انطلاقة تطوير التعليم الجامعي
الأربعاء 10/يوليو/2019 - 10:53 م
إن إصلاح التعليم العالي جزء لا يتجزأ من خطة الإصلاح الشامل الذي تشهده مصر، ويعتمد بحد كبير علي نجاح جهود الإصلاح السياسي وإصلاح مجمل المنظومة التي تقوم عليها الدولة في كافة القطاعات وكافة المستويات بدءً من منظومة القيم والأطر والمرجعية العليا، والهياكل التنظيمية ، والإدارية والمالية بالدولة و ليس إنتهاءً بدور الدولة ومؤسساتها..
والحديث عن تطوير التعليم العالي يحتاج إلى تأصيل علمي ومنهاج تراتبي تصاعدي، فهو ينطوي علي إرساء دعائم التطور الحديث في أساليب التلقي والتحول من التلقين إلى التفاعل البحثي، وتوفير مقومات الإبداع والابتكار وهذا يعد بمثابة توطئة البيئة الملائمة لإحداث نهضة حقيقية في مجال البحث العلمي، لمواكبة هذا العالم الذي تتسارع فيه منتجات العقل البشري معرفةً وتقنية..
وبالطبع ذلك يحتاج إصلاحاً شاملاً لعقلية الطلاب منذ نعومة أظافرهم لكي نمكنهم من إمتلاك الجرأة على النقاش و التفاعل و من ثم إعدادهم سيكولوجيا لمرحلة التعليم العالي المأمول القائم على إستنباط المعلومة و إختبار فرضياتها و هى الأداة الرئيسة للبحث العلمي المعول عليه إحداث نهضة شاملة؛ حيث أن العالم يعيش الآن "عصر المعلومات" المتسارعة والتي تتسم بترابط العالم وتفاعله شبه اللحظي..
وكذلك اتساع نطاق العلاقات الدولية المتبادلة، ونمو صناعات جديدة تنحصر نشاطاتها في جمع المعلومات وتخزينها وإسترجاعها، بالإضافة إلى إستخدام الإلكترونيات في المجالات المختلفة ، وتوجيه الإستثمار في مجالات المعرفة والبحث العلمي واعتماد المنافسة الاقتصادية علي قدرة المعرفة البشرية بالأساس، ثم علي الانتاج؛ بالإضافة لحتمية الدخول الي مجالات العلم المتطورة..
لذا فإن ذلك يستلزم تطوير المهارات البشرية وتنمية كوادرها وقدراتهم حتي تستطيع التعامل مع مخرجات هذا العصر والتكييف مع نتائجه..
إن التغيرات العميقة التي لحقت بالنظام الدولي و الاقليمي في المجالات المختلفة تدعو الي ضرورة ربط التعليم بالاهتمامات والحاجات اليومية للمواطنين ويتطلب إعادة النظر في وظائف الجامعات؛ وكيفية توفير مخرجات ملائمة لسوق العمل والتأكيد علي تطوير الاداء الجامعي ووضع مؤشرات للأداء ونظاماً للاعتماد الجامعي بغية ضمان الجودة و التطوير المستمر للنظم الجامعية وإعادة النظر في الكليات التي يتم إفتتاحها دون تعيين أعضاء هيئة التدريس بها؛ ولنا في كليات الحقوق المثل الذي لا نتمناه و نرجو تبديله؛ فهل يعقل ان يتم إنتداب أستاذ مساعد بقسم النبات بكلية الزراعة ليتولى عمادة كلية الحقوق!!.. علماً بأنه قد تم تقديم طلب إحاطة بمجلس النواب في هذا الشأن؛ و لكن لم يتغير الأمر ..!
كل ذلك يؤكد علي ضرورة طرح رؤي جديدة وافكار مغايرة للواقع النمطي الذي نعايشه في العملية التعليمية برمتها ومن الافكار الجديرة بالطرح والدراسة فكرة اعتبار الكليات وحدات إقتصادية مستقلة بذاتها تتولي عملية الاصلاح والتطوير من خلال عمليات تمويل ذاتية تحقق مواكبة التغيرات وبناء القدرات ورفع المهارات وتلبية الإحتياجات من خلال خريج متميز..
فعلى سبيل المثال أقترح تحديداً لكليات الطب والهندسة الحكومية و مثيلاتها؛ و التي هي في اشد الحاجة الي التقنيات الحديثة والمعامل المتطورة ولكن نظراً للظروف الاقتصادية وتحديات عملية التنمية لا يتم ذلك بشكل كامل و مستمر؛ فلماذا لا يتم إستحداث نظام جديد يسمح بقبول عدد من الطلاب و ليكن 100 طالب بكل كلية بمصروفات بعيداً عن المجانية التي تعمل بها هذه الكليات وفقاُ لمناهج وبرامج متخصصة ويتم استثمار هذه المصروفات في عمليات التطوير والتحديث و إعادة الهيكلة لتضاهي تلك الكليات نظيراتها علي المستوي العلمي العالمي؛ أسوة بما هو متبع حاليا ببعض كليات الصيدلة الأكليينيكة و كليات الحقوق ( برنامج اللغات)؛
فضلا عن ضمان جودة هذا النظام التعليمي مقارنه بالتعليم الجامعي الخاص بكليات المماثلة وذلك لوجود أساتذة وأعضاء هيئة تدريس متميزين..
ورقابة أكثر من التعليم العالي والمجلس الأعلي للجامعات وفي جميع الأحوال لا تصل الرسوم الدراسية الي نفس القيمة التي يتطلبها التعليم الخاص، وعسى أن يوفر هذا المورد إمكانية تطوير المعامل وغرف العمليات ومتطلبات البحث العلمي الجاد المبني علي قواعد علمية متطورة تتطلب موارد وإمكانيات مالية بعيداً عن ميزانية الدولة والبحث العلمي..
وكذلك اقترح تحويل العيادات الخارجية بالمستشفيات الجامعية إلى وحدات إقتصادية تدر عائد وتقوم بدور متميز إجتماعياً وتقدم خدمة صحية راقية من خلال إستغلال قدرات المدرسين المساعدين بكليات الطب والذي يحظر عليهم إدارة عيادات خاصة بهم؛ في تقديم خدمة طبية برسوم تتلائم مع حالة المواطن؛ على أن يحصل الطبيب على رسوم رمزية و يتم توجيه الباقي لتطوير المستشفى الجامعي .. لكني أدرك أن ذلك المقترح يحتاج لإرادة سياسية لتنفيذه لأنه سيواجه برفض من الأساتذة؛ لكن الصالح العام يعلو فوق المصالح الخاصة..
كما أود أن أشير إلى خطورة تبعات قرار امتداد فترة الامتياز لعامين مع قصر الدراسة الأكاديمية بكليات الطب على خمسة أعوام فقط؛ و بذلك يتم فصل الطالب عن الأساتذة لطوال عامين متواصلين؛ فيفقد الامتياز وظيفته بتقديم العلم التطبيقي عن طريق الممارسة الفعلية؛ لذا أقترح إنتداب أحد الأساتذة لتقديم العلم التطبيقي لطلابه في ذات المستشفى التي يقضي فيها الطلاب فترة الامتياز..