الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

"الاختيار3" ..الرسالة والمعنى

السبت 16/أبريل/2022 - 01:40 ص

وليمة كبيرة من الأعمال الدرامية المتنوعة والرفيعة المستوى كانت الضيف المرحب به فى كل بيت خلال شهر رمضان ، منها الكوميدى، والدراما الاجتماعية و«الأكشن» وغيرها، تلتف حولها الأسرة من وقت الإفطار، وامتدت الوجبات الدرامية إلى ما بعد السحور وسط خلافات معتادة على التقديرات حول أفضل المسلسلات، والاختلاف طبيعى حتى بين الأسرة الواحدة، إلا أنهم أجمعوا على شيئين، الأول أن تنوع وجودة الأعمال الدرامية كانا أعلى من سنوات سابقة، والثانى أن مسلسل «الاختيار 3» أكثرها تشويقا ومتابعة، فلا تجد من لا يتابعه مهما كانت توجهاته أو خلفيته الاجتماعية أو السياسية أو مستوى تعليمه أو عمره.

وهذا الاستحقاق يعود لجملة من الأسباب، أولها الإجادة والجهد الواضح الذى يصل إلى حد التحدى، جعل منه عملا يستحق كل هذه المتابعات والإشادات، فمن الصعب تقديم عمل درامى يتعرض لأزمة معقدة، سواء فى تعدد أطرافها، أو التداخل بين مستوياتها الداخلية والخارجية، والاقتصادى والاجتماعى والدينى والنفسى، والدولة بمختلف مؤسساتها وأجهزتها، وكذلك من الصعب الخوض فى قضية مازال أبطالها وأطرافها وشهودها ومشاركوها من كل الأطراف موجودين على الساحة، ولذلك كان تحدى «الاختيار 3» بالغ الصعوبة، فالمشاهد يقارن بين ما رآه ويراه فى الواقع، وما يشاهده فى العمل الدرامى، وكانت الصعوبة كبيرة فيمن أدوا أدوار الشخصيات الرئيسية المعروفة بملامحها ونبرة صوتها وحركتها، وعلى من يؤدون أدوارهم إقناع المشاهد، وأن يتفاعل مع الأحداث ويقتنع بالأداء دون كسر «الإيهام»، ولا أعتقد أن هناك من يختلف على تميز الأداء رغم صعوباته.

وجاء الخلط بين الدراما ومقاطع وثائقية ليضعنا أمام نوع صعب من «الديكو-دراما»، فهو عمل درامى ووثائقى فى آن واحد، ومنحتنا المقاطع الوثائقية عمقا جديدا فى العمل الدرامى، ومعلومات جديدة عن كواليس الأحداث، دون أن تكسر الاندماج فى الدراما، فقد جاءت ناعمة ومتسقة مع الأحداث، أثرته وعمقته وزادت مصداقيته، لكوننا أمام عمل كبير وجهد ودقة ميزته.

وكنت شغوفا إلى معرفة انطباعات المشاهدين، سواء من القريبين أو من مختلف الاتجاهات السياسية ومن النقاد، ومعظمهم رأى فى مسلسل «الاختيار 3» عملا مميزا للغاية على المستوى الفنى بمفرداته التمثيلية والإخراجية والمونتاج والكتابة والتصوير وغيرها من المفردات التى جعلته الأكثر مشاهدة وتشويقا، لكن اهتمامى الأكبر كان بآراء غير الراضين عن العمل، وكنت أبحث عنهم فى القنوات التليفزيونية ذات الاتجاه المعروف بعدائه لثورة 30 يونيو، وكذلك فى صفحات التواصل الاجتماعى، ولم أجد نقدا موضوعيا، وإنما عدة جمل تتكرر، منها أن العمل الدرامى يمثل وجهة نظر واحدة فى الأحداث، بينما كنت أشاهد فى المسلسل آراء مختلف القوى ومواقفها، واجتماعات مكتب الإرشاد والرئيس المعزول محمد مرسى ومعاونيه، وكانوا يطرحون آراءهم كما جاءت فى مختلف بياناتهم وخطاباتهم وقراراتهم، ولم يتم طمسها أو تغيير ما جاء فيها، فكلها مواد ومعلومات موثقة، ولم يتم شيطنة الجماعة، وإنما تم تقديمها كما هى فى الواقع، وحظيت رؤيتهم بمساحة كبيرة، وإن كانت تلك المواقف المسجلة والموثقة لا تعجبهم، أو يرونها مسيئة، فهذا يدينهم ولا يدين العمل الدرامى، لأن المسلسل لم يأت بوقائع غير صحيحة، أو ينسب إليهم ما لم يقترفوه، بل كشف جوانب جديدة متسقة مع ما ارتكبوه.

