البنك الدولى يطالب باتباع نهج جديد فى التعليم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا
أشار أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي إلى أن التعليم يتمتع بإمكانات واسعة لتحديد مسار التنمية في الدول، وزيادة معدلات النمو، ونشر الرخاء، لكنه لا يُحقِّق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما ينطوي عليه من إمكانات.
وجاء في التقرير الصادر اليوم بعنوان
"توقعات وتطلعات: إطار جديد للتعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" أنه
على الرغم من الاستثمارات الكبيرة للمنطقة في مجال التعليم، فإن الشباب لا يتعلمون
المهارات التي يحتاجون إليها للمنافسة في سوق العمل، وهو ما يسهم في أحد أعلى
معدلات البطالة في صفوف الشباب في العالم.
ويُحدَّد التقرير الجديد التحديات التي
تعوق عملية التعليم في المنطقة، ويدعو إلى بذل جهود جماعية لإطلاق العنان لقدرات
التعليم لاستغلال إمكانيات الأعداد الكبيرة من الشباب في المنطقة، والإسهام في
تحقيق النمو والاستقرار في المستقبل.
وفي معرض حديثه عن ذلك، قال فريد بلحاج
نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "التعليم هو
مفتاح تحويل همم وتطلعات الشباب في المنطقة إلى مُحرِّك للنمو، وما يُعتبر الآن مصدرا
للإحباط وخيبة الأمل لملايين الخريجين العاطلين قد يصبح منطلقا لابتكارات يمكنها
إحداث تحوُّل نحو الأفضل في اقتصادات المنطقة، وليس الهدف اللحاق بالأنظمة
التعليمية الأخرى، إنما الهدف هو استغلال التكنولوجيات الجديدة وقوة الإبداع لدى
الشباب في تحقيق قفزة ثلاثية إلى المستقبل."
ويشير التقرير إلى أن المنطقة قد حقَّقت
زيادة كبيرة في معدلات الالتحاق بالمدارس لكنها الآن تحتاج إلى التركيز على عملية
التعلُّم، وفي الاختبارات القياسية الدولية، يتخلف طلاب المنطقة الذين يبلغون من
العمر 15 عاما عن المتوسط العالمي بمقدار سنتين إلى أربع سنوات من الدراسة،
ويُحدِّد التقرير أربعة تحديات رئيسية تعوق عملية التعليم في المنطقة، هي:
التحديات بين الشهادات والمهارات، والانضباط والاستعلام، والسيطرة والاستقلالية،
والتقليد والحداثة، ويعرض التقرير استراتيجية لمعالجة هذه التحديات وإطلاق العنان
لقدرات التعليم من خلال بذل جهود متضافرة للدفع للتعلُّم، والجذب بصورة أقوى
للمهارات، ووضع ميثاق جديد للتعليم بين كل أصحاب المصلحة المباشرة على الصعيد
الوطني دعما لإصلاحات التعليم.
ويتطلَّب الدفع للتعلم التركيز على
السنوات الأولى والصفوف الدراسية الأولى للطفل لبناء أسس التعلُّم. وهو يستلزم
أيضا وجود معلمين ومديري مدارس أكفاء، ومناهج تربوية جديدة، وتحسين أساليب تقييم
التعلُّم، والوصول إلى كل الأطفال بصرف النظر عن نوع الجنس أو العرق أو الخلفية
الاجتماعية أو القدرة، وقد بدت بعض المؤشرات الإيجابية في المنطقة مثل التزام الإمارات
العربية المتحدة بالعمل لتعميم الالتحاق برياض الأطفال بحلول عام 2021، والمحور
الثاني لتطوير التعليم في مصر من خلال الشروع في إجراء تغييرات واسعة للنظام
التعليمي باستخدام التكنولوجيا من أجل تقديم ودعم وقياس وإدارة عملية التعلُّم
والتطوير المهني للمعلمين.
