الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

صناعةُ الأعداءِ

الجمعة 12/مارس/2021 - 12:07 ص

لما رأيتُ بني الزمانِ وما بهم 

                    خِلٌّ وفيٌّ للشدائد أصطفى

‏أيقنتُ أنَّ المستحيلَ ثلاثةٌ

                   الغولُ والعنقاءُ والخِلُّ الوفي

‏هكذا أوجزَ ببراعةٍ الشاعرُ الأندلسي صفي الدين الحلِّي.

الصديقُ الحقيقي نادرُ الوجودِ، هكذا طبيعةُ الحياةِ والإنسانِ مع الصراعِ التائهِ داخلَه ما بين مصلحتِه وعلاقاتِه بالآخرين. الصداقةُ لا تُبنى في غمضةِ عين، السنون والمواقفُ بكلِ التأّني تُرسِخُها.

أما العداوةُ فما أيسرُها، خسارةُ الناسِ لا تحتاجُ أكثرَ من لحظةِ كَذبٍ أو غدرٍ أو أنانيةٍ أو قسوةٍ أو ظلمٍ.

ما ينطبقُ على الأفرادِ يسري على الدولِ. لما تخسرُ أيُ دولةٍ مواطنيها فما أصعبُ استرجاعِهم؛ قويةً كانت أو ضعيفةً، غنيةً أوفقيرةً. الشعوبُ لا تنسى ولو صبرَت وتأنَت. في التاريخِ ثوراتٌ شعبيةٌ،  الفرنسية والبلشفية في روسيا والشيوعية في الصينوالثورة الإيرانية.

 

‏العلاقاتُ بين الدولِ قويةُ الذاكرةِ، العداواتُ التاريخيةُ لا تمحوها السياسةُ والمصالحُ. احتلالُ فلسطين، مذابحُ الأرمن على يدالعثمانيين، ‏معسكراتُ اعتقالِ اليهودِ في ألمانيا النازية، احتلالُ فرنسا للجزائر ‏لما يزيد عن قرنٍ من الزمانِ، والقائمةُ خارجنطاقِ الحصرِ. حتى اليوم لا توجدُ أمالٌ قريبةٌ لإعادةِ حقوقِ الفلسطينيين، وتحاولُ تركيا إنكارَ جرائمِ العثمانيين ضد الأرمنرغم اعترافِ دولٍ عِدة بما اِرتُكِبَ في حقهِم، وما تزالُ ألمانيا تَشعرُ بعقدةِ الذنبِ تجاه اليهودِ رغم ما دفعَته من تعويضاتٍ، ولميعتذرْ الرئيس الفرنسي ماكرون سوى عن التعذيبِ وتواصلُ الجزائر المُطالبةَ بالاِعتذارٍ عن الاستعمارِ.

‏عداوات عداوات عداوات، ما تُحدِثُه صناعةُ الأعداءِ لا يَتقادَمُ ...

اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،

* كاتب المقال

ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي

أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس