الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم

هل تسقط "كارمن" في "جامعة الدول العربية" ؟

الأحد 17/نوفمبر/2013 - 05:10 ص

جامعة الدول العربية، ربما يذهب خاطرك نحو الجامعة التي أنشئت للتعامل مع الأزمات العربية دون جدوى، وإنما أقصد شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين.

لهذا الشارع نصيب من اسمه، فيمكنك فيه أن ترى كل الوجوه العربية.. إنه عرض غير منظم للأزياء العربية.

فقط توسط حديقة الميدان بالشارع المقصود، وتجول بعينيك لترى جامعة الدول العربية تجتمع كل لحظة بشعوبها في أركان هذا الميدان، هناك أكتاف الأخوة تصطدم لا تحتضن وكفوفهم لا تمتد للسلام.. بل ربما يشير بعضهم لبعض باشارات باردة دون كلام..بعيون لاتحمل ودا ..يتفنن البعض في إظهار العظمة والمال بشموخ زائف غالبا.. شموخ لا يري المنكسرين علي رصيف الشارع "رمز الوحدة العربية".

ضيوف شارع جامعة الدول العربية من العرب ينظرون بترفع أحياناً وشفقة أحياناً أخرى أو بلا مبالاة غالباً لـ "كارمن شتى" أبرز ضيوف شارع جامعة الدول العربية ،بل قد أصبحت ضيفه الدائم .

ينظرون ابناء العرق العربي الواحد إلي "كارمن " بنظرات مختلفة الدوافع والاهداف ، لكنها تتفق في أنها لن تفيد إمرأة سورية في شىء.. لن تساهم في حل مشكلة سيدة عربية مكسورة الجناح.

ما تبقى من ملامحها الباهتة وسط تجاعيد الحزن والضعف التي غزت شبابها.. يؤكد أنها كانت جميلة، بل فائقة الجمال.

وتشردت وتشرد جمالها بيد ديكتاتورية تجسدت على الأرض باسم بشار الأسد بعد أن قتل زوجها، وأطفالها الأربع، وأباها وأختها الصغرى، في قصف اجتياح مدينة "حمص"،وللحظ السيئ - كما تعتبره كارمن - أنها كانت من الناجين دون كامل أسرتها.

بعد أن عاشت كارمن مع أشلاء أحبائها 48 ساعة، قطع صغيرة من أشلاء بشرية ..تعرف تفاصيلها جيداً، جمعتها بعينين جامدتين، وشعر ناحل اقتلعت خصلاته بيديها أثناء ساعات العويل ، فشابكت تلك الخصلات الشقراء مع أشلاء أحبائها قبل الدفن..لكن لم يكن بمقدورها فعل إيزيس بأوزوريس.

مشهد مرعب من الحياة تحمله "كارمن شتي "بين انفاسها ،لتنزح به إلى مصر، وتصفه في جملة واحدة هي:إن الموت حرمها الستر وتخلى عنها. فها هى تتسول في طرقات شارع جامعة الدول، بعد أن قرصها الجوع، تحت لافتة "اختكم سورية وتحتاج المساعدة".

حالة التسول في حد ذاتها لم تكن سبباً في حزني علي "كارمن " .. علي سيدة بدت تتسول الحياة حتى تفوز بالموت، لكن المحزن حقاً هو مرور عشرات "الدشداشات العربية"على المأساة وكأنها لم ترها، فلم يساهم أصحاب العمائم والازياء واللهجات المختلفة والاصل العربي الواحد في رفع المعاناة عن "كارمن البائسة التي دفعت وغيرها الكثيرات من السوريات ثمن المطالبة بالحرية لبلادهن.

في لحظة فارقة افترشت "كارمن" الأرض بثيابها الرثة بعد إفاقتها من حالة إغماء سريعة،فانضمت إليّ فتاة لبنانية ،جاءت لتساعدني علي حملها من الأرض ،فيما حلق حولنا المارة متسائلين بلهجاتهم المختلفة عما حل بالسيدة ، وسرعان ما انفض الجمع، وذهبت لحظة الإشفاق على المسكينة ،بعد أن نالت بعض النقود التي ألقيت بين يديها،لكن رجل وحيد استمر ليسأل ما إذا كنا شقيقات كارمن ،فأجابته الفتاة اللبنانية بالنفي واخبرته انها لبنانية،فيما اخبرته أنا أنني صحفية مصرية ،وهنا انتفض ،وقال بلهجته الخليجية"صحفية .. و إيش جمع الشامي علي المغربي"؟ ،فقلت له "في بلادنا ثورات"،فرد وهو يرحل "لكن في بلادنا نفط ..وفي جيوبنا أموال"

راحت الفتاة اللبنانية تحكي لنا عما فعل نظام الأسد الأب والإبن بلبنان ،وحجم الاغتيالات التي ارتكبها ،خاصة للصحفيين والإعلاميين، ثم رحلت أنا وهي مستودعين كارمن ، فيما كان الرجل يجلس بعيداً بعض الشىء على حافة إحدى السيارات الفارهة،لم يذهب كما ذهب الآخرون ..جلس وعيناه الطامعتان تخترقان جسد كارمن .. شيطان في هيئة رجل ..ينتظر الأمل الذي يتجسد في سؤال واحد هو : "هل تسقط كارمن في جامعة الدول العربية"؟