التعليم زمان، والآن
الثلاثاء 17/أبريل/2018 - 04:38 م
تلقيتُ تعليمي قبل الجامعي في مدارس ذات إمكانات متواضعة للغاية، مدارس لم يكن بها إلا مقاعد في هيئة تخوت، وسبورة عبارة عن مساحة سواداء مستطيلة على الحائط، وطباشير، ولكني أزعم أن التعليم بهذه المدارس البسيطة كان أفضل من الآن بمراحل، للأسباب الجوهرية الآتية:-
(1) كان للمعلم مكانٌ ومكانة، وهيبة واحترام، ومنزلة وكرامة في المجتمع، وكانت كلمة المعلم ماضية على الطالب وولي أمره، كان المُعلم يضرب ليربي ويعلم ويجد لذلك المساندة والدعم من إدارات المدارس والإدارات؛ بل ومن أولياء الأمور أنفسهم، ولذلك كانت المدرسة حرم مقدس للتأديب والتهذيب والتربية والتعليم، بحيث كنا نحفظ دروسنا فيها قبل أن نراجعها عبر الواجبات المنزلية، التي كانت تكليفًا مُقدسًا من المعلم يُلقيه على تلاميذه ويتحتم عليهم القيام به.
(2) كان المُعلم مُتفرغًا للتربية والتعليم، ومن ثم تركزت طاقته ومواهبه وقدراته وملكاته في هذه المهنة المقدسة، كذا ارتبط وجوده في المدرسة بوجود التلميذ، وليس على المعلم بعد تفريغ إبدعاته في دروسه من عمل آخر؛ لا مالي ولا إدراي ولا لجان ولا غيره.
(3) كان المفتش الفني هو المنوط به وحده متابعة المعلم في قاعة الدرس، وكانت تلك المتابعة تنصب بالكلية على المستوى المهني للمعلم والمستوى التحصيلي للتلاميذ، ولم تكن المتابعة على ترقيم السجلات وختمها ونظافة الفصول وكنسها وصناعة الوسائل وتعليقها وفحص الطافيات وملئها وكتابة التاريخ وتصحيح الكراسات..الخ، ولذلك اهتم المعلم حينها أيما اهتمام بتجويد مستواه المهني ذاتيًا وكان حينها أفضل عشرات المرات من معلم اليوم الذي يتلقى ما بين الأسبوع والآخر تدريبًا معينًا.
(4) كانت وسائل الإعلام تتحدث باحترام عن المدارس كالمساجد، وكانت تتحدث عن المعلم بتقدير وتوقير وتبجيل ولذلك خلقت وعيًا جميعًا باحترامه وتقديره في المجتمع، ولم من يكن من الدراما ما يسخر من المُعلم وما يحط من شأنه وقدره، ويوم أن بث التلفاز حلقات تعليمية كنا ننتظرها على أحر من الجمر وكنا نجلس بأدب أمام المعلم وهو يلقي دروسه عبر التلفاز كما كنا نجلس أمامه في الفصل تمامًا بتمام.
خلاصة ما سبق؛ أنه حين يُمنح المعلم تقديرًا واحترامًا يليقان بأهمية رسالته سيتغير حال التعليم إلى الأفضل، ولن تستطيع الإمكانيات المادية والتكنولوجية وحدها انتشال التعليم من وهدته ما لم يكن هنالك معلمًا يعتز بنفسه ويفخر بمهنته ويتباهى برسالته من خلال إجراءات قانونية واضحة تضع مهنة المعلم فوق كل المهن وتخلق للمعلم حصانة قانونية تحميه وهو يمارس أعمال الجليلة في بناء الإنسان.