الأحد 20 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

د.محمود السعيد يكتب: المؤشرات والتصنيفات.. الأسلوب الأمثل للتعامل معها

الأحد 20/أكتوبر/2024 - 01:38 ص

في العقود الأخيرة، أصبح هناك اهتمام كبير بالمؤشرات والتصنيفات الدولية، والتي أضحت جزءًا لا يتجزأ من تقييم أداء الدول والمؤسسات في مجالات متعددة مثل التعليم، مكافحة الفساد، التنمية الاقتصادية، وغيرها من المجالات. ورغم الأهمية التي لا ننكرها لهذه التصنيفات، فهي من المفترض أن تكون وسيلة لتحسين الأداء وتحقيق التقدم المستمر في كافة الملفات والمجالات، إلا أن هناك مشكلة كبيرة يقع فيها الكثيرون تكمن في إعطاء هذه المؤشرات حجمًا أكبر من قيمتها الحقيقية، مما قد يخلق شعور عام لدى الشعوب في بعض الدول أو لدى المؤسسات المصنفة بالدونية وأنهم أقل من غيرهم، وأحيانا يتم استغلال هذه التصنيفات ونتائجها في حملات انتقاد ومعايرة من قبل جهات ودول معادية في إطار الحروب النفسية على الدول.

في الحقيقة فإن الغاية الأساسية التي وجدت من أجلها هذه المؤشرات هي التحسين المستمر في أداء الدول والمؤسسات، لأنها تعطي إطارًا مرجعيًا لقياس الأداء وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين في كافة الملفات. ولكن ينبغي علينا جميعا عندما نتلقى تقريرا بنتائج مؤشر ما أن نأخذ في الاعتبار أن هذه النتائج لا تروي القصة الكاملة، وأن السياقات المحلية والثقافية والسياسية تختلف بشكل كبير من دولة لأخرى ومن مؤسسة لأخرى. فعلى سبيل المثال فأن مقارنة جامعة في دولة نامية مع جامعة في دولة متقدمة قد لا تكون عادلة أو منصفة إذا لم تأخذ في الحسبان الاختلافات الجوهرية بين البلدين. كذلك فأنه لا معنى لمقارنة حقوق الإنسان في دولة شديدة المحافظة بدولة شديدة الليبرالية، فهذه المقارنة غير ذي جدوى وليس لها معنى من الأساس، فلا يمكن أن نقيم دولة ما في الشرق المحافظ على أساس معايير أخلاقية سائدة في دول الغرب الليبرالية.

التصنيفات قد تُستخدم من قبل أطراف معادية

ومن المؤسف أن بعض التصنيفات قد تُستخدم من قبل أطراف معادية أو جماعات غير نزيهة لإحراج الدول والمؤسسات، كما يحدث دائما في تصنيف التعليم والجامعات. وعندما يحدث ذلك، يتم إخراج التصنيفات عن أهدافها وتُصبح مجرد وسيلة للضغط السياسي أو الاجتماعي بدلًا من كونها أداة بناءة للتحسين والتجويد. هذه الممارسات تعتبر من ضمن الحروب النفسية على الدول وتشكل خطرًا على الروح المعنوية للشعوب والمؤسسات في الدول التي تعمل باجتهاد للنهوض بأنفسها وفق ظروفها الخاصة.

أعتقد تماما أنه عندما نتلقى تقريرا عن تصنيف ما في مجال ما فيجب أن يكون التركيز على تحسين الأداء بناءً على الاحتياجات الوطنية، وليس لمجرد الظهور بشكل جيد في مؤشرات دولية قد تكون معاييرها غير ملائمة أو غير عادلة لنا، كما يجب أن ندرك أن التصنيفات هي أدوات للتحسين وفقط، وهي أيضا ليست غاية في حد ذاتها بل مجرد وسيلة للتجويد. ويمكن الاستفادة منها كمرجع لتحسين الأداء، ولكن دون الشعور بالدونية أو الانسياق وراء ضغوط خارجية غير بناءة.

في النهاية، يجب أن يتم التعامل مع التصنيفات بحكمة وعقلانية. فهي مفيدة فقط إذا تم استخدامها في إطار تعزيز التطوير المستمر والتحسين الذاتي، وليس كسلاح يُستخدم ضد الذات أو الآخرين في حملات نقدية.

** كاتب المقال 

أ.د. محمود السعيد 

نائب رئيس جامعة القاهرة 

لشئون الدراسات العليا والبحث العلمى