سمات الشخصية وقيادة المؤسسات
الثلاثاء 02/يناير/2018 - 05:12 م
"السمات الشخصية مثل الأوراق التي تحمل الثمار بفضل السوق والجذور والماء الذي يرويها.. فإذا فسد الماء تسممت الجذور والسيقان والفروع، وفسدت الأوراق والثمار وما بها من بذور"..
وما كل منا بغض النظر عن دينه ولغته وموطنه وجنسه إلا مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية والعقلية.. وما مجموع هذه الصفات شئنا أم أبينا إلا مجمل سمات الشخصية.. فلا أحد منا له قرار في طوله أو عرضه أو لسانه.. ولا أحد منا له قرار في ما إذا كان سريع الحركة والبديهة أو بطيء الفهم.. ولا أحد فينا يتحكم في كونه أيمن أو أعسر، أو ذو ميول فنية أو أدبية أو رياضية أو بيولوجية..
فلكل منا شخصيته التي يولد بها ومكودة في جيناته فلا يستطيع تغييرها وإن نجح في تطويرها.. والاختلاف في سمات الشخصية ضروري لتعدد الفكر، وبالتالي تكامله وصهره في بوتقة الحياة من خلال الآليات المختلفة في حياتنا اليومية داخل وخارج دولاب العمل..
والسمات الشخصية تنعكس انعكاسا مؤثرا على طريقة قيادة المؤسسات ونجاحها في تحقيق رؤيتها ورسالتها.. فهناك من السمات التي في مجملها ما تعطي ما نسميه "الكاريزما" أو "الهيبة"، وهي المطلوبة شكلا لتحقيق القيادة القوية.. وبالطبع من يمتلك الكاريزما عادة ما يمتلك الصفات النفسية للقيادة مثل الحكمة والحِنكة، وسرعة اتخاذ القرار، والقدرة على قيادة الفريق بسهولة ويسر وبروح التعاون، وخلق روح وسبل الإبداع في العمل، وخلق الوسائل التي تقفز بالمؤسسة إلى الأمام فى وقت قصير، وكذلك خلق جيل جديد من الصف الثاني والثالث والرابع يكون جاهزا للقيادة العليا في أي وقت..
ولأهمية السمات الشخصية في إنجاح العمل وتعزيز دور القائد، فلا بد من المقابلات الشخصية "الإنتيرفيو" لتقييم الشخصية تقييم موضوعي من خلال التعرف على السمات الشخصية التى تصلح لكل وظيفة ما على وجه العموم، والوظيفة القيادية على وجه الخصوص.. فأثناء "الإنتيرفيو" يتم اكتشاف واستكشاف كل سمة من السمات الشخصية وخاصة سرعة البديهة، سرعة اتخاذ القرار، التعاون، الطموح، المحاسبة، الصبر، التحمل، الثبات الإنفعالي، وبالطبع المظهر العام وطريقة التواصل مع الآخر..
وليس هناك من لا يمتلك سمات شخصية إيجابية، بل كل منا يمتلك نوعا من هذه السمات، ولكن هناك عوامل مؤثرة في تبيان السمات الشخصية مثل التعليم والتدريب المستمر.. فهناك من يمتلك سمات شخصية قيادية ولكنه غير متعلم وغير مدرب وبالتالي لا يقدر هو على إظهارها، ولا يقدر الآخرون على إدراكها.. ولذلك فالتعليم المستمر والدورات والندوات وورش العمل وغيرها من آليات التدريب المستمر هى التى تساعد على تطوير السمات الشخصية وثقلها وخروجها للنور لمن يستطيع اكتشافها وتبنيها للاستفادة القصوى منها..
