المناخ الأخلاقي و القيم الجامعية
بهذه الابيات الشعرية
التي نظمها شاعر النيل حافظ ابراهيم احببت ان استهل مقالتي هذه، و التي يقول فيها:
لا تحسبنّ العلَم
ينفعُ وحدهُ ما لم يُتوج ربّهُ
بِخلاقٍ
والعلمُ إن لم
تكتنفُه شمائلُ تُعليه كان
مطيةُ الإخفاق
نعم ايها الشاعر
العظيم، فلا فائدة في علم لم يرق بأخلاق صاحبة و شمائله، فمنذ ان نشأت الجامعة المصرية في أول عهدها، كانت
الخبرات التعليمية –المنهجية واللامنهجية- تتوحّد في أهدافها وتتكامل في نشاطاتها لتخرّج
نخبة متعلمة تتمتع بقدر من الحكمة والمسؤولية الأخلاقية وتتميز بمنظومة قيمية رفيعة. و لقد جرى العرف على النظر اليها على انها مؤسسة
اجتماعية لها رسالة، وقيم، ومسؤوليات محددة تتصف بقدر من الثبات، بفضل ما كانت تتمتع
به من اساتذة هم المثل العليا لطلابهم، و قيم
و مواثيق اخلاقية تمثل آليات الاتزان التلقائي لبيئتها، و كذلك نمطا عربيا تربويا اصيلا يرتبط بالواقع المحيط و يسعى الى التميز و العالمية.
لذلك و بفضل ما كانت تحرص عليه من بسط قيم
المساواة والأمانة والعدل و الشفافية و المصداقية
في كل حركاتها و سكناتها اتاحت الفرصة المتكافئة بين ابناء الشعب بمختلف طوائفه و طبقاته
ان يحصلوا على نفس القدر من الاهتمام و يتقلدوا
المناصب العليا بها بكل حرية و اقتدار حتى صار ابناء الفقراء اعضاء في قيادتها و أعلام
من مشاهير الثقافة و العلم و الادب و السياسة و الفن ..الخ، بل و قادوا مشاعل التنوير و التطوير الثقافي و التنموي
في كل ربوع الوطن.
اليوم، لقد اصبحت الجامعة عرضة للتغير السريع. فبعد ان
كان محراب القيم التربوية هو محور العمل فيها، اصبحت الجامعة اليوم عرضة لقيم السوق
التي جاءت لتلوث هذا المحراب وتفسد الكثير من القيم التي طالما سعت الجامعة إلى تحقيقها
و كانت سببا في غياب مقومات المناخ الاخلاقى
و الذى ادى بدوره ادى الى اختفاء العلاقات
الانسانية الايجابية بين منسوبيها و كذلك غياب الرضا النفسي والدافعية للأداء الجيد
والإنجاز المتميز و متطلبات الانتماء الى هذه البيئة الجامعية. الامر الذى يعرض المجتمع
الجامعي بين الحين والآخر لهزات عنيفة سببها وقوع مشكلات أخلاقية معينة ترتبط بقضايا
التدريس أو البحث العلمي او الاخلاق وتنال بعض أساتذة الجامعة أو بعض الطلبة. ومن أمثلتها
التحرش الجنسي، عدم تحقيق العدالة والإنصاف، والسرقات العملية، والغش في الامتحانات
و اعمال التصحيح و نتائج الطلاب، والتزوير في بيانات البحوث والتحريف في نتائجها، والفساد
الإداري أو المالي، و كذلك التشيع و الشلالية بين الافراد .
ان الدعوة الى
توفير المناخ الأخلاقي في الجامعات امرا بات يفرض نفسه على جميع المستويات لتوفير الاجراءات
الكافية لمعالجة الاتجاهات العدمية والعبثية والساخرة والساخطة للفئات المختلفة فى
الوسط الجامعي خاصة اعضاء هيئة التدريس ممن
يلهثون وراء المناصب و الكراسي الزائلة، و جعلهم يتسابقون على البذل و العطاء دونما
المقابل، و تمكينهم من احراز القيمة المضافة حتى يكونوا من اصحاب العلم النافع الذى
سيظل عطائهم محفورا في قلوب الجميع..
·
كاتب المقال
·
ا.د/ احمد الخطيب – استاذ بجامعة سوهاج