هل يبتسم المُعلم بالإجبار!
الخميس 09/يوليو/2015 - 11:04 ص
كانت أيامي الابتدائية في المدرسة جميلة، كل شيء منضبط، الطابور الصباحي نحبه ليس لأننا نعاقب إذا ما تأخرنا، أو أننا ندفع أحيانا 5 قروش من مصروفنا اليومي، وإنما لأننا كنا نُغني فيه، ونستمع لمقاطع موسيقية جميلة، وأناشيد، كنت أعشق الدخول للفصول على صوت البروجي والطبلة.
ذلك الايقاع كان يلهبنا حماسة فنشعر أننا نستطيع أن نهد العالم، كنا ندخل فنجد الفصول مرتبة، والسبورة ممسوحة بالمياه، ورائحة المطهرات تفوح من الأرضية، وعم عماد، ومحمد العاملين يبتسمان في وجوهنا، كنت أتساءل متى يأتيان للمدرسة ليقوموا بكل هذا قبل أن ندخل الفصول، وما سر سعادتهم برؤيتنا؟.
لم يكن هناك مدير، فقط ناظر، وكان لا بد أن يمر على الفصول يوميا، نراه يلوح لنا من وراء الزجاج، بإشارات محبة، المعلم كان مبتسما دائما ، كثافة الفصول معقولة، 30 طالب على الأكثر، لم يكن هناك مكان ثابت لكل طالب، بل غالبا ما كان يتم تدويرنا، الحصة كانت متعة، والشيء المميز هو الجرس، الذي لا يتأخر ولا يتقدم، ورنة واحدة منه تعني انتهاء الحصة، رنتان تعني بداية الفسحة وأخرى مثلهما تعني الالتزام بالطابور الثاني خفيف الدم ثم ندخل لفصولنا.
أما عندما يرن الجرس ثلاث رنات فأكثر نذهب لبيوتنا ولم يؤذن الظهر بعد، لم يكن هناك حصص طويلة، لكن كان كل شيء جاد، حتى أن المعلمين كانوا يتابعوننا في انصرافنا حتى نصل منازلنا ويفضون الخناقات بين الصبية في الشوارع، كانت مجرد مقولة «بس يا واد» كافية لأن تجعلنا نجلس متربعين لأخر اليوم الدراسي.
عندما دخلت للمرحلة الاعدادية كان تغييرا ما يحدث في سلوك المعلمين، كان الضرب يقسو ويشتد، كنا نتعرض لعقوبة الضرب في المرحلة الابتدائية وهذا الكلام كان مع أواخر الثمانينيات لكن كنت أشعر بالحنية في المدرسين، في بداية التسعينات بدا أن شيء ما يتغير لا أعرف ما هو بالضبط، يقولون أن التكليف ألغى، وأن الكليات لم تعد تعين، وأن أخر دفعة تم تعينها كانت 1986م.
هل هذا له دور في تغير التلاميذ والمعلمين، لا اعرف لكن اعرف تماما انني لم استوعب اللغة الانجليزية إلا بعد درس فيها، ولا الرياضيات، أما مادة العلوم كان يدرسنا معلم لم نفهم منه شيئا حتى سافر إعارة، ثم جاءت معلمة – هي الان مديرة احدى المدارس وتربطني بها علاقة ابن بأمه من ناحية التعليم – فجعلتنا نحب ونفهم المعادلات الكيميائية، لكننا كنا نتعجب من وجود عامل واحد فقط، وكنا نضطر أحيانا تحت سطوة الضرب أن ننظف المدرسة، ولكنه تنظيف بدون روح.
بوصولي للثانوية العامة كنت في حاجة ماسة لدعم نفسي مثل أي طالب يتعرض لمشكلات هذه السن، لم أجده، ولم أكن راضيا عن طول فترة الدراسة فقد كنا نصل بيوتنا العصر، ما إن نرتاح قليلا حتى نخرج للدروس الخصوصية، ونعود على العشاء ننام دون أن نتمكن من مذاكرة شيء ليبدأ يوم جديد، يوم مليء بالشللية والخناقات بين هذا وذاك دون تدخل من المدرسين لحماية أي طالب يتعرض للضرب من هذه الشلة وتلك، بل عليك أن تأخذ حقك بنفسك، وأن تنضم لشلة من الشلل لتحميك.
على أية حال مر الزمن وعينت في التربية والتعليم في مطلع الالفية الجديدة، وانتقلت حتى الان بين أكثر من 6 مدارس ما بين المرحلة الابتدائية والاعدادية، ولم أجد منذ تعييني البسمة على وجوه المعلمين، ولا الجدية في التعليم، وجدت أحيانا صراعات بين هذا وذاك على الدروس، وصراعات أخرى على مدير المدرسة وموجه المرحلة وهكذا، أما الطلاب فيأتون للمدرسة كأنهم يأتون للتعذيب لا للتعليم، كل واحد منهم يتباهى في استعراض نفوره من المدرسة.
ربما الفصول التي لا تجد عمالا ينظفوها هي السبب، أو الجرس الذي غاب عن المدارس ولم تعد له القدسية، ومع ذلك لا أنكر أنه وسط هذا هناك الكثير من المعلمين الشرفاء يؤدون رسالتهم، لكن أولياء الأمور صاروا يحضرون بكثرة، هذه المرة ليقدموا الشكاوى ويقولون مقولتهم الغريبة: «مش عاوز ابني يتعلم ما حدش يضربه، واللي حيضربه حنشتكيه في النيابة، كدا ولا كدا ما فيش تعيين»، شاهدت بعيني زملاء أفاضل يحالون للنيابة بسبب ضربة جاءت بدون قصد او قصد أحيانا في هذا او ذاك.
كل هذه الذكريات جعلتني ابتسم بشدة عندما سمعت بعض التصريحات تتحدث عن محاولة تشغيل المعلمين بالإجبار، ومحاولات احضار الطلاب للمدارس بالإجبار، ترى هل يمكن أن يكون هناك تعليم حقيقي بدون ابتسامة من المعلم، وفرحة من المتعلم، فهل هناك اجبار يستطيع أن يزرع على وجه المعلم ابتسامة، وفي قلب المتعلم متعة وفرحة؟