ولأن سمات الشخصية ينعكس على سلوك صاحبها، ولأن السلوك ينعكس على إنتاج صاحب الشخصية، فهناك علاقة وثيقة بين طبيعة السمات الشخصية والبصمة الإنتاجية لصاحبها.. فكلما كانت البصمة واضحة وجلية ومؤثرة لنفع الناس كلما كان هذا انعكاسا للشخصية خاصة إذا كانت فى مركز قيادى.. وإن لم تكن هذه الشخصية في مركز قيادي وهذا هو الأهم، فقد يمثل ذلك علامة كبرى للتفكير جديا فى استقطاب هذه الشخصية لوظيفة قيادية تناسب المؤهلات والسمات.. ولذلك تقدم السيرة الذاتية قبل المقابلة الشخصية حتى يستطيع من يقيم ان يدرك النجاحات السابقة للشخصية خاصة اذا كانت هذه النجاحات لم تكن معتمدة على قوة منصب كان يتقلده بل على قدرة الشخص نفسه ومهارته ومؤهلاته فى تحقيق هذه النجاحات والتي بالطبع من المتوقع ان تزداد إذا أصبح فى موقع القيادة..
ومع أن السمات الشخصية والسلوكية مرتبطة بالبصمة البيولوجية وخاصة الجينية ، إلا أن هناك من السمات السلوكية التي تبدوا وكأنها سمة عامة تخص كل شعب دون غيره وهي التي تم اكتسابها في شعب ما عبر عقود من الزمن. فعلي سبيل المثال يتميز الشعب الياباني بالقدرة علي العمل المتواصل دون كلل وهو سعيد. ويتميز الشعب الألماني بالجدية في العمل والصرامة في التنفيذ. ويتميز الشعب الأمريكي بالتفكير الجريء والسريع قبل التنفيذ مع إضافة كل ما هو جديد من ابتكارات . والشعب الصيني يتميز بالقدرة علي التحمل والعمل تحت أسوأ الظروف للخروج بأحسن النتائج وبأقل الإمكانات. ويتميز الشعب المصري بسرعة البديهة والابتكار والقدرة علي التحمل والتكيف مع كل الظروف. وهكذا باقي الشعوب..
ولذلك يجب الأخذ في الإعتبار السمات الشخصية لشعب بعينه عند تقييم السمات الشخصية الفردية. فكلما كانت الشخصية تمتلك سمات تناهض السمات السلبية في عامة الشعب الذي تنتمي إليه الشخصية ، وفي نفس الوقت تمتلك الكثير من السمات الإيجابية ببصمات واضحة ومثبتة علي أرض الواقع ، كلما كانت هذه الشخصية متميزة ومميزة ومناسبة للقيادة بدون تردد. ولهذا السبب يهتم صانعي ومتخذي القرار بعامل السمات الشخصية في "الإنتيرفيو" بعد تحليل البصمات الإنتاجية للشخصية في سيرته الذاتية وذلك قبل الخروج بقرار مصيري لصالح مؤسسة ما..
ولأن لكل نظام أعداء ، فإن العدو الحقيقي المضاد لإعتبار السمات الشخصية هو الواسطة التي قد تأتي بمن لا يمتلك ما هو مطلوب. والدولة هنا ليست هي من يصنع الواسطة بل الأفراد أنفسهم هم من يصنعونها ظنا منهم بأنها تحقق احلامهم في الحياة وهم لا يعلمون انها وباء عام يضر المصلحة العامة حتي ولو افادت مصلحة خاصة ولا يعلمون أن الضرر الجسيم بالمصلحة العامة مؤكد سوف يطول المصلحة الخاصة ولو بعد حين..
ولكن وللاسف ونتيجة للجهل والطمع وتدني الأخلاق والقيم والضمير تفشت الواسطة حتي أصبحت الواسطة سمة من سمات الشخصية المصرية.
السمات الشخصية مثل الأوراق التي تحمل الثمار بفضل السوق والجذور والماء الذي يرويها . فإذا فسد الماء , تسممت الجذور والسيقان والفروع ، وفسدت الأوراق والثمار وما بها من بذور .فلنهتم بالماء الذي يروينا والذي يجريفي عروقنا وهو التعليم في المدرسة والبيت والمسجد والشارع والإعلام.
د. محمد لبيب سالم
أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا