إثيوبيا تلعب بالنار!
الأربعاء 07/أبريل/2021 - 09:50 م
كما هو متوقع لم تؤد مفاوضات كينشاسا، حول السد الإثيوبي، برعاية الرئيس الكونجولى فليكس تشيسكيدى رئيس الاتحاد الإفريقى إلى أى نتيجة، فقد ولدت ميتة، وتحطمت الآمال فى تحقيق اختراق للأزمة، على صخرة التعنت الإثيوبي، ورفضها مقترح الوساطة الرباعية، وتمسكها بالملء الثانى لخزان السد، فى يوليو المقبل.
حتى دون اتفاق مع مصر والسودان، بل عمدت لتفجير المفاوضات بمطالبتها بإعادة تقسيم حصص المياه؛ ما يجعل الباب مفتوحا أمام كل الخيارات للأطراف الأخري.
ببساطة شديدة، يمثل الملء الثانى الأحادى عملا عدائيا ضد دولتى المصب، وخطا أحمر مصريا، لا يجوز السماح بتجاوزه، خاصة أن القاهرة نجحت بفرض الخط الأحمر (سرت-الجفرة) فى ليبيا، وهى تجربة تملك القدرة على تكرارها مع سد النهضة.
وكان الرئيس السيسى واضحا تمام الوضوح، عندما صرح، الأسبوع الماضي، بأن لا أحد يستطيع أن يأخذ نقطة واحدة من حصة مصر، مؤكدا أن لا أحد بعيدا عن ذراع مصر الطويلة، وحذر من حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد فى المنطقة بالكامل، إن جرى ذلك، (واللى يجرب يجرب).
إنه إنذار شديد اللهجة، حتى يعود الإثيوبيون إلى رشدهم، قبل فوات الأوان، هم ومن يقف وراءهم ويدفعهم إلى مهاوى التهلكة، إذ لم يعد فى القوس المصرى منزع!.
وكان لافتا أن رئيس الأركان المصرى شهد، الأسبوع الحالي، اختتام التدريب الجوى المصري- السودانى بقاعدة مروى السودانية، بينما تخوض الخرطوم نزاعا حدوديا مع أديس أبابا، يمكن أن يخرج عن السيطرة، ويشعل صراعا شاملا.
الدكتور أحمد المفتى خبير المياه والقانون الدولى السودانى البارز (والمستقيل من مفاوضات السد الإثيوبي) أشار إلى ضرورة مسارعة مصر والسودان لرفع الأمر إلى مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع، لوقف أى نشاط فى السد، سواء التشييد أو الملء أو التشغيل؛ إلى حين التوصل لاتفاق ملزم بإشراف الأمم المتحدة؛ وشدد المفتى على أهمية مطالبة السودان بالأراضى التى يقام عليها السد، لأنها مُنحت لإثيوبيا، بموجب اتفاقية 1902.
بشرط ألا تقوم بتشييد أى منشأة مائية على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا، أو نهر السوباط، إلا بموافقة حكومة السودان، منوها بأن إثيوبيا قد أخلت بذلك الشرط. لذلك لم يكن غريبا أن تتعالى أصوات فى وسائل الإعلام السودانية منادية بوضع منطقة سد النهضة، بالقوة، تحت الإدارة السودانية، إلى أن يرى العالم أن قضية المياه حيوية وبالغة الأهمية للسودان ومصر، ويتحرك لكبح الصلف الإثيوبي.
كما حذرت مريم الصادق وزيرة الخارجية السودانية الإثيوبيين من أن الصراع على الموارد هو المستقبل غير المرغوب فيه لإفريقيا، وينبغى تجنبه. لكن إثيوبيا أضاعت (الفرصة الأخيرة) فى كينشاسا، للوصول إلى حل عادل للأزمة. ومن ثمّ على المجتمع الدولى خاصة «الرباعى الدولي» الذى دعته السودان للوساطة ووافقت عليه مصر ورفضته إثيوبيا (لحاجة فى نفس يعقوب) أن يتحمل مسئولياته؛ إزاء التهديد الخطير الذى تمثله السلوكيات الإثيوبية, إذ لا يمكن السماح بفرض الأمر الواقع، مثلما حدث فى الملء الأول، وتعريض حياة 150 مليون مصرى وسودانى لأخطار داهمة، وتهديد الأمن والسلم الإقليمى والدولي.
وإذا كانت القاهرة تبذل جهودا ضخمة فى تلك القضية المصيرية، فإن ما يجرى يحتاج إلى المزيد من الجهد والحركة، وحشد كل طاقات الدولة على المستويات كافة، والتحرك على كل المسارات، لشرح وجهة النظر المصرية، وما قدمته القاهرة من تنازلات للوصول إلى اتفاق حول السد.
وذلك لحشد دعم المجتمع العربى والإفريقى والدولي، وتعزيز الضغوط على إثيوبيا لوقف الملء الثانى والوصول إلى اتفاق ملزم، أو عند اللجوء إلى مجلس الأمن تحت البند السابع، أو استخدام أى خيار آخر، رمانة الميزان فى تلك المساعى هى الحفاظ على الروح الجديدة التى تسرى فى أوصال العلاقات المصرية-السودانية؛ إذ تحاول بعض الدول تفكيك عرى التنسيق والتعاون بين القاهرة والخرطوم حتى تهيمن إثيوبيا على النيل منفردة.
وتحول مياهه إلى سلعة تبيعها، والمشترون كثر فى منطقتنا، وهم لا يخفون نواياهم، بالوقوف فى المعسكر الإثيوبي، دون اكتراث بحياة المصريين والسودانيين.
لذلك أثق بأن القاهرة تدرك دروس أزمة السد، وأنها ستكون ترمومتر علاقات مصر بأى دولة شقيقة أو صديقة، خاصة أن إثيوبيا تلعب بالنار وتطفئ "شعلة الأمل" التى تحدث عنها الرئيس الكونجولي، وتدفع الإقليم إلى حريق، لا تكفى مياه النيل لإخماده، وهو ما لا نرجوه!.