التعليم في زمن الكورونا " ١٢"
التعليم عن بعد .. يبقي هو الاستثناء وليس الاساس في نظم التعليم!!
يبدو ان جائحة (وباء) الكورونا لم يجتح العالم صحيا فقط وانما توسعت دائرة الاجتياح لتشمل معظم مناحي الحياة الانسانية بكل أنشطتها الاقتصادية والتجارية والسياحية والتعليمية،
ولأن الوباء اجتاح العالم فجأة ودون سابق إنذار، ولان الدول وجدت نفسها في قلب العاصفة دون مقدمات، ولان الفيروس الخطير تميز عن غيره من عائلة الكورونا غير الكريمة بشدة انتشار العدوي من الانسان للإنسان عن طريق الرذاذ التنفسي، فلم يكن هناك حلول سريعة ومؤثرة سوي الاجراءات الوقائية المتمثلة في الحد من فرص اقتراب الأشخاص من بعضهم البعض وبالذات في الانشطة التي تتميز بالكثافات البشرية وعلي رأسها المدارس والجامعات، فكان القرار الذي أجمعت عليه معظم دول العالم هو تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات الي ان تنجلي الأزمة، وهي اجراءات وقتية بطبيعة الحال، لكن لان "التعليم" عملية متكاملة تبني أهدافها التعليمية صف دراسي بعد اخر، فكان لزامًا علي مؤسسات التعليم ان تتخذ القرارات المناسبة للتكيف مع قرار إغلاق المدارس وفي نفس الوقت تنظيم العملية الدراسية بشكل ما او بآخر للطلاب وهم في بيوتهم، وكان الحل السريع الممكن هو توظيف أدوات "التعلم عن بعد" وأساليب "التعليم الالكتروني" لهذا الغرض علي اعتبار انها فترة مؤقتة وستنتهي قصتها بعد عدة شهور أو سنة علي الأكثر كما حدث في عدة اوبئة سابقة.
الغرض الاساسي من تطبيق آليات التعليم عن
بعد او التعليم الالكتروني (وهو نوع من التعليم غير النظامي يقدم لمن تمنعهم ظروفهم
من الحضور المنتظم للمدارس او الجامعات) هو أنقاذ ما يمكن إنقاذه من عمر العام الدراسي
الذي توقف فجأة تحت وطأة الوباء، وأهم مميزات هذا النوع من التعليم (عن بعد او الكتروني)
هي إمكانيات التواصل الانساني والشخصي بين المعلم والمتعلم في اَي وقت طوال اليوم،
فضلا عن إمكانية تنظيمه لاعداد ضخمة من الطلاب في اَي مكان دون ان تواجهنا تحديات الكثافات
الطلابية او نقص المدرسين في الفصول المدرسية الطبيعية، وعلي الجانب الاخر فلهذا النوع
من التعليم عن بعد او الكتروني العديد من المحددات والسلبيات التي تجعله الاختيار الثاني
والاستثنائي دائما مقارنة بالتعليم التقليدي المدرسي والجامعي النظامي بطبيعته، ومن
اهم هذه السلبيات ان دور المدرسة "الطبيعية" أو الجامعة هو بالاساس دور تربوي
قبل ان يكون دور تعليمي، واهداف العملية التعليمية ذاتها في كل المراحل تتمحور (ويجب
ان تتمحور) حول "بناء الانسان" معرفيا ومهاريا وسلوكيا وقيميًا، ولا تقتصر
اهداف العملية التعليمية ابدا علي مجرد صقل "المعارف" من خلال الاطلاع والدخول
لمصادرها الالكترونية التي تتيحها الشبكة العنكبوتية الدولية (الانترنت) للطلاب وهم
في اسرة نومهم!!.
ومن هنا كان التعليم المدرسي والجامعي النظامي
هو الأساس في كل دول العالم، وكان التعليم عن بعد أو الالكتروني هو الاستثناء الذي
يطبق حين تحتم الظروف تطبيقه كما هو حادث الان مع الكورونا، لكن ما ان تنتهي الظروف
الراهنة فسوف تعود العملية التعليمية حتمًا للطبيعي والأساسي من أنواعها (التعليم المدرسي
النظامي) لكن ربما ليس بذات الاليات والسياسات القديمة، وسوف يبقي الاستثنائي (التعليم
عن بعد او الكتروني) استثنائي كما هو حتي مع تعاظم دوره المحتمل، ولن تتبدل الأدوار
كما يبشرنا البعض حاليا ركوبا لموجة الكورونا وحمي الوباء التي يبدو انها أخذت في اجتياح
العقول قبل الاجساد.
لا يعني ذلك ابدا الا يستفيد هذا النوع
من التعليم او ذاك من الإمكانيات التي يتيحها النوع الاخر في تطوير آلياته وأدواتها
وأساليبه التدريسية فيما بات يعرف بالتعلم الخليط blended
learning، لكن الاحلال الدائم
للتعليم عن بعد أو الالكتروني (غير النظامي) بما يتميز به من "سهولة" نسبية
وقلة تكلفته وعوائده المادية الكبيرة محل التعليم المدرسي (النظامي) بتكلفته العالية
وتحدياته -وليصبح الاول هو "الأساس" وليس الاستثناء كما بشرنا البعض مؤخرا
.. أقول ان هذا الإحلال ان حدث فهو يعكس عدم ادراك او قصور في فهم المقاصد والاهداف
التربوية والإنسانية للعملية التعليمية برمتها، ولا يعدو هذا "الإحلال" ان
زادت رقعته عن كونه ركوبا لموجة الكورونا والصيد في ماء "التعليم" العكر
والهروب "المقنع" من اشكاليات وتحديات التعليم المدرسي النظامي التي يجب
علينا مواجهتها وليس الهروب منها، لان الهروب هو دائما ايسر الحلول البائسة!!.
ولكي يكون ما نكتبه مبنيًا علي قواعد من المنطق والحقيقة استعرض معكم نتائج دراسة بحثية استقصائية اجراها مركز بحثي دولي هو …