الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

لماذا نقبع في ذيل الترتيب العالمي للتعليم ؟

الخميس 05/أكتوبر/2017 - 05:24 م

للسقوط اسباب وللتقدم اسباب وبالنظر الى ازمة التعليم المصرى هناك اسباب كثيرة تؤكد ذلك السقوط المريع وتذيل مصر قائمة الدول فى مؤشر جودة التعليم وهو احد المؤشرات من بين احدى عشر مؤشرا يتضمنها تقرير التنافسية العالمى الصادر عن منتدى دافوس بسويسرا ويصدر سنويا ليصنف ويرتب دول العالم اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وصحيا وتأثير تلك التقارير الدولية يكون بالسلب او الايجاب فى علاقة الدولة بالدول الاخرى خاصة فى مجال الاستثمار والعلاقات الاقتصادية عامة وحصول مصر فى الترتيب العام على المركز (133 من 137) فى مؤشر التعليم وجودته فى تقرير هذا العام (2017-2018) لم يختلف كثيرا عن ترتيب العام المضى وسابقه مما يشير الى دلالات خطرة تكشف عن حقائق واضحة لاتريد الدولة المصرية ممثلة فى حكوماتها المتعاقبة الاعتراف بها ومن هذه الدلالات او الحقائق

اولا- عدم وجود رغبة حقيقية لدى الادارة السياسية فى بناء منظومة تعليم وطنية

ثانيا- غياب رؤية علمية متكاملة للتعليم المصرى تتمثل فى انعدام المنهج العلمى فى ادارة منظومة التعليم الوطنى

ثالثا- انخفاض نسبة الانفاق على التعليم بالموازانات العامة للدولة عاما بعد الاخر بالمقارنة بزيادة اعداد الملتحقين بالتعليم

وتتجسد تلك الحقائق فى واقع التعليم المصرى وتنعكس داخل المؤسسة التربوية والتعليمية المصرية بعناصرها المختلفة فارتفاع نسبة الامية بين تلاميذ مرحلة التعليم الاساسى (2مليون و300الف تلميذ) وارتفاع نسبة التسرب من المدارس الحكومية جغرافيا خاصة فى مناطق الصعيد والمناطق الحدودية والمناطق الفقيرة بالمدن وايضا نوعيا بين الاناث اكثر من الذكور فهناك(2377 منطقة محرومة من اى نوع من انواع المدارس) فى مصر اكثرها فى محافظات سوهاج وقنا واسيوط اى فى صعيد مصر حيث ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانتشار الامراض الاجتماعية واهمها الثأر والدجل والشعوذة وحرمان البنات من التعليم والزواج المبكر لهن كل هذا نتيجة لغياب تعليم حقيقى جيد ومجانى فى تلك المناطق

ورغم هذا نجد ان السياسات التعليمية تتجه وبسرعة نحو خصخصة التعليم وتسليعه والاتجاه نحو التوسع فى التعليم بمصروفات تحت مسميات متعددة ( الخاص والدولى والتجريبى لغات والتجريبى الرسمى اى العربى واحلال تلك التجريبيات محل المدارس الحكومية سواء بالمدن او الريف لفرض امر واقع على المجتمع الذى يمثل فيه الفقراء الاغلبية بل والادهى من ذلك الاستعانة باجزاء من تجارب دول اخرى متقدمة ( التجربة اليابانية) والتى تعد منحة يابانية حولتها الحكومة المصرية الى مشروع استثمارى للتربح مع انها مجرد نوع من التعليم التربوى من خلال الممارسة الذاتية للتعليم اى باختصار كان يمكن تطبيقها فى المدارس الحكومية كنوع من انواع التطوير الذاتى للمعلمين والاطلاب والادارة المدرسية ولو تدريجيا

كذلك فان اوضاع المعلم المصرى باتت نموذجا للظلم الاجتماعى وانتهاكا صارخا لحقوق المواطنة فحجم الانتهاكات التى يتعرض لها المعلم المصرى فاقت كل تصور يمكن تخليه فلقد تدهورت اوضاع المعلم الاقتصادية والاجتماعية نتيجة تدنى منظومة الاجور بالمقارنة بارتفاع نسبة التضخم والاسعار ولم تصل الاجور او تقترب ولو قليلا من الحد الادنى الذى اقرته اليونسكو (750 دولا شهريا) كاّجر اّمن يمكن المعلم من العمل باستقراراجتماعى ونفسى له ولاسرته ويمثل فى ذات الوقت حافزا يدفعه الى الاستمرارية والتطور ورفع معدلات ادائه واخراج كامل طاقته فى اداء دوره الاهم والاكثر تأثيرا فى العملية التعليمية ولكن نجد العكس تماما فالى جانب الاجر الهزيل نجد تصريحات المسئولين بالوزارة تتجه الى تحميل المعلم المصرى سوءات ونتائج السياسات الحكومية كمبرر لتوجهاتها نحو تسليع التعليم واختزال الازمة فى فشل المعلم والازمة الاقتصادية مما اثار حالة مستمرة من الاحتقان بدأت فى الانفجار فى السنوات القليلة السابقة لتنحى منحى اخر اخذ شكلا من العنف ضد المعلمين المصريين تعددت انواعه من بدءا من العنف اللفظى وانتهاء بالجسدى وصل الى حد القتل احيانا وتحول الى عنف متبادل يكون الخاسر فيه دائما الجانب الاضعف وهو المعلم الذى الذى تحولت كرامته الى مثار للسخرية

ركن اخر من اركان السقوط الا وهو المدرسة كبيئة تعلم تعد احد اهم اسباب انهيار منظومة التعليم فى مصر فالمدارس الحكومية (50 االف مدرسة تقريبا) تضم الاغلبية من ابناء الوطن من الفقراء حيث التعليم المجانى ومن المفترض ان تكون الاولوية لتلك المدارس بالنسبة للدولة لكن الواقع يكشف الكارثة فلقد تحولت ( بفعل الاهمال الحكومى) الى بيئات للفوضى والعشوائية فلا انشطة ولا ادارات ولا تكنولوجيا ولا تطوير للمعلمين ولا متابعة ولا خدمات حقيقية الخ ولاشك ان اتجاه الدولة لدعم التعليم الخاص وتصدير فكرة ان التعليم الجيد يجب ان يكون بمصروفات قد افقد الثقة تماما فى المدارس الحكومية والعاملين بها من قبل اولياء الامور مما دفع الفقراء الى اللجوء للدروس الخصوصية (22 -25 مليار جنيه سنويا حجم الانفاق العائلى على التعليم الموازى او الاسود ) اما القادرين او الاغنياء فلجاوا الى المدارس الخاصة اما ذوى الثراء الفاحش فليحقون ابناؤهم بالمدارس الدولية ذات المصروفات الدولارية الباهظة باختصار الدولة فعلت ماتريده اهملت المدارس الحكومية وفتحت المجال لانواع اخرى من المدارس فحولته من حق الى سلعه للمواطن ان يختار مايشاء من المعروض من تلك السلع وتناست تلك السياسات ان التعليم للجميع الجيد والمجانى هو معيار للعدالة الاجتماعية وحصن الوطن الحصين ضد كل محاولات غزوه فكريا او تفتيته اجتماعيا او تأزيمه اقتصاديا وهو اطار للسلم الاجتماعى

ان ازمة التعليم المصرى هى ازمة للوطن كله حاضره ومستقبله لان اثار سقوطه تطال كل المجتمع فهو ليس مسئولية وزير او حزب او حكومة تاْتى وترحل وتترك لنا فى النهاية كارثة يسمونها مجازا بالتعليم المصرى