الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

الجامعات الأهلية و مبادرات المجتمع المدني لإصلاح التعليم الجامعي

الأربعاء 27/يناير/2016 - 08:13 م


يعد التعليم الجامعي الضمان الاجتماعي الحقيقي لأي مجتمع، والعنصر الأساسي لتحقيق التنمية، بل ويعد من أهم الأدوات التي من خلالها تستطيع الدولة أن تواكب حركة التقدم التكنولوجي الحادثة في العالم المعاصر؛ فهو يساهم بطريق مباشر أو غير مباشر في تقرير وتدعيم الإمكانات البشرية المؤهلة والمدربة للقيام بإمدادها في عملية التنمية البشرية.  وفي ضوء انتقال المجتمعات الإنسانية الآن من الموجة الصناعية – الثانية – إلى الموجة المعلوماتية التكنولوجية – الثالثة -  وزيادة كلفة التعليم و التحول الى نظام اقتصاد السوق ، فلم يعد مقبولاً الاكتفاء بدور الدولة في تمويل مؤسسات التعليم العالي. بل بات من الواجب على المجتمعات أن تمارس دورها الحقيقي للمشاركة في حل مشكلات التمويل للتعليم العالي والنهوض به وتطويره  بمختلف صور المشاركة وأشكالها؛‏ من تبرعات مالية‏ ومساهمات عينية‏‏.‏

ولما كان توجه الجامعات الخاصة اليوم متجهاً نحو الاستثمار في التعليم، بمعنى: تحقيق الأرباح  في ظل ما بات يعرف باقتصاد السوق، كان لا بد من التوجه إلى مصادر تمويل أخرى؛ لتحقيق الغاية الحقيقية المنشودة من التعليم. هذا ما دفع المفكرون اليوم الى الدعوة إلى إنشاء جامعات أهلية غير هادفة للربح‏,‏ كما هو هدف الجامعات التي تشرف عليها الدول، وذلك في محاولة لإعادة تفعيل دور المجتمع المدني والمبادرات الأهلية في دعم التعليم العالي‏، والارتقاء بالعملية التعليمية وإتاحة الفرصة أمام الجميع كي يحصلوا على نصيبهم من العلم والمعرفة‏ الراقية، حيث تؤكد التجارب العالمية أن الاستثمار في المعرفة والعلم هو أهم الوسائل التي تؤدي إلي نجاح المبادرات الاهلية ذاتها من جهة‏,‏ وإلى تطوير المجتمع وحل مشكلاته من جهة أخرى.

و من الجدير ذكره أن مسمى "الجامعة الأهلية"، ليس جديدا على الحياة العلمية والتعليمية في مصر، لأن جامعة القاهرة، التي سميت في البداية بجامعة "فؤاد الأول"، أنشأت كجامعة أهلية في العام 1908، بتبرع من الأميرة فاطمة اسماعيل، حيث منحت مشروع انشاء الجامعة مصوغاتها وعقاراتها، وكان الأشخاص الاعتباريين القائمين على شؤونها هم مجموعة من الساسة والعلماء كمصطفى كامل وأحمد لطفي السيد، و بعض أفراد الأسرة المالكة، قبل تحولها بعد ذلك إلى جامعة حكومية في عام 1925. و لقد عاد مسمى الجامعة الاهلية مرة اخرى الى مصر عام 2009 بعد اصدار القانون  رقم 12 لإنشاء الجامعات الخاصة و الاهلية.  الا انه في الوقت الذى بلغ فيه عدد  الجامعات الخاصة ما يقارب من 40 جامعة  و عدد الجامعات الحكومية ما يقارب  من 23 جامعة ،  وصل عدد الجامعات الاهلية في مصر ثلاثة جامعات فقط، هي الجامعة الاهلية الفرنسية في مصر، جامعة النيل و جامعة مدينة زويل للعلوم و التكنولوجيا.  و لما كان المعدل العالمي للجامعات هو جامعة لكل مليون مواطن، نأمل ان نستوفى هذا المعدل  تحت شعار الجامعات الأهلية اولا.

 و للتعريف بالجامعة الاهلية، فأنها في الحقيقية ماهي الا "تضامن مجموعة من الأشخاص الاعتباريين والمؤسسات والجمعيات الأهلية والشركات لطلب إنشاء جامعة غير هادفة للربح، ولها لوائحها وقواعدها وتنظيمها بعيدا عن تبعية الدولة أو ملكية شخص بعينه، ويجوز للحكومة أن تعطي للجامعة أراضٍ وتبرعات للانتفاع بها و كذلك يمكن للجامعة أن تطرح للاكتتاب العام في البورصة على شكل أسهم، ويشارك فيها كافة أفراد الشعب. و في ضوء المادة رقم 189 من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 و تعديلها بقرار المجلس الاعلى للجامعات بجلسته بتاريخ 6/7/2013 اصبح يحق للجامعات الحكومية ايضا المشاركة في انشاء هذه الجامعات من خلال الشراكة مع المؤسسات الصناعية و الاهلية والتعاون مع الجامعات و المراكز البحثية العربية و العالمية، الامر الذى  قد يضيف ضمانا لحماية الجامعات الاهلية نفسها و تعليم طلابها تعليماً متميزاً و كذلك زيادة المساحة للأبداع الفكري و التميز البحثي  و التطبيق الفعلي لمعايير الجودة في الحياة الجامعية اليومية و الحفاظ على هوية التعليم و الاهداف القومية له، و ذلك بما لدى الجامعات الحكومية من أجهزة وخبرات تراكمية في مجال التعليم و البحث العلمي .

