شبكة قومية للمتميزين
السبت 27/يناير/2018 - 09:33 ص
"الأمم القوية لا تدار بقرارات فردية ووقتية، فوراء كل ذي قرار حكيم عقول حكيمة خلف صانع القرار متنزهة عن كل غرض إلا العمل على نجاح القرار وتوابعه"..
الوطن كيان كبير وإدارته مسؤلية كبري ليست باليسيرة وتحتاج إلي عقول منزهة عن كل غرض ، عقول متميزة ومبدعة وتحمل علي أكتافها خبرات السنين في كل مجال. والإدارة الحقة والقوية هي التي تستمع لهذه العقول لتعضد العقول الأخري , فالعقول المتميزة هي روح الوطن. فأعز ما يملكه الوطن هو أبنائه ، وأعز الأبناء هموا المتميزون بعلمهم وخبراتهم وحكمتهم. والأمل في بناء أي دولة يكمن في قدرات أبنائها العلمية والفنية المتميزة.
ولم تنهض اليابان وألمانيا بعد إستسلامهما في الحرب العالمية الثانية إلا بالإعتماد علي عقول أبنائها. ولم تتقدم فرنسا وإنجلترا بالرغم من فقدانهم جزء كبير من الإمبراطورية الإنجليزية والفرنسية إلا بالإعتماد علي أبنائها المتميزين. ولم تقود أمريكا والإتحاد السوفيتي العالم أثناء الحرب الباردة إلا بالإعتماد علي العقول المتميزة سواء المهاجرة أو المستقطبة. ولم تنهض وتقوي الهند والصين وماليزيا في العصر الحديث إلا بعقول أبنائها المتميزون. ولم تنهض دول الخليج إلا بعد إستقطاب العقول المتميزة. ولم يؤثر سلبا علي مصر بقصد أو بدون قصد إلا إهمال عقولها المتميزة أو تركها تهاجر بلا رجعة. فقوة الدول لا تعتمد علي إمكاناتها المادية بل علي إمكانتها البشرية عموما والمتميزة خاصة حيث تستطيع الأخيرة تحريك وتطوير الأولي بما يؤدي إلي نهضة حقيقية ملموسة.
وبناءا علي هذه القاعدة وأخذا في الإعتبار الوضع الراهن لمصر من مطلب نهضوي بعيدا عن الأيدي المرتعشة والمقيدة بالأحكام الوظيفية الروتينية في جميع المصالح والهيئات الحكومية ، فالحل قد يكمن في تشكيل شبكة قومية من أبرز العلماء والفنيين ورجال الأعمال المتميزين تكون مهمتها الأولي هي المشاركة في صنع كل القرارات السياسية والعلمية والمالية والإجتماعية علي أن تتبع هذه الشبكة رئاسة الجمهورية مباشرة. ويتم إختيار اعضاء هذه الشبكة علي مستوي كل محافظة بطريقة تطوعية استشارية بمعزل عن كل السلطات شريطة أن تقدم لها الأخيرة المعلومات اللازمة وعلي أن يتمتع أعضاء هذه الشبكة بالحصانة حتي لا تقع تحت أي ضغوط أيا كانت.
تمثل هذه الشبكة مصنعا عالي الجودة للإستشارات المطلوبة للتخطيط العلمي وأثناء الأزمات وصنع القرار ، ومصنعا جاهزا لضخ قيادات قوية علي جميع المستويات حتي رئاسة الوزارة وبالتالي تمنع حالات الحيرة التي قد تحدث عند البحث عن قيادات بما فيها نواب للرئيس ولرئيس الوزراء وللوزراء وللمحافظبن ولرؤساء الجامعات في وقت قصير. وبالطبع سوف يقلل ذلك من إختيارات غير صائبة والتي تحدث في كثير من الأحيان.
ولأن الدولة في مرحلة نهضة سياسية واجتماعية ومالية وعلمية وتعليمية وأمنية وصحية فهذه الشبكة بما تجمعه من حكماء من كل التخصصات سوف تكون قادرة علي مواجهة أي معضلات حياتية سواء مقترحة منهم أو من الآخرين بحيث تخرج بتوصيات يمكن تطبيقها بعد عرضها علي صانع القرار. وتستطيع هذه الشبكة القومية أن ترشح قيادات من خارجها أو من داخلها بعد فترة من اكتساب الخبرات المختلطة من نواحي التعامل مع المشكلات الوطنية المختلفة.
وفي إعتقادي أن تجمع المتميزين في شبكة قومية لها فروع في كل محافظة لا يعني العنصرية بالمرة بل يعني التخصصية ولعب أدوار وطنية لمتميزين بقدرات غير متاحة لدي الآخرين. فهو تكليف وليس تكريم وهو لصالح بقية الشعب وليس للتميز عليه. هو مجرد تفعيل الخبرات في مكانها الصحيح وللمصلحة العامة. فالعبرة هنا بالخبرات وليس الانتخابات أو التعيينات مما يمثل ثروة قومية منظمة ومتعاونة بدلا من بعثرتها في طول البلاد وعرضها وعدم قدرتها الي الوصول الي صانع القرار أو حتي السماع لأفكارها لوجودها في جزر منعزلة.
ولأن صانع القرار السياسي يعاني الكثير من الصغوط سواء عند التخطيط أو صنع القرار أو توابع القرار نظرا لإعتقاد العامة أن صانع القرار يتصرف بإنعزالية عن المجتمع, فسوف تخفف هذه الشبكة الوطنية العبئ علي صاحب القرار لإرتكانه إلي مشورتها وأرائها العلمية والتي بالطبع تمثل نخب المجتمع والتي بدورها تستقي مشاكلها وأفكار حلولها من المجتمع المحيط.. ونظرا لشرط التميز في أعضاء هذه الشبكة يتوقع أن تكون الإستشارات النابعة ذات طابع علمي متميز كما سوف يدعم ويقوي ويكمل المجالس الإستشارية لرئاسة الجمهورية بأعدادها وبتنوعها. ونظرا لوجودها في كل محافظة فسوف تضمن اشتراك الأقاليم في التخطيط وصنع القرار. ونظرا لتنوع أعضائها الفني فسوف تضمن رؤي مختلفة ومتكاملة قبل أخذ القرار. ونظرا لتطوعها فسوف يضمن ذلك الإخلاص والشفافية في القرار.
رؤيتي هذه نبعت من ظهور العديد من الكيانات التي تحاول بشتي الطرق الإشتراك في الإستشارات وصنع القرار علي المستوي الضيق والوطني ولكن لا تفلح في أغلب الحالات في التواصل أو التأثير علي صانع القرار. وتنبع رؤيتي هذه من حاجة مصر لأفكار أبناءها المتميزين في كل مجال بصورة مناسبة وفعالة ومنظمة ولو لفترة انتقالية حتي تصل البلاد إلي بر الأمان. وبالطبع سوف تقلل هذه الشبكة الوطنية من النقد اللاذع الذي يصيب صانع القرار إذا لم يحقق آمال وطموحات وتوقعات المصريين. هذه الشبكة الوطنية سوف تمثل الوسيط العلمي والفني للمصريين عند صانع القرار من خلال رئاسة الجمهورية مباشرة.
مجرد فكرة ولكن قد تحدث تغييرا كبيرا حال تطبيقها إذا راقت لأهل التخطيط.. الدولة بالفعل تحتاج إلي كيان كبير استشاري يساعد الكيانات الأخري سواء المعينة أو المنتخبة في إتخاذ القرار بحكمة وخبرة المتميزين.
تحياتي
بقلم د. محمد لبيب سالم