التشريع و المخطط العام لتطوير التعليم العالي بمصر
ان التعليم العالي في مصر لن يكون اداة فعالة من ادوات التقدم و التنمية الا اذا اتصف بمواصفات معينه تربط بين بنيته و محتواه و سياساته للقبول و التشغيل والادارة و بين اهداف التنمية الشاملة، الامر الذى يعظم من ضرورة اعداد المخطط العام للتعليم العالي و الذى من خلاله نتمكن من تحقيق الاهداف المرجوة لإحراز التنافسية على جميع المستويات، بيد انه لابد ان يستقرئ جيدا خطة التنمية وما يتعلق بها من اهداف واجبة التحقيق.
و على سبيل المثال لا الحصر، فان التوسعات
في انشاء الكليات و الجامعات الخاصة او الحكومية و ايضا البرامج التعليمية لابد ان
تكون في سياق برامج تنفيذية محددة على أساس المخطط العام المتضمن مصادر التمويل و حجم التمويل الحكومي الذى نحتاج
إليه وحجم التمويل الخاص ومن أين نأتي به وما هي شروطه وهل هي جامعات أم معاهد أم تعليم
فنى وبعد ذلك ننظر إلى كل محافظة وما هي التخصصات التي تحتاجها خطة التنمية لكل منها.
ان ما يحدث الان على ارض الوقع من قرارات مفاجئة، لا يمثل الا التوسع في كيانات و منشئات
غير مؤهلة تثرى بطالة الخريجين ببرامجها الدراسية
النمطية و ترهق ميزانية الدولة بمجانتيها غير المستفاد منها و لا تساهم بصورة فعالة
في تلبية احتياجات خطط التنمية الاقليمية.
و لإصلاح منظومة التعليم العالي في مصر،
علينا اولا تحديد كل من الرؤية والرسالة و
المستهدف منها بوضوح لتمكينها من ان تكون جزءا من منظومة عالمية معترف بها مثلها مثل
أي دولة متطورة عصريا و بذلك تصبح هذه المنظومة
قاطرة للبناء و درعا واقيا للبقاء. فلا يمكن ان ينصلح حال التعليم العالي بإصلاح جزء
منه (المرتبات، المباني، اختيار القيادات، ترقيات،. الخ) كما حدث و يحدث الان متسببا
في العديد من الشروخات في بنية هذا القطاع و هيكليته، بل يجب ان يكون الاصلاح في اطار
منظومة متكاملة محددة المعالم و الاهداف تحرص على اعادة توزيع المهام، بين من هو منظم
الخدمة ومن هو يضع السياسات والخطط ومن هو يقدم الخدمة ومن هو يعتنى بالخدمة ويراقبها،
فلا يصح على الاطلاق، ان أحد ما في أي مؤسسة
تعليمية لا يستطيع أن يقوم بعمل أي شيء دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للجامعات.
نعم و بكل تأكيد، هناك ضرورة للسعى نحو
امتلاك مخازن و مولدات للأفكار الابداعية لتطوير
المخطط العام للتعليم العالي نابعة من منسوبيه تساهم في اعداد مخطط عام نعيد في ضوئه
توزيع الأدوار كي نرى ما يدور في العالم وعلينا أن نستقرئ المستقبل ونخطط له عندما
نقوم بالتشريع والتخطيط لمستقبل المنظومة. ليس هناك ضرورة للاستعجال في ايجاد التشريع، بقدر ان يأخذ التشريع حظه من الدراسة العلمية و
المناقشة من كافة الاطراف المعنية، ذلك لأننا نمتلك الادوات اللازمة، و على الاخص المورد
البشرى المفكر و المخطط الذى يستطيع ان يشخص الحالة و يضع نموذجا مصريا اصيلا ، يراعى بين طياته المتطلبات
الوطنية و التوجهات و التطورات العالمية، شريطة ان تتاح له الفرصة في المشاركة و ابداء الرأي. عندئذ تكون الموافقة الجماعية على المبادئ ويكون التشريع سهلا و يحظى
برضا الأغلبية في التطبيق، بل و يحقق الكثير مما نصبوا اليه من تقدم و ازدهار.