السيسي ..علم وفصاحة الخطيب في خطاب التنصيب
الإثنين 09/يونيو/2014 - 12:33 ص
لم يكن خطاب الرئاسة الذي وجهه الرئيس عبد الفتاح السيسي مجرد خطاب بروتوكولي في ولاية حكم جديدة، أو خطاب هزلي كما شاهدنا في فترة سابقة، بل كان أشبه ببرنامج عمل وخطوط عريضة لما ستكون عليه سياسة الدولة المصرية الفتية كقائدها في الفترة القادمة. تناول الخطاب أبرز وأهم المشكلات والقضايا على المستوي الداخلي والخارجي بخطوط حادة واضحة لا خلاف حولها ولا غموض فيها...على المستوي الدولي: كان واضحاً التركيز على الانتماء العربي الإفريقي قبل العالمي والاهتمام بهما والتركيز على أهمية التعاون العربي المشترك من أجل صالح الدول العربية جميعها وفق آلية جديدة للتعاون العربي، واحتلت القضية الفلسطينية مكانتها الطبيعية مع الاشارة إلي أن موقف مصر من القضية الفلسطينية لم ولن يتغير نتيجة رعونة وانحراف بعض الصغار، والتأكيد علي حق الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية. وعلى المستوي الإفريقي وهو العمق الاستراتيجي لمصر الذي تم إهماله في السنوات الماضية خاصة بعد محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس الأسبق في أثيوبيا كان واضحاً الاهتمام البالغ بالانتماء الإفريقي لمصر فمصر إفريقية الوجود والحياة لا يمكن فصلها عن إفريقيا، ومن هنا كان التعرض لأكثر الموضوعات إثارة للحساسية في الوقت الحالي مع القارة الأفريقية وهو سد النهضة الأثيوبي فكان التعبير عن الموقف المصري فيه غاية في الدقة والحسم لا يمانع في قيام أثيوبيا بما يحقق لها الرفاهية والتقدم ولكن مع مراعاة أن السد إن كان يمثل قضية نهضة لأثيوبيا فإن النيل هو قضية حياة بالنسبة لمصر. تعاون مشترك من أجل مصلحة الشعبين دون مساس بالحق المصري الأصيل في نهر النيل، فالمياه قضية حياة بالنسبة لمصر. والتأكيد بشكل لا يقبل الجدل حول أن العلاقات المصرية الدولية في الفترة القادمة ستكون على التعاون وليس على فرض إملاءات خارجية وبقدر تعاون كل دولة مع مصر ستكون العلاقة معها...وعلى المستوي الداخلي تعرض الخطاب لكل المشكلات التي تهم المواطن المصري وأولها قضية الأمن والذي لن يتحقق إلا بخلق بيئة أمنية ومقاومة الإرهاب وتحديث المنظومة الأمنية من أجل استعادة الأمن والاستقرار في الشارع المصري بما يمهد لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية مع احترام الحقوق والحريات العامة شريطة أن تفهم الحرية وتطبق بمعني الحرية الملتزمة المسئولة التي تتوقف عند حدود حريات الأخرين وتكون في إطار النظم والقوانين الدينية والوضعية والأخلاقية، وليست الحرية المطلقة التي لا نعرف لها وجوداً في العالم كله إلا عند من كانوا وما زالوا يريدون تخريب الوطن وإعطاء نفسهم الحرية المطلقة بحجة حماية الحريات. ..وعلى المستوي الاقتصادي كان هناك توضيح للوضع الاقتصادي المنهار الذي تكاد الدولة المصرية تدخله من ارتفاع الاسعار وتآكل الاحتياطي النقدي للبلاد ونقص الاستثمارات الأجنبية وزيادة الواردات ونقص الصادرات وهو ما لابد من وضع حلول عاجلة له تتمثل في الاهتمام بالطاقة البديلة والصناعات الصغيرة والنهوض بالفلاح المصري والتصدي لمشكلاته والاهتمام بقطاع المحليات وانشاء المحافظات الجديدة وشبكات الطرق والمطارات والمواني. ومهما كان السعي لتحقيق تنمية اقتصادية فلن تكون لها أي نتيجة في ظل الفساد وإهدار المال العام لذلك كان التأكيد على أنه لا تسامح مع قضايا الفساد أياً كان حجمها أو مرتكبها وضرورة الحفاظ على المال العام. ..ولم يكن من الممكن الحديث عن تنمية دون الاهتمام بأسسها فكان التركيز على الاهتمام بقطاع الصحة ووضع هيكل عاجل للعاملين فيه وتوفير رعاية صحية متميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة مع الاهتمام بتطوير التعليم والاهتمام بالمنظومة التعليمية كاملة من الطالب والمعلم والابنية التعليمية والاتقاء بالتعليم الفني ودعمه وربط التعليم باحتياجات المجتمع. والاهتمام بالمرأة سواء العاملة أو ربة المنزل ودورها في تأسيس الأمة...ولكي يكون الخطاب مصريا صميما كانت الاشادة الرائعة بدور الأزهر في نشر الإسلام ونشر مبادئ الإسلام الوسطي الذي تقوم عليه المنظومة الأزهرية وضرورة استقاء العلم من اهله وذويه مع التنويه الي دور الكنيسة المصرية في الحفاظ على النسيج الوطني الواحد....ولكي يكون الخطاب شاملاً جامعاً مانعاً كان التأكيد المستمر على أهمية ان يكون المواطن هو الهدف الأول للتنمية والحفاظ على حقوق الفقراء وتأكيد إدراك القيادة لمعاناة المعرفة بمعاناة الشعب المصري الحقيقية والسعي لتخفيف الامه وحل مشاكله.ولتوضيح موقف الدولة من ثورات الشعب المصري كانت الإشارة إلي ثورة يوليو باعتبارها الثورة الأم لكل ما نعيشه الآن والي حقوق الشعب المصري التي نادى بها في ثورة يناير من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية وتوجيه التحية لكل شهداء الوطن من الجيش والشرطة والشعب ولكل الشعب المصري. ودور القوات المسلحة في الحفاظ على البلاد، ومد يد التسامح والتصالح لكل أبناء الوطن باستثناء من اتخذوا من العنف منهجا وأجرموا في حق الوطن. وأراقوا دماء الأبرياء فهؤلاء لا مكان لهم في المسيرة. ولا تهادن أو مهادنة مع من يلجأ للعنف أو يريد وقف المسيرة نحو المستقبل والتلاعب بهيبة الدولة. والتأكيد على أنه سيتم استعادة هيبة الدولة في المستقبل القريب.ويأتي مسك الختام في خطاب الأمة وهو التأكيد على دور الفنون والآداب والأخلاق في الارتقاء بالأمة والتركيز على دور الأخلاق والقيم. والتدهور الذي حدث لها في الفترة الأخيرة مع الاستشهاد بأقوال المفكرين والأحاديث النبوية الشريفة حول أهمية الأخلاق وضرورة انعكاس الأخلاق على السلوكيات وأهمية الارتقاء بها وترسيخها في السلوك اليومي.