الجمعة 15 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

المعلم وكليات التربية أساس التطوير

الثلاثاء 26/ديسمبر/2017 - 12:56 ص

تعد كليات التربية، هى الكليات الجامعية، التى تعد المعلم إعدادا تخصصيا وتربويا، لتعليم المواد الدراسية وقيادة الأنشطة المدرسية المتضمنة فى المناهج الدراسية، والمعتمدة فى جميع المراحل التعليمية قبل الجامعية، وتشمل: …

كليات التربية العامة والبالغ عددها 26 كلية، وتوجد فى كل الجامعات وكل المحافظات، وهى تُعِّد معلم المواد العلمية والأدبية والتربية الدينية، إضافة لمعلمى التربية الخاصة.

كليات التربية النوعية والبالغ عددها 17 كلية، وتعد معلمين للمواد الفنية والموسيقية والتكنولوجية، وبعضها يعد إخصائيين للإعلام التربوى.

كليات التربية الرياضية وكليات التربية الفنية.

كليات إعداد معلم التعليم الصناعى.

كليات رياض أطفال، وتعد معلمين وميسرين للحضانات ورياض الأطفال.

هذا بالإضافة إلى بعض أقسام الكليات الأخرى والبالغ عددها 70 كلية، والتى تعد معلمين للتعليم التجارى، وإخصائيين اجتماعيين، ومعلمى اقتصاد منزلى وتربية بيئية. وتمنح هذه الكليات درجات البكالوريوس والليسانس. بالإضافة إلى درجات الدراسات العليا مثل الدبلومات ودرجات الماجستير والدكتوراه.

وتقبل هذه الكليات طلابا حاصلين على الثانوية العامة، يدرسون فيما يسمى بالنظام التكاملى الذى يحدد نسبة الجانب الأكاديمى التخصصى فى برنامجه ب75%، والجانب التربوى ب20%، و5% للتدريب الميدانى (التربية العملية).

ويعتمد تدريس المواد التخصصية فى معظم هذه الكليات على أعضاء هيئة التدريس من كليات العلوم، والآداب، وغيرها. كما تقبل هذه الكليات طلابا حاصلين على درجات البكالوريوس أو الليسانس من كليات متخصصة للحصول على دبلوم عام فى التربية يؤهلهم تربويا للتدريس.. وذلك فيما يسمى بالنظام التتابعى.

إن النظامين التكاملى والتتابعى، هما توليفة لمسارين كانا متبعين فى إعداد المعلم فى مصر منذ إنشاء مدرسة المعلمين العليا عام 1929 (وهى أول مدرسة أنشئت لإعداد المعلم فى مصر)، وما تلاها من معاهد وكليات معلمين سارت بالنظام التكاملى.

تلى ذلك النظام التتابعى الذى يتمثل فى معهد التربية للمعلمين (الذى كان يمنح دبلوما عاما فى التربية بعد درجة البكالوريوس أو الليسانس). والنظامان متبعان فى معظم أنحاء العالم، وإن كان نظام الساعات المعتمدة قد وحد إلى حد كبير بين المسارين.

وتقوم الحكومة ببعض الجهد فى تدريب المعلمين وتطوير أدائهم فى جميع المراحل التعليمية، ويتضمن ذلك تدربيهم وتطوير قدراتهم على استخدام الوسائل التعليمية الجديدة، واستخدام الحاسب الآلى.

ولقد وضعنا سياسات محددة تم إقرارها فى عامى 2003، 2004 لتدريب المعلمين والهيئات التعليمية المساعدة والإداريين، بهدف تدريب 10% من كل المعلمين فى المدارس سنويا، و30% من أعضاء هيئات التدريس فى الجامعات سنويا، خصوصا على استخدام وسائل التكنولوجيا بهدف محدد يشمل استمرار التدريب المهنى ورفع كفاءة الأداء للقوة الموجودة فى المدارس والجامعات حاليا، وتطوير كليات التعليم والتربية لتكون المصدر للقوة العاملة الجديدة الداخلة والمنضمة إلى المهنة.

إننى أؤمن بأن إعداد وتدريب المعلمين إطار متشابك ومتكامل يجب أن تلعب فيه كليات التربية دورا مهما خصوصا فى التقدم العلمى والتطوير والدراسات العليا المرتبطة به، كذلك فإن إنشاء هيئة ضمان الجودة والاعتماد فى التعليم، وبدء نشاطها واعتمادها لبرامج تدريب المعلمين حسب احتياجات التطوير لهم، وإنشاء كادر خاص للمعلمين.

وما طرحناه من فكر بدأ تنفيذه لإنشاء أكاديمية المعلم واعتبارها الجهة المعنية التى تضع المعايير اللازمة لتطوير أداء المعلمين، وإعداد البرامج اللازمة لترقيتهم، يجعل دور كليات التربية، فى وضع البرامج المختلفة للتدريب لكل نوع من أنواع التعليم، والبحوث العلمية التربوية المساندة، واللازمة لتطوير أداء المعلمين ورفع مستواهم أمرا محوريا.

إلا أن كليات التربية تواجه مثلها مثل باقى الكليات فى الجامعات تحديات عديدة، فعلى الرغم مما قدمه المشروع القومى لتطوير كليات التربية من تجهيزات وإمكانات، واقتراح مقررات أكاديمية وتربوية موصفة وهادفة لإعداد المعلم، ونمذجة مقترحة للبنية التحتية من حيث الأقسام والشُعب، وبرامج لتنمية القدرات المهنية لأعضاء هيئات التدريس، وتمويل بعض المشروعات ذات الصلة..

فإنه مازالت هناك تحديات تواجه كليات التربية على نحو خاص، لعل أبرزها عدم التنسيق بين أساتذة المواد التخصصية والمواد التربوية، فى ضوء وحدة هدف إعداد المعلم الكفء القادر على تحقيق المعايير القومية للتعليم وضعف التواصل بين الطلاب والأساتذة، وعدم الالتزام بالساعات المكتبية وغياب الإرشاد الأكاديمى، وهو ما يعانى منه التعليم العالى عموما.

ولقد لاحظت ضعف التنسيق المؤسسى بين كليات التربية ووزارة ومديريات التربية والتعليم فى جميع المحافظات وقلة فاعلية التربية العملية (التدريب الميدانى فى المدارس)، بسبب ازدحام المدارس وغياب التلاميذ فى آن واحد وعدم تقبل مسئوليها لتدريب الطلاب المعلمين، وضعف الإشراف الجاد فى التدريب،

يزيد على ذلك ضآلة المساحة المعطاة لأساليب تدريس متطورة مرتبطة بالوسائط المتعددة والتعليم الإلكترونى والتعليم عن بعد، وغلبة أساليب التدريس التقليدية فى معظم المقررات، وما يصاحبها من مذكرات متواضعة، وطرق تقويم تعتمد على امتحانات نمطية مضمونا وإدارة.

أما عدم التقيد بتعيين الخريجين فى المدارس، فهو الأمر الذى عجزت مرارا عن تفهمه فى إطار الاحتياج والوفرة اللذين يتلازمان فى منظومة تنتهى بعدم تعيين الخريجين من الكليات المعنية بإعدادهم والقصور فى أعداد المدرسين التى أراها متمثلة فى شكاوى الإدارات التعليمية والأسر.. وفى تعيين المدرسين بالحصة بشكل يهين العملية التعليمية كلها ومهنة التدريس خاصة.

وتعانى كليات التربية من ضعف البحث التربوى واقتصاره فى معظم الحالات على الحصول على درجات الماجستير والدكتوراه، وبحوث الترقية، هذا بالإضافة إلى غياب البحوث الأصلية وبحوث العمل التى تهتم بمشكلات تربوية وتعليمية يعانى منها النظام التربوى والتعليمى على كل المستويات، مع ضعف التنسيق والترابط بين كليات التربية وكليات التربية النوعية والتخصصية الأخرى المهتمة بإعداد المعلم.

سياسات تطوير كليات التربية لإعداد المعلم

إن الأوزان النسبية للمكونات الأكاديمية والتربوية والثقافية لبرنامج إعداد المعلم تتحدد فى ضوء المهام المنوط بالمعلم القيام بها فى المرحلة التى يعد للتدريس فيها، وفى ضوء مبدأ المرونة والتنوع واللا مركزية التى أنادى بها، وأؤكد أهميتها فى التعليم العالى، فإن كليات التربية ينبغى أن تتنافس نوعيا فى ضوء فلسفة الجامعة التى تتبعها وتنظيماتها الهيكلية واحتياجات الإقليم الذى تعمل فيه.

وتندرج السياسات الخاصة بتطوير كليات التربية، ضمن إطار سياسات تطوير التعليم العالى بوجه عام، إلا أنه لخصوصية وأهمية هذه الكليات، فإننى أطرح مجموعة من السياسات المحددة لتطويرها، وتشمل:

أولا: وضع رسالة محددة وواضحة وأهداف إستراتيجية لكل كلية بما يتوافق مع خصوصيتها، وفى ضوء طبيعة واحتياجات المجتمع الذى تخدمه. إن غياب رؤية مؤسسات التعليم المعلنة ومهامها المرتبطة بهذه الرؤية هو أمر غير مقبول فى هذه المرحلة من صنع تاريخ الوطن.

إلا أن ظهور هيئة ضمان الجودة والاعتماد فى الصورة، ومتطلبات الاعتماد اللازمة، أصبحت قوة ضاغطة جديدة على الجامعات وكلياتها للالتزام بهذا المعيار العالمى وما ينتج عنه من التزامات تحاسب عليها الجامعات خاصة كليات التعليم التى نسميها كليات التربية وارتباطها بالمجتمع.

ثانيا: تطويع برامج وممارسات العمل بكليات التربية بحسب نظام الساعات المعتمدة، بما يعمل على توحيد النظامين التكاملى والتتابعى، مع فتح المسارات بين كليات التربية والكليات الأخرى وإمكانية تدوير بعض الساعات المكتسبة بين المجالات الدراسية الجامعية المناسبة لمن يرغب من خريجى تلك الكليات فى ممارسة مهنة التعليم.

وهو الأمر الذى يستوجب تطويرا لبعض الكليات المكملة لبرامج التدريس بها مثل العلوم والآداب والألسن وغيرها. وأدرك أن الاتجاه نحو التدريس من خلال نظام الساعات المعتمدة يواجه مقاومة من إدارات الجامعة وأعضاء هيئات التدريس أحيانا.

ويتم التحجج بصعوبة تنفيذه فى الجامعات ذات الأعداد الكبيرة من الطلاب وهى حجج من وجهة نظرى تفتقر إلى الابتكار والإبداع والرؤية.. لأن ما يتعلمه الطالب فى الجامعات والمعاهد يجب أن يكون مرئيا ومقروءا بوحدات أكاديمية متعارف عليها عالميا حتى يمكن لهذا الطالب الحركة العرضية والرأسية دون أن يضيع جهده وتراكم تعليمه.

ثالثا: تطوير نظم القبول فى كليات التربية من خلال وضع وتطبيق اختبارات قبول موضوعية لاختيار الطلاب، على غرار اختبارات القدرات الخاصة وأنا أعلم أن موضوع الاختبارات لدخول الكليات الجامعية يلقى أيضا مقاومة مجتمعية، إلا أن مهنة التدريس، هى من وجهة نظرى مهنة ذات طابع خاص..

إننا نترك أبناءنا، وبناتنا ستة عشر سنة متصلة ما بين المدرسة والجامعة.. فى إطار خلقناه نحن، وبمناهج اخترناها نحن فى فصول مغلقة مع معلمين أعددناهم نحن.. وسيظل تأثيرهم على الأطفال والشباب راسخا فى وجدانهم.. فكيف لا تقوم الدولة بشكل مؤسسى بإجراء الاختبارات النفسية والأكاديمية اللازمة ليكون لأكثر من عشرين مليون طفل وشاب.. أفضل مدرس وأعظم معلم.. كيف لا تضع الشروط وتفتح الأعين على هذه الاختيارات..

