إرادة الإعتراف بالخطأ
هل سمعت يوماً ما عن الحوار المُثلث ؟ وهل
قرأت يوماً ما عما يسمى بفلسفة الخطأ ؟ وهل قرأت عن اللاعصمة ؟ أو اللامعصومية للإنسان
من الأخطاء ؟
إن حدود معرفتك بذلك من المحتمل أن تقلص معدلات الألم التى تحدث لك عند الشعور
بإرتكاب الخطأ ، ويجعلك تدرك أن الخطأ حقيقة مؤكدة فى عالم الإنسانية ، وأنه ضرورة
لإدراك قيمة الصواب ، والتمسك بالقيم والمبادئ التى تهدى إلى الصواب.
المعرفة بالخطأ وظروفه ودوافعه تجعل الإنسان
والأفراد والمجتمع على وعى دوماً بتقليل فرص الخطأ فى المستقبل والتنبؤ بالنسب المحتملة
لحدوثه .
والسؤال الأجدى للحوار والنقاش ، ماذا تفعل
حين تدرك أنك مخطئ ؟
هل تقف عند مرحلة الوعى بالخطأ فقط ؟ أم
تتجاوز تلك المرحلة إلى تعلم فضيلة الإعتراف بالخطأ ؟
ولكى تمتلك تلك الفضيلة عليك بادئ ذى بدء
أن تكون لديك ملكة وإرادة الإعتراف بالخطأ .
وهذا
ما أوضحه "بول ريكور" فى مؤلفه القيم " فلسفة الإرادة : الإنسان
الخطاء " ، الذى كان الهدف منه هو تحليل الألم والهوى ، والشر المعنوى الذى يقع
فيه الإنسان قصداً أو بدون قصد .
ويتساءل " ريكور" عن معنى أن
يكون الإنسان خطاء ؟ وأوضح أن إمكانية الشر منقوشة فى تكوين الإنسان . وأن الخير الأسمى
فى الإنسانية هو التسامى والتعالى عن الأخطاء من خلال الحوار المثلث الذى يتطلب إدراك
الخطأ ، والوصول إلى إرادة الإعتراف به ، والتوصل إلى آليات تقى من الوقوع فيه مرة
أخرى .
وإرادة فعل الخطأ لها وجود مثل إرادة الشر
، وإرادة الخير والرغبة فى فعل كل ما هو صواب وسليم من أجل إسعاد النفس ، والوصول إلى
أسمى درجات السعادة الإنسانية .
والقرآن الكريم والسنة النبوية تتضمن الكثير من الأدلة النقلية على إرادة الإعتراف
بالخطأ كما فى اعتراف أبونا آدم وأمنا حواء فيما ورد فى سورة الأعراف الآية 23
" . "قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ
لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين
وكذلك إعتراف إمرأة العزيز بمراودة سيدنا
يوسف ، وذلك فى سورة يوسف الآية 51
قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ
الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ "
وآيات الإنجيل فى أسفار متعددة تؤكد على
أن الخلاص الحقيقى للمرء فى الإعتراف بالخطيئة كما هو فى الآيات التالية :-
(سفر يشوع بن سيراخ 4) "لا تستحي أن تعترف بخطاياك،
ولا تغالب مجرى النهر"
"إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا
فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ
كُلِّ إِثْمٍ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ
نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا" (رسالة يوحنا الرسول
الأولى 1 : 9 ، 10)
"وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ،
مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ" (إنجيل متى 3: 6)
على هذا النحو كى يصل المرء إلى أعلى قيم
الصفاء النفسى ، والاستقرار الروحانى ، والتهذيب الخلقى يريد أن يتخلص من الشر المعنوى
بداخله ، وتجتمع فى خلجاته إرادة الاعتراف بالخطأ ، والذنب فى كل لحظة من لحظات الحياة .
كما أن الإنسان العاقل يسعد دوماً عندما
يعلو بنفسه عن الصغائر ، وإن وقع فى تلك الصغائر أو وقع فى الخطيئة لا يبحث عن تبريرات
لفعل الخطأ ، بل يمتلك إرادة قوية للإعتراف وميكانزمات ذاتية للتنحى عن فعل الخطأ ثانية
، أو ارتكاب ما يتعارض مع القوانين الإلهية والوضعية والخلقية جميعها .
وقد يبرر الكثير من ضعاف النفوس إرادة الإعتراف
بالخطأ ، دليل على وهن وهشاشة الإنسان ، وأنها نوع من الضعف الإنسانى .
وأجد فى ذلك دليل قوى على أن هؤلاء البشر
غير أسوياء ولديهم من القدرة على ارتكاب الشرور والأخطاء وتكرارها ما يفوق الحد ، وأنهم
ليس لديهم الجرأة ولا الشجاعة على قول الحقيقة ، والإعتراف بإرتكاب المعاصى والشرور
والأخطاء . ومن ثم لا إرادياً يكبلون ذواتهم فى دوائر من النقص الأخلاقى ، وقلة الإيمان ، والتعصب الأعمى ، والدوجما الفكرية ،
والهيمنة والسيطرة ، وفى النهاية يلجئون إلى الأطباء النفسيين ، وذوى الإرادة القوية
، ورجال الدين كى يعيدوهم إلى ذواتهم كى يتحلوا بالنقاء والحكمة والبصيرة ويتمرنون
على كيفية امتلاك إرادة الإعتراف بالخطأ .
أليس كذلك ؟!!!!!!