ما بعد الانتخابات .. البحث العلمي (٣/٣)
الثلاثاء 09/فبراير/2021 - 03:42 م
الانتخاباتُ فرصةٌ للتجديدِ والتغييرِ والمراجعةِ، من الواردِ تشكيلٌ وزاري بعد انتخاباتِ البرلمان، من الواردِ النظرُ في السياساتِ.كيف سيكون موقعُ العلمِ في حياتنا؟ سَبَقَت دولُ أوروبية والولاياتُ المتحدةُ الأمريكية في التطعيمِ المجاني بلقاحٍ مضادٍ لكورونا. نجحوا بالعلمِ والجديةِ في التغلبِ على الفيروس؛ الفهلوة في مواجهته من أسبابِ خسارةِ ترامب كرسي البيت الأبيض. ليس من الغريبِ أن تتغلَبَ هذه الدولُ على الفيروس مع وجودِ أفرادٍ من دولٍ مصنفةٍ عالمًا ثالثًا بالفرقِ البحثيةِ؛ البيئةُ السليمةُ تُطلقُ الإبداعَ.
عندما ظهرَت كورونا منذ قرابةِ العامِ بدأ صيادو الفرصِ والمُشتاقون اِدعاءَ الاختراعاتِ والاكتشافاتِ والنشرَ في مجلاتٍ علميةٍ مُحَكمةٍ؛ ربنا يوفق الجميع، لكن أين هذه الإنجازات؟ ما يتبقى هو بواباتُ بَخٍ كانت بتسطيحٍ تَرُشُ الداخلين. لو راجعنا المناخَ العلمي لوجدنا أن الميزانياتِ شحيحةٌ وأن المجهودَ العلمي في معظمِه لأفرادٍ لا مؤسسات؛ إذا نجحَ الأفرادُ هللَت الإداراتُ وكأنه انجازُها تستأهلُ عليه التصعيدَ، وإذا بَرعوا في الخارجِ حتى المحلياتُ تُقحمُ نفسَها في الزفةِ.
المعاملُ في الجامعاتِ في شوقٍ لأجهزةٍ حقيقيةٍ. بينما تسجيلاتُ الدراساتِ العليا يستحوذُ على معظمِها اقليةٌ من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ وكأنها غنيمةٌ لتلَبُسِ الألمعيةِ والموسوعيةِ. الدراساتُ العليا في غالبِها سبوبة، الطالبُ يريدُ المشرفَ المشهلاتي ومن المشرفين من عينِه على قائمةٍ برسائلٍ منتهيةٍ أيًا كان مستواها وعلى كرسي عالي وجوائزٍ. أليست ملفاتُ الترقيةِ كاشفةً لكثيرين من مُدَعي الأمانةِ العلميةِ والريادةِ؟ أليست الجودةُ الوهميةُ تقنينًا لأحوالٍ خاطئةٍ بالضغطِ المعنوي والمالي على أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ لملءِ أوراقٍ باستيفاءِ ما لا ولن يُمكنُ؟ ألم تُسء لاِحترامِهم وتُشِعْ بينهم الإحساسَ بالجحودِ والنكرانِ؟ ألم تتنكرْ لأمانةِ نقلِ الصورةِ الحقيقيةِ؟ ألم تُصبحْ طريقًا سلَكَه بعضُ من يريدون الظهورَ بأي ثمنٍ؟
العلمُ هو الكلُ في الكلِ، أهو في حياتِنا؟ أين جهودُ المؤسساتِ بعيدًا عن الإعلامِ؟ العلمُ مكانُه المعاملِ، لكن هناك من نقلوه لمواقعِ التواصلِ والصحفِ والفضائياتِ بدلًا من الدورياتِ العلميةِ المُحَكمةِ. المخترعُ، كبيرًا أو صغيرًا، صفةٌ استجَدَت لأيٍ من تفتَقَ خيالُه عن خاطرةٍ ووجدَ منفذًا للإعلامِ، وياسلام لو كرمته جامعة أو نقابة، بلا تَيقُنٍ من جدية!! ما أكثرَ ما أُعلِن عن عِلاجاتٍ وسياراتٍ تعملُ بالمياه وغواصاتٍ وروبوتاتٍ، ثم؟ لم يهتزْ المجتمعُ العلمي ولا رَحَبَ، وقد يكونُ في حالةٍ من الاِستهجان والسُخرية. التكريمُ كمكافأةٍ لبيعِ الوهمِ يؤكدُ على السطحيةِ في مَوطنِ الجدِ، على أنانيةِ بعضِ من يشغلون كرسي ويطمعون في الأعلى.
أليس من حقِنا السؤالُ هل للعلمِ من دورٍ في تكرارِ هدمِ شوارعِ مدينة نصر؟ وما رأيُه في إقامةِ طرقٍ سريعةٍ وسط المناطقِ السكنيةِ؟ وماذا عن قطع الأشجار وتقليص المساحات الخضراء؟ وهل له من رأيٍ في تغييرِ الوجه الحَضَري الذي أُنشِئ عليه حي مصر الجديدة؟
العلمُ قد يتطلبُ وقتًا وتكلُفةً لكنه الأرخصُ والأكثرُ أمانًا.
البحثُ العلمي أمانة، جدية، إنفاق، بلا اِحصاءاتٍ مفبركةٍ مُؤولةٍ مُنتقاة مُجتزأة، بلا دعايةٍ شخصيةٍ وشللِ تلميعٍ مُتبادَل. الجادون صامتين مُتحَسِرين.
اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي - أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس