علموا أولادكم يروحوا المدرسة!
من الأقوال المأثورة المكتوبة على حوائط المدارس: علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل.. بلاش يا سيدى: بس علموهم يروحوا المدرسة الأول.. علموهم يحترموا حرمة الشارع وحرمة المدرسة والجامعة.. غير معقول أن يكون أول ما يتبادر إلى الذهن، فى أول يوم دراسى، هو التحرش.. مفترض أنهم ذهبوا للتعليم.. جيلنا كان يعرف حرمة الحرم الجامعى.. حين دخلت الجامعة أول مرة دخلتها برجلى اليمين.. كأنى أدخل الجامع!
بالتأكيد الطلاب
يدرسون الأقوال المأثورة والقصائد.. ويحفظون الشعر الذى يحض على الأخلاق.. لا يهمنا
الحفظ، الأهم العمل بما نحفظ.. سلوك الطالب جزء من شخصيته.. المدرسة وحدها لا تكفى
لضبط الأداء.. الأسرة عليها دور كبير.. لا يكفى أن تنشغل فقط بشراء الملابس ودفع المصروفات
والدروس.. الأب ينبغى أن يقوم بدوره.. الأم مدرسة.. للأسف سخرنا من هذه التعبيرات..
اعتبرنا الأب «سى السيد».. اعتبرنا الأم دقة قديمة!
أكثر من عشرين
مليوناً انتظموا بالمدارس أمس.. نزلوا الشوارع مرة واحدة.. توقفت مصر فجأة.. ألا توجد
طريقة لعلاج المشكلة؟.. ألا يمكن أن نقسم الطلاب على فترات صباحية ومسائية؟.. للأسف
نحن نتعامل بالقطاعى واليومية مع الأزمات المصرية.. كان كل تفكيرنا أن نوقف «التحرش
المحتمل».. نزلت الشرطة السرية تملأ الميادين والشوارع وأمام المدارس.. شىء مهم فعلاً..
أهم منه تعليم الأولاد الأخلاق.. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت!
لا أنسى كيف كنت
أستعد للدراسة.. قبلها بشهر تقريباً كنت أبحث عن كتب الوزارة عند زميل يسبقنى.. آخذ
عنها فكرة وأقلب صفحات الكتب بعناية.. أحاول أن أدخل فى مُود الدراسة.. يحدث ذلك قبل
أن أشترى ملابس المدرسة.. كانت بسيطة للغاية.. لابد من كوتشى باتا.. كنا نقول عليه
كاوتش.. سعره 99 قرشاً.. جيلنا يعرفه جيداً.. وفى الليلة الموعودة تنام وبجوارك الكاوتش
والشنطة.. وحين تستيقظ فى الصباح الباكر لا تأخذ وقتاً طويلاً!
الآن الأولاد يشترون
الماركات العالمية.. لا يعرفون باتا.. لا يدخلون محلات عادية، ولا يلتزمون بالزى المدرسى..
حتى الزى الجامعى على المزاج.. بعض الفتيات يذهبن إلى الجامعة كأنهن يذهبن إلى «ملهى
ليلى».. فى أعوام سابقة ظهرت مهازل بسبب فتاة لا تعرف حرمة الحرم الجامعى.. لم ترجع
إلى بيتها، إلا برعاية بوليسية.. فارق كبير بين الأجيال.. كنا نمشى كيلومترات إلى المدرسة،
ونركب القطارات إلى الجامعة و«نسافر بالساعات»!
الآن لا سفر ولا
قطارات ولا مشى.. المدارس بجوار البيت.. الجامعات أيضاً فركة كعب.. كنا نذاكر وقت المشى
فى الإعدادى والثانوى.. وكذلك فى القطار أيام الجامعة.. وفرنا الوقت والجهد والدروس
الخصوصية.. ذات مرة قلت لأبنائى إن تكلفة تعليمى كله لا تصل إلى ألف جنيه.. تخيلوا
أين نحن؟ وأين أنتم؟.. كنا نأكل فى البيت، ونذاكر فى كتب الوزارة، ونخشى الفضيحة حين
نذهب إلى درس خصوصى، أتحدث عن أجيال كاملة طبعاً!
علموا أولادكم
يروحوا المدرسة، علموهم يعتمدوا على أنفسهم.. تابعوهم بجدية.. دوركم لا ينتهى عند دفع
المعلوم.. مارسوا حقوقكم الشرعية.. اطلبوهم من وقت لآخر.. لا تلتفتوا إلى أن هذه الحكاية
موضة قديمة.. إنها بداية حل الأزمة!