هل معايير اختيار قيادات التعليم صحيحة؟.. كلا وألف كلا
الجمعة 18/أغسطس/2017 - 04:41 م
تمتلىء صفحات الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعى بالشكاوى من قيادات التعليم فهناك عددا لا بأس به من الشكاوى ضد قيادات من المفترض أنها تقود العملية التعليمية.. أنا أعتقد أن وزارة التربية والتعليم مسئولة تماما عن اختيار القيادات التى تقوم بتنفيذ سياسات الوزارة.. فها معايير اختيار قيادات الوزارة صحيحة؟.. كلا وألف كلا
وجدت نفسى أفكر فى المعايير التى على أساسها تختار الوزارة قياداتها فى المحافظات وكذلك فى الإدارات التعليمية.. فوجدت أنها كالتالى:
أولا: ألا يكون المرشح لتولى مسئولية قيادية قد عوقب بأى عقوبة على الأقل على مدى السنتين الأخيرتين، بالإضافة إلى تقارير الكفاءة، يجب أن تكون بدرجة ممتاز.. هذه الشروط جعلتنى أفهم أن تلك القيادات عبارة عن موظفين لم يقوموا بأى عمل قيادى أو متميز بمعنى آخر أن هذا الموظف يفتقر للقدرة على المجازفة والإبداع الذى قد يرضى البعض ويغضب البعض الآخر مما يجعل المعلم عرضة لعقوبة على إبداعه.. يجب على الوزارة أن تميز بين العقوبة الناتجة عن سوء سلوك من الناحية المالية أو الأخلاقية وعقوبات اخرى ناتجة عن العمل والإبداع..
ويحضرنى الآن مثل إنجليزى يقول:He , who makes no mistakes , makes nothing.) (ومعناه أن من لا يخطىء فهو لا يقوم بأى عمل.
ثانيا: من المعايير الأساسية أيضا لترشيح معلم لمنصب قيادى هو الحصول على مؤهل تربوى وكذلك أن يكون قد حضر تدريبات الترقى.. أفهم أيضا من ذلك أن المعلم المرشح يجب أن يكون قادرا على المذاكرة والحفظ والحصول على شهادات تؤهله للترقى للمناصب القيادية غير واضعين فى الاعتبار الملكات والفروق الفردية بين الناس والتى تجعل من بعض الافراد قيادات ناجحة ومؤثرة وقد تكون غير حاصلة على تلك الشهادات..
وأنا متأكد أن القيادات المؤثرة فى العالم وعلى مدى التاريخ لم يتخرجوا من كليات تدرس علم القيادة بل لا توجد هذه الكليات فى الاصل، إنما هى ملكات وهبها الله لبعض الناس كى يكونوا قادة.
لما سبق.. رأيت أنه من الموضوعات فائقة الأهمية فى مجال التربية والتعليم، هى عملية اختيار القيادات التعليمية، بداية من مدير المدرسة وهى القيادة الأكثر أهمية لقربها الشديد من الطالب والمعلم وحتى قيادات ديوان الوزارة..
تلك القيادات أو هؤلاء القادة هم الذين يديرون جميع الأعمال الخاصة بالعملية التعليمية، فإن صلحوا صلح الجسد كله (أقصد طبعا العملية التعليمية برمتها) وإن كانوا غير ذلك فتلك هى الطامة الكبرى..
ما هى القيادة بالمعنى الأكاديمى؟
القيادة هى عملية تحريك مجموعة من الناس فى إتجاه محدد ومخطط له وذلك لحثهم على العمل بإختيارهم ، والقيادة الناجحة هى التى تحرك الناس فى الإتجاه الذى يحقق مصالحهم على المدى البعيد، ومهما كان الأمر ، فإن الوسائل والغايات يجب أن تقوم على فكرة خدمة المصالح الكبرى للناس المعنيين والقيادة أيضا منهج ومهارة وعمل يهدف إلى التأثير فى الآخرين .
من هو القائد؟:
الشخص القيادى هو ذلك الشخص الذى يحتل مرتبة معينة فى المجموعة ويتوقع منه تأدية عمله بأسلوب يتناسق مع تلك المرتبة.
القائد هو ذلك الرجل أو تلك المرأة المنتظر منه ممارسة التأثير والنفوذ لتحديد أهداف الجماعة وبلورتها وتحقيقها والقائد الأمين هو الذى يتقدم الصفوف وليس الشخص الذى يناور ليتصدر غيره المشهد ، ثم يظهر وكأنه هو الذى قام بالعمل كله!..
والقائد الموهوب يظهر بشكل طبيعى كقائد لأن ميزاته العقلية والروحية وشخصيته تعطيه مثل هذا الحق المؤكد فى الظهور..
إنك تستطيع عزيزى القارىء أن تتعرف على شخصية القائد (القائد) بسهولة فتجده دائما فى موقع الحدث فتواجده السريع فى موقع الحدث أو المشكلة يقضى على جزء كبير منها إن لم يكن كلها ، لأن المدير الناجح أو القائد الناجح بيده كل مفاتيح الحسم فينبغى ألا يغيب عن موقع الحدث ولا يعتمد أبدا على التقارير لأنها عادة ما تكون منحازة إلى طرف من أطراف المشكلة ففى حالة إعتماد القائد على التقارير المقدمة إليه من معاونيه تكون قراراته دائما منحازة لوجهة نظر بعينها، متجاهلة الآراء المخالفة والتى قد تكون هى الأصوب ولكنه فى الأصل لم يسمعها فقد حجبت عنه..
والقائد الناجح أيضا عزيزى القارىء الكريم يجب أن يتصف بالنزاهه والصدق فى القول والعمل ، وكذلك الثقة بالنفس لأن ذلك يخلق جوا من الثقة بينه وبين مرؤسيه..
إن التفانى فى العمل والإلتزام بالأخلاق الحميدة من العوامل التى تؤدى حتما إلى نجاح أى قيادة.. وأيضا قدرة القائد على إتخاذ القرارات المناسبة وتحمل مسؤلية تلك القرارات وكذلك ثقته بنفسه تجعل منه مثلا يحتذى، وأيضا توافر الرؤية الواضحة فى الفكر كل ذلك يعطى قوة وزخم شديدين لقراراته.
من الواضح أن معايير إختيار القيادات مختلفة فى وزارة التربية والتعليم عنها فى أى مكان آخر فى العالم.. والآن أيها الزميل العزيز هل ترى فى قيادات التعليم التى تتعامل معها تلك الصفات الأساسية والتى هى من أهم أسباب النجاح فى العملية التعليمية؟ فى الحقيقة أنا لا أرغب أبدا فى إظهار جميع قيادات التربية والتعليم على أنها قيادات غير ملائمة - حاشى لله – فأغلبهم زملاء أفاضل أعتز بهم ولكنى أردت فقط أن أفتح باب الحوار فى هذا البحث علنا نستفيد جميعا منه وأنا أدرك تماما أن قيادة واحدة فاشلة قد تتسبب فى الإساءة لكل قيادات الوزارة، ولكن قبل ذلك احب أن أتذكر معكم أن الحكيم الصينى كنفويشيس قال " إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد".
وكذلك قال تاليراند وهو سياسى ودبلوماسى فرنسى (1754 – 1838)، " إن خوفى من جيش مكون من مائة رأس من الخراف يقودهم أسد، أشد من خوفى من جيش مؤلف من مائة أسد يقودهم خروف"..
أسمح لى عزيزى القارىء الكريم ونحن فى معرض الحديث عن القيادات وأهمية حسن اختيارها أن استعرض معك بعض ما مر بى من أحداث أثناء خدمتى الطويلة كمعلم فقد اختصنى الله عز وجل بتجارب شكلت عندى محطات أساسية أضافت لخبراتى الكثير والكثير فمثلا عام 1996 نقلنى الوزير حسين كامل بهاء الدين من محافظة القاهرة إلى محافظة المنيا بدعوى أننى من أباطرة الدروس الخصوصية ولم أكن أعطى أى دروس خصوصية أو مجموعات مدرسية أو ما شابه ودخلت معركة امتدت لشهرين تقريبا حتى استطعت أن أقنع معالى الوزير أننى لست الشخص المقصود وإنما هى التقارير التى ضللته فأعادنى الله إلى القاهرة واستبعد الوزير عدد من قيادات مكتب المتابعة الخاص به وعلى رأسهم مديرته..
وفى عام 2006 قررنا مجموعة من الزملاء وأنا معهم ، أن نتصدى لقضية على جانب كبير من الخطورة والأهمية ألا وهى إنتشار تعاطى المخدرات بين طلبة وطالبات المدرسة التى كنا نعمل بها فلجأنا إلى جميع قيادات مديرية التربية والتعليم بالقاهرة وكذلك قيادات الوزارة فلم يحرك أحدا منهم ساكنا فدخلنا فى معركة حامية الوطيس وتصدى للموضوع الصحفى الهمام الأستاذ "سيد جاد" فنشر فى جريدة الجمهورية تحقيق كامل عن هذا الموضوع مدعوما بصور (استطاع بمهارته أن يحصل عليها) لطلاب يتعاطون المخدرات داخل الفصول ، فتحركت جميع قيادات الوزارة ، ولكن لمعاقبتنا وفتحت علينا أبواب جهنم ونقلنا إلى أبعد الإدارات عن أماكن اقامتنا بالرغم من أن رهاننا الحقيقى كان على موقف القيادات الكبيرة ظنا منا أن هذه القيادات ستقدر لنا دفاعنا عن أبنائنا طلبة وطالبات المدرسة وسنقابل بالدعم والشكر ، ولكنها كانت قيادات من كوكب آخر ، حتى أننا قابلنا الوزير – كان الدكتور يسرى الجمل فى ذلك الوقت - فطردنا من مكتبه بشكل فكاهى جدا فهو لم يستطع أن يتحكم فى اعصابه فبعد أن قابلنا مقابلة طيبة وطلب لنا "قهوه" غير رأيه بشكل مفاجىء قائلا "اشربوها بره" فخرجنا نضحك على هذا التصرف الغريب وكذلك فعل من قبله وكيل أول الوزارة الأستاذ عبد السميع حمزة .ولكن الله عز وجل نصرنا وأعادنا إلى مدارس قريبة من بيوتنا ولكن ظلت المدرسة على نفس الحال من الفوضى والتسيب..
أما ما يحدث فى الإدارات التعليمية الان ومنها الإدارة التى أعمل بها فهو أغرب مما سبق ولكنى سأترك الحديث عنه للزملاء فى تعليقاتهم مستعينا فقط بما كتبة أحد المحامين على مواقع التواصل الاجتماعى وقاله لى بشكل مباشر، إن الفساد الإدارى فى إدارة القاهرة الجديدة التعليمية وصل إلى أبعد مدى فقد لجأ إليه عدد كبير من المعلمين لرفع قضايا على المدير العام لإستعادة حقوقهم ويقول هذا المحامى أيضا أن مكتب السيد المدير العام تحول إلى مكتب للعلاقات العامة وعقد الصفقات وتقديم الخدمات لعلية القوم..
محمد لاشين "مدير مدرسة بالتجمع الخامس"