لقد نجح مسلسل «الاختيار 3» بامتياز فى تحقيق عدد من المزايا، أولاها أنه استطاع تحقيق نسبة مشاهدة عالية جدا، من كل الفئات والأعمار والاتجاهات، وثانيتها أنه تغلب على صعوبة تقديم عمل درامى فى وقائع «معاشة»، والثالثة أنه منحنا وثيقة مهمة تُحكى للأجيال، وحتى من عايشوا الأحداث وجدوا فى المسلسل فرصة معرفة الجوانب المختلفة، وكواليس الأحداث، والصورة الكاملة بقدر الإمكان، تجعلهم أكثر قدرة على تقييم ما حدث، والنظرة الأشمل والأعمق لمختلف الأبعاد، والتى لا يمكن لشخص واحد أو حتى مجموعة أن تتمكن من الإلمام بكل تلك الأبعاد والخفايا.

أما عن تقديم أجهزة فى الدولة دعما أو تسهيلات للعمل الدرامى، فأعتقد أن هذه ميزة منحت العمل الكثير من المعلومات والإمكانات، وأتمنى أن تحظى أعمال أخرى بدعم أجهزة الدولة، أيا كانت جهة الإنتاج، فالأعمال الدرامية المصرية كانت ومازالت من أهم القوى الناعمة للدولة المصرية، ويكفى أن تلتقى بأى عربى، سيحكى لك عن أفلام ومسلسلات مصرية كثيرة مازالت راسخة فى ذهنه ووجدانه، وجعلته يحب اللهجة المصرية ويفهمها، ولهذا علينا تشجيع الإنتاج السينمائى والدرامى وتقديم كل التسهيلات الممكنة حتى تستعيد السينما والدراما المصرية مكانتها، وأن تصل إلى العالمية، وتكون من بين أهم مصادر الدخل القومى، فلدينا مبدعون فى الكتابة والتمثيل والإخراج والمونتاج والتصوير وكل المفردات التقنية والإبداعية، وعلينا تشجيع وتسهيل أعمالهم وتقديم كل دعم ممكن لها، بما يجعلها تنافس محليا وإقليميا وعالميا، وأتمنى أن نجد أفلامنا ومسلسلاتنا معروضة على قنوات عربية وأجنبية، بدلا من الأفلام والمسلسلات الأجنبية البعيدة عن قضايا مجتمعنا العربى، وأن يجد مبدعونا فى مختلف فنون السينما الفرص التى تجعلهم يواصلون العطاء، وتجويد أعمالهم حتى نستمتع ونستفيد ونقدم للشعوب العربية وغيرها أعمالا مميزة، وأن تحظى بمساحة كبيرة من حرية تناول مختلف القضايا، وأن ننظم مسابقات ومهرجانات من شأنها الارتقاء بالأعمال الفنية.

إذا كان مسلسل «الاختيار 3» قد حظى بجماهيرية واسعة واهتمام كبير، فهذا لا يعنى أن باقى الأعمال لم تكن مميزة، فقد كان لدينا بالفعل وليمة من المسلسلات ذات المستوى الرفيع، استمتعنا بها وسنظل نشاهدها، وأتمنى ألا يقتصر موسم المسلسلات على شهر رمضان، وأن تكون كل شهورنا رمضان، بالكرم والعطاء والتكافل والصبر والعبادة والأخلاق، وبالعمل الطيب مهما كان نوعه، وأن تكون أعمالنا الفنية فى تطور مستمر، وأن نفخر بها، وتصبح ذخرا للأجيال بصدقها وعمقها وجودتها.

* كاتب المقال 

الكاتب الصحفى علاء ثابت 

رئيس تحرير الأهرام