الجامعات تم الأستغناء عنهم لتمكين القلة المتنفذة ومحاسيبها , كانوا يمكن أن يساهموا في ترقية البيئة الجامعية وتطورها يقدموا مردودا أفضل من هؤلاء الذين يجلسون علي ادارات الجامعات , لولا أنها الفاشية والمحسوبية .

 

 

لقد تحولت الشعارات العشوائية التي اطلقتها حكومة الانقاذ في بداياتها مثل : لا لدنيا قد عملنا ,هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه , ومنها شعار القوي الامين, فما هو معيار القوة والامانة , اهي الامانة ......! ام التدين....! ولكن التدين أصبح قناعا زائفا كالثعلب في ادب الاطفال ,هكذا كما درسنا في المدارس عندما جاء الثعلب الي الديك في ثياب الواعظين ودعاه للنزول من الشجرة لاداء صلاة الجماعة, تماما كما فعلت حكومة الانقاذ مع الشعب السوداني, فارتدي كثيرون العمائم واطالوا اللحي وواظبوا علي اداء صلاة الجماعة, وانتشرت مظاهر التدين الشكلي بصورة غير مسبوقة في المجتمع السوداني والاهتمام بقشور الدين دون التركيز علي جوهر الدين وتطبيقه علي الواقع العملي, وسخروا المال العام في بناء المساجد في مؤسسات الدولة واصبحوا يستدلون بالايات القرانية , والاحاديث الشريفة في الخطب , والاجتماعات الرسمية , فتلوث فضائنا الاجتماعي واتسخت مناخات الحريةالعامة بالرياء والنفاق السياسي والاداري ,واصبح اكثر الناس كفاءة اكثرهم قدرة علي النفاق واستعداد التسلق علي اكتاف الضحايا, وعلي ذلك بحسب رأيي ان اكثر من 90% من الذين تبوؤا المناصب العليا التنفيذية والادارية في الخدمة العامة بشقيها المدني والنظامي هم لا يستحقونها , لأنهم لم ينالوها بجهدهم ,بل تسلقوا علي اكتاف الضحايا والمنكوبين ,ولكن من قسمة الله وعدله انه تكفل بتدبر امرعباده المظلومين في السودان وهم يكتسبون قدرات عجيبة في الانغراس في كل تربة يقفون عليها في أوطان المهجر والمنافئ القسرية ثم يتسلقون بسرعة قد لا يحلموا بنصفها اذا كانوا داخل الوطن .

 

 

 

 

بحسب الاحصائيات السودان الان يمتلك اكبر رصيد من الجامعات والمعاهد العليا في افريقيا والوطن العربي, وكل ما أوردناه من سلبيات ينطبق عليها , فمن الطبيعي ان يتدهور التعليم العالي ليبلغ مرحلة من السوء لا توجد في دولة في العالم , وكما أشار د عمر القراي في احدي مقالاته" صارت الشهادات العليا والشهادات العلمية من الماجستير والدكتوراة توزع بلا حساب علي عناصر المؤتمر الوطني ,يمنحون الدرجات العلمية من قمة الجامعات ,والذين يمنحونهم هذه الدرجات هم الذين عينوا سياسيا في قمة الجامعات ليقوموا بهذا الغرض من ضمن اغراض اخري, فأعضاء المؤتمر الوطني حين يمنحون بعضهم الشهادات العليا يعتبرون ذلك من ضمن سياسة( التمكين) التي طردوا بها الالاف الموظفين من اصحاب المهنية العالية واحتلوا مكانهم دون اي كفاءة " فهناك متاجرة سياسية بالتعليم العالي في السودان الذي لم يشهد طوال تاريخه انهيارا كالذي يشهده الان,فلدينا حوالي 50 كلية طب في عشرة سنوات , هذا لم يحدث في اي دولة , فليست جامعة البحر الأحمر وحدها التي تعاني من تردئ البيئة الجامعية , ,فأم الجامعات جامعة الخرطوم عاجزة عن توفير احتياجاتها ما عندا بند الاجور , فلا يوجد اي تطوير والاستاذ يعاني والطالب يعاني ومع ذلك نتكلم عن انشاء كليات طب وجامعات جديدة.....!فمن مصلحة الوطن ان تكون هناك كوادر مؤهلة, ولكن كل المعاينات واختبارات القدرات التي اجريت في مؤسسات القطاع العام والخاص وامتحانات مهنة الطب او القانون يكشف عن حجم الخلل البائن....! فعلي سبيل في الخارجية قبل اعوام لم يجتاز الامتحان سوي خمسة فقط من بين الالاف المتقدمين...! فليست لديهم مهارات او معرفة باللغات هذا علي مستوي اللغة العربية ناهيك عن اللغات الاجنبية وهذا مؤشر غاية في الخطورة فنسبة فشل الخريجين عالية جدا الا من رحم الله .