وفي هذا السياق فالكل مدعو للمساهمة في ان يشارك، بخاصة  انظمة الوقف الأهلي حيث ان هناك دلائل تدعو إلي ضرورة استعادة دورها في الوقت الراهن  وتفعيله في المجال التعليمي علي وجه الخصوص‏.‏ وتؤكد المصادر التاريخية و التجارب المقارنة لبناء الدولة الحديثة في البلدان العربية والإسلامية التي سبقتها مصر منذ بدايات القرن التاسع عشر على المكانة المتقدمة التي احتلتها علوم الطب والهندسة والفلك والفيزياء والجبر في اهتمامات مؤسسي الأوقاف و ذلك في سياق السعي من أجل تطوير العلوم وتقدم المجتمع‏,‏ إلي جانب أصناف العلوم والآداب والفلسفات الأخرى.  والان، هناك عدد من التجارب الناجحة في الجامعات الاهلية بالاعتماد علي فكرة الوقف‏ في عدد من البلدان مثل تركيا وإيران وماليزيا‏,‏ و السعودية  و الصومال و اليمن و الاردن و اخرى مثل امريكا و بريطانيا، ..الخ، و في الحقيقة، فان جامعتي هارفارد و ستانفورد ما هما الا مثالين ناجحين للجامعات الاهلية.

ومن منظور عملي يراعي معطيات الواقع الراهن يجب ان نتعلم من دروس الماضي و ان يصبح المنتظر و المأمول من هذه الجامعات حقيقية نلمسها و نعيشها بكل جوارحنا  و نفخر و نتغنى بنتائجها و تأثيراتها  على الصعيد الوطني و الإقليمي و العالمي من حيث ضرورة امتلاكها للبرامج التعليمية غير النمطية التي تغطى احتياجات سوق العمل الحديثة وتسهم بفاعلية في ازدها  اقتصاد المعرفة و الاقتصاد المبنى على المعرفة و تمكن  اقتصاد الدولة من احراز التنافسية العالمية، بل و يكون لها الاثر الاكبر مع نظيراتها الخاصة في:

-          تخفيف العبء على الجامعات الحكومية.

-          زيادة نسبة الاتاحة و الوصول الى المعدلات العالمية لعدد الجامعات.

-          خفض المصاريف الدراسية و كلفة التعليم عن كاهل الاسر و المواطنين.

-          توفير قدرا كبيرا من الوظائف لحملة الدرجات الأكاديمية المرموقة  (الماجستير و الدكتوراه)، و اتاحة فرص عمل جديدة لحاملي الدرجات الاخرى من البكالوريوس و المعاهد العليا و المتوسطة

-          تطوير و تنويع و تجويد  فرص التعليم العالي و ادخال التخصصات الجديدة .

-          ايجاد مساحة للمنافسة الحقيقة بين الجامعات مما ينعكس اثره على جودة المنتج التعليمي و البحثي.

-          توفير بناء حقيقي لمجتمع المعرفة و المجتمع القائم على المعرفة

ان المضي قدما في انشاء الجامعات الاهلية يشكل نموذجا يساعد مع فعاليات أخري في زيادة الانتماء الوطني و بناء مجتمع حقيقي‏، الا ان هذا يتطلب من الناحية العملية القبول بالفكرة في الأوساط المدنية والأكاديمية ولدي الجهات الحكومية المعنية‏,‏ و القيام بوضع التعديلات القانونية الواجب إدخالها علي بعض القوانين  المنظمة للوقف و الجمعيات الأهلية‏,‏ و الجامعات، بما يسهم‏ من التشجيع علي تكوين جمعيات وقفية  و مبادرات اهلية تكون مهمتها الرئيسية الإسهام في حل مشكلات التعليم الجامعي والمساعدة في تطويره كميا وكيفيا‏,‏ ثم تأتي مرحلة التعميم بعد التقييم‏،‏ ولا ازكى رأى الشخصي، فان الموضوع يحتاج إلي مزيد من الدراسة والاجتهاد ‏.‏  

*‏كاتب المقال

ا.د/ احمد الخطيب

جامعة سوهاج