هذا من جانب، أما الجانب الآخر فهو كيف نحفز الشباب على اختيار هذا الطريق؟.. كيف نحفز طالبى العلم والمعرفة للدخول فى مهنة التدريس؟ إن مسئولية الدولة أن تجعل هذه المهنة جذابة، ولها بالإضافة إلى عائدها المادى المناسب المحفز، عائد اجتماعى يبنى الاحتياج إليها، ويسوق تقيمها..

من ذا الذى سيعى ويجاهد ليصبح معلما فى ظروف التعليم الحالية! إنه فى الأغلب هذا الذى لم يستطع الحصول على فرصة أخرى.. وعلى المجتمع وقيادته العمل لأن تكون مهنة المعلم اختيارا إيجابيا للشباب..

يسعون إليها وهم يعلمون أنه فى إطار الشرعية واحترام القانون يستطيعون أن يحصلوا على العائد الكريم لحياة كريمة دون دروس خصوصية ولا الحصول على الميزة. اعتمادا على فساد العملية التعليمية الذى جعل هذه الدروس، خارج نطاق المؤسسة التعليمية.. أساسا يعتمد عليه التلميذ وولى الأمر.. ومعلموهم.

رابعا: الشراكة المؤسسية بين كليات التربية ووزارة التربية والتعليم، فى تكوين المعلم وتنميته المهنية فى أثناء الخدمة، فى إطار الأكاديمية المهنية للمعلمين التى طرحنا مع آخرين فكرة إنشائها فى تعديل قانون التعليم الذى تضمن إقرار كادر المعلم الجديد، والذى صدر خلال عام 2007، بعد جهود وطنية بذلت لتنمية هذه المهنة الرائدة فى المجتمع.

ويشمل ذلك اشتراط الحصول على ترخيص مزاولة المهنة بعد التخرج من كليات التربية من وزارة التربية والتعليم فى إطار متطلبات الاعتماد المهنى. وهو الأمر الذى نجحنا فى إقراره ضمن تعديل قانون التعليم بإنشاء كادر المعلمين، ضمن فلسفة أعم وأشمل لاستقرار العمل المهنى فى مصر.

خامسا: إيجاد توازن مع متطلبات سوق العمل فى الداخل والخارج، وبين أعداد المقبولين فى كليات التربية، مما يتطلب العديد من الدراسات الديموجرافية حول النمو السكانى والاحتياجات النوعية للمدارس الواجب إنشاؤها أو تطويرها لتلائم هذا النمو، مما ينعكس على أعداد الطلاب فى كليات التربية ونوعية الدراسة التخصصية داخلها،

مع التوسع فى دور كليات التربية فى مرحلة الدراسات العليا، دعما للتخصص فى إعداد المعلم وتوجها نحو تدعيم البحوث التربوية وربطها بالقضايا التعليمية الحقيقية التى يعانى منها المجتمع.

إن كل نقطة من هذه السياسات تحتاج إلى برنامج عمل، لكن للأسف فإننى أرى توجه الدولة واضحا فى تقليص دور كليات التربية فى الوقت الحاضر، وعدم قبول طلاب جدد فيها، وتجنب تعيين خريجيها بحجة تدنى المستويات التعليمية بها.

كذلك فإن تمكن بعض التوجهات الأيديولوجية المتعصبة دينيا من بعض هذه الكليات، جعل الحكومة ترفع يدها عنها بدلا من إصلاحها، وتبتعد عن تطويرها بدلا من مواجهة أزمة تستحق المواجهة، ليس فقط على مستوى كليات التربية، ولكن على مستوى المجتمع كله.

لا يمكن لأى أمة عظيمة كمصر.. أن تواجه تطوير التعليم دون المعلم الكفء القادر، المنمى، المتفتح، المثقف، الذى يغرس قيم الحداثة والمعرفة ويبنى الشخصية ويؤكد الهوية المصرية.. فالدعوة هنا للأخذ بالمسئولية ومواجهة التحدى لا الهروب منه.