 

 

 

بحسب الاحصائيات السودان الان يمتلك اكبر رصيد من الجامعات والمعاهد العليا في افريقيا والوطن العربي, وكل ما أوردناه من سلبيات أعلاه ينطبق عليها , فمن الطبيعي ان يتدهور التعليم العالي ليبلغ مرحلة من السوء لا توجد في دولة في العالم , وكما أشار د (عمر القراي) في احدي مقالاته" صارت الشهادات العليا والشهادات العلمية من الماجستير والدكتوراة توزع بلا حساب علي عناصر المؤتمر الوطني ,يمنحون الدرجات العلمية من قمة الجامعات ,والذين يمنحونهم هذه الدرجات هم الذين عينوا سياسيا في قمة الجامعات ليقوموا بهذا الغرض من ضمن اغراض اخري, فأعضاء المؤتمر الوطني حين يمنحون بعضهم الشهادات العليا يعتبرون ذلك من ضمن سياسة( التمكين) التي طردوا بها الالاف الموظفين من اصحاب المهنية العالية واحتلوا مكانهم دون اي كفاءة " فهناك متاجرة سياسية بالتعليم العالي في السودان الذي لم يشهد طوال تاريخه انهيارا كالذي يشهده الان,فلدينا حوالي 50 كلية طب في عشرة سنوات , هذا لم يحدث في اي دولة , فليست جامعة البحر الأحمر وحدها التي تعاني من تردئ البيئة الجامعية , ,فأم الجامعات جامعة الخرطوم عاجزة عن توفير احتياجاتها ما عندا بند الاجور , فلا يوجد اي تطوير والاستاذ يعاني والطالب يعاني ومع ذلك نتكلم عن انشاء كليات طب وجامعات جديدة.....!فمن مصلحة الوطن ان تكون هناك كوادر مؤهلة أكاديميا وأداريا , ولكن كل المعاينات واختبارات القدرات التي اجريت في مؤسسات القطاع العام والخاص وامتحانات مهنة الطب او القانون يكشف عن حجم الخلل البائن....! فعلي سبيل في الخارجية قبل اعوام لم يجتاز الامتحان سوي خمسة فقط من بين الالاف المتقدمين...! فليست لديهم مهارات او معرفة باللغات هذا علي مستوي اللغة العربية ناهيك عن اللغات الاجنبية وهذا مؤشر غاية في الخطورة فنسبة فشل الخريجين عالية جدا الا من رحم الله .

 

ليس مؤسسات التعليم العالي وحدها التي تحتاج الي الكثير , لكي تعيد الي الوطن سيرته الأولي, وانما الخدمة المدنية برمتها , ,

ولن تستقيم الأوضع في (ظل) وجود العصبة الحاكمة علي السلطة,لأنها من سعت لتشوية كل ما هو موجود , فقد دفع من قبل البروفيسور (بيتر أدوك) وزير التعليم العالي الأسبق ممثل الحركة الشعبية في الفترة الأنتقالية بعدة أقتراحات,كان سيكون لها الأثر الايجابي في تطوير التعليم العالي, ابرزها كانت التوصية بان تنتخب ادارات الجامعات من قبل مجلس الاساتذة ,وذلك تدعيما لمبدأ الاستقلالية الجامعات عن الحكومة, والملاحظ ان القرار الذي دفع به كان خصما علي صلاحيات وزارته....! فوجود مجلس اساتذة مستقل يمكن ان يجابه القرارات التي تساعد في التطوير كما كان الحال سابقا في جامعة الخرطوم, ولكن كالعادة سعي النظام الحاكم لتكسيره بنقابة تضم كل العاملين في الجامعة اي ليس الأساتذة لوحدهم كما كان في السابق , ولكن مقترحاته قوبلت بالرفض والانتقادات من الفئات التي تعبر عن رؤية النظام المستفيد من استمرار سياسة تعيين مدراء الجامعات السودانية وفق قرار جمهوري يستند علي معايير ليس من بينها الكفاءة الاكاديمية والقدرات العلمية والحنكة الادارية ,فالتعليم العالي في السودان يحتاج الي مراجعة علمية ومهنية, ولكن المهم ان د (بيتر ادوك) وزير التعليم العالي الاسبق نجح في تشخيص الازمة , فالطلاب والاساتذة لوحدهم لا يمكنهم مواجهة ادارة متخبطة يسندها تنظيما حاكما اكثر تخبطا منها , لذلك لا بد من فك الارتباط ما بينهما عبر تحييد رئاسة الجمهورية , التي ما فتئت تتدخل سلبا في التعيين , فمقترحات وزير التعليم العالي الاسبق كانت تهدف الي تصحيح الاعوجاج لان مستقبل السودان مبني علي التخطيط لتعليم عالي قادر علي استيعاب حاجة البلاد التنموية, الامر الذي يتطلب الي صياغة قوانين جديدة فيما يتعلق بسياسات التعليم العالي, من شأنها تدشين ثورة حقيقية للتعليم بعيدا عن التأثير الحكومي .