لكن الدفع للتعلم لن يكون كافيا إذا لم
يصاحبه الجذب بصورة أقوى للمهارات من سوق العمل، ومن مطالبة الآباء للنظام
التعليمي بتقديم المهارات لا مجرد الشهادات، وعلاوة على ذلك، يجب أن يصاحب إصلاح
النظام التعليمي، إصلاحات قطاعية أخرى، على سبيل المثال، تعد إصلاحات جهاز الخدمة
المدنية ضرورية في ضوء تولي الحكومة وظيفة اختيار وتعيين المعلمين. كما تكتسي
إصلاحات سوق العمل أهمية كبيرة أيضا لأن سياسات سوق العمل تخلق حوافز لأرباب العمل
لاستخدام القنوات المفتوحة لتحديد المهارات.
ويتطلَّب الجذب للمهارات أيضا تحديث
المناهج لتبتعد عن نظام الحفظ والتلقين، والعمل بدلا من ذلك على التشجيع على
التفكير النقدي والإبداع، ومن الضروري أيضا أن يتعلَّم الطلاب المهارات الرقمية
حتى يكونوا مستعدين لتلبية متطلبات وظائف المستقبل، وأن يعتمد المعلمون على ما
تتيحه التكنولوجيا من مزايا في تحسين بيئة التعلُّم. ومع الدفع للتعلم والجذب
للمهارات، سيتعين على الحكومات والمجتمعات أن تحشد جهودها حول رؤية متجددة
للتعليم، وأن تضع ميثاقا جديدا يكون كل فرد فيه مسؤولا، وكل فرد خاضعا للمساءلة.
ومن جانبه، قال خايمي سافيدرا المدير
الأول بقطاع الممارسات العالمية للتعليم بالبنك الدولي: "سنوات الدراسة
المتراكمة لا تكفي، إنما المهم هو مقدار ما يتعلَّمه الأطفال فعلا، وسوف تتضاءل
قيمة الحصول على مؤهل أو شهادة إذا لم تصاحبه المهارات التي يحتاج اليها الشباب
حتى يكونوا أكثر إنتاجية، وينبغي للمنطقة أن تعمل لتحقيق تحسُّن جذري في جودة
التعليم، وسيتطلب هذا جهودا متضافرة لتزويد المعلمين والمدارس بالأدوات اللازمة
لتزويد الطلاب بالمهارات الأساسية، وفي الوقت نفسه تشجيع العقول المحبة للبحث وهو
ما يعد أمرا أساسيا في عالم يزخر دائما بالتحديات."
وتشكل الأعداد الكبيرة من الخريجين العاطلين
في المنطقة إهدارا لموارد رأس المال البشري القيمة، ومؤشرا واضحا على الانفصال بين
الأنظمة التعليمية وأرباب العمل المحتملين، ويصدق هذا بدرجة أكبر على الشابات
اللاتي يفقن الرجال عددا في الجامعات، في حين تبلغ معدلات البطالة في صفوفهن الضعف
مقارنة بأقرانهن من الذكور، ويلزم الجذب بصورة أقوى للمهارات من القطاع الخاص من
أجل تحويل تركيز الطلاب والمدارس بعيدا عن القطاع العام مع تحسين الأنظمة للمواءمة
بين مهارات الخريجين ومتطلبات الوظائف وتسهيل الانتقال من المدرسة إلى سوق العمل،
وبهذه الطريقة، يمكن أن تصبح الأنظمة التعليمية مصدرا للمهارات المطلوبة لتنويع
الأنشطة الاقتصادية وبناء قطاعات خاصة تتمتع بالحيوية والنشاط وقادرة على توليد
النمو والوظائف.
وقالت صفاء الطيب الكوجلي
المديرة بقطاع الممارسات العالمية للتعليم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في
البنك الدولي ومؤلفة التقرير الجديد: "على الرغم من عقود من الإصلاحات لاتزال
إمكانات التعليم غير مستغلة في كل بلدان المنطقة بصرف النظر عن الموقع الجغرافي أو
العوامل السكانية أو الظروف الاقتصادية، ويتطلب إطلاق هذه الإمكانات تغيير
العقلية، ومعالجة الأعراف الاجتماعية الراسخة، وإصلاحات تتجاوز النظام التعليمي،
واتساق المصالح فيما بين كل أصحاب الشأن على أساس رؤية مشتركة لأهداف
التعليم."