الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

إرادة الإعتراف بالخطأ

الجمعة 23/يونيو/2017 - 11:43 م

هل سمعت يوماً ما عن الحوار المُثلث ؟ وهل قرأت يوماً ما عما يسمى بفلسفة الخطأ ؟ وهل قرأت عن اللاعصمة ؟ أو اللامعصومية للإنسان من الأخطاء ؟

    إن حدود معرفتك بذلك من المحتمل أن تقلص معدلات الألم التى تحدث لك عند الشعور بإرتكاب الخطأ ، ويجعلك تدرك أن الخطأ حقيقة مؤكدة فى عالم الإنسانية ، وأنه ضرورة لإدراك قيمة الصواب ، والتمسك بالقيم والمبادئ التى تهدى إلى الصواب.

المعرفة بالخطأ وظروفه ودوافعه تجعل الإنسان والأفراد والمجتمع على وعى دوماً بتقليل فرص الخطأ فى المستقبل والتنبؤ بالنسب المحتملة لحدوثه .

والسؤال الأجدى للحوار والنقاش ، ماذا تفعل حين تدرك أنك مخطئ ؟

هل تقف عند مرحلة الوعى بالخطأ فقط ؟ أم تتجاوز تلك المرحلة إلى تعلم فضيلة الإعتراف بالخطأ ؟

ولكى تمتلك تلك الفضيلة عليك بادئ ذى بدء أن تكون لديك ملكة وإرادة الإعتراف بالخطأ .

وهذا  ما أوضحه "بول ريكور" فى مؤلفه القيم " فلسفة الإرادة : الإنسان الخطاء " ، الذى كان الهدف منه هو تحليل الألم والهوى ، والشر المعنوى الذى يقع فيه الإنسان قصداً أو بدون قصد .

 

ويتساءل " ريكور" عن معنى أن يكون الإنسان خطاء ؟ وأوضح أن إمكانية الشر منقوشة فى تكوين الإنسان . وأن الخير الأسمى فى الإنسانية هو التسامى والتعالى عن الأخطاء من خلال الحوار المثلث الذى يتطلب إدراك الخطأ ، والوصول إلى إرادة الإعتراف به ، والتوصل إلى آليات تقى من الوقوع فيه مرة أخرى .

وإرادة فعل الخطأ لها وجود مثل إرادة الشر ، وإرادة الخير والرغبة فى فعل كل ما هو صواب وسليم من أجل إسعاد النفس ، والوصول إلى أسمى درجات السعادة الإنسانية .

  والقرآن الكريم والسنة النبوية تتضمن الكثير من الأدلة النقلية على إرادة الإعتراف بالخطأ كما فى اعتراف أبونا آدم وأمنا حواء فيما ورد فى سورة الأعراف الآية 23

" .  "قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين

وكذلك إعتراف إمرأة العزيز بمراودة سيدنا يوسف ، وذلك فى سورة يوسف الآية 51

قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ "

وآيات الإنجيل فى أسفار متعددة تؤكد على أن الخلاص الحقيقى للمرء فى الإعتراف بالخطيئة كما هو فى الآيات التالية :-

 (سفر يشوع بن سيراخ 4) "لا تستحي أن تعترف بخطاياك، ولا تغالب مجرى النهر"

"إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ.  إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 1 : 9 ، 10)

"وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ" (إنجيل متى 3: 6)

على هذا النحو كى يصل المرء إلى أعلى قيم الصفاء النفسى ، والاستقرار الروحانى ، والتهذيب الخلقى يريد أن يتخلص من الشر المعنوى بداخله ، وتجتمع فى خلجاته إرادة الاعتراف بالخطأ ، والذنب فى كل لحظة  من لحظات الحياة .

كما أن الإنسان العاقل يسعد دوماً عندما يعلو بنفسه عن الصغائر ، وإن وقع فى تلك الصغائر أو وقع فى الخطيئة لا يبحث عن تبريرات لفعل الخطأ ، بل يمتلك إرادة قوية للإعتراف وميكانزمات ذاتية للتنحى عن فعل الخطأ ثانية ، أو ارتكاب ما يتعارض مع القوانين الإلهية والوضعية والخلقية جميعها .

وقد يبرر الكثير من ضعاف النفوس إرادة الإعتراف بالخطأ ، دليل على وهن وهشاشة الإنسان ، وأنها نوع من الضعف الإنسانى .

وأجد فى ذلك دليل قوى على أن هؤلاء البشر غير أسوياء ولديهم من القدرة على ارتكاب الشرور والأخطاء وتكرارها ما يفوق الحد ، وأنهم ليس لديهم الجرأة ولا الشجاعة على قول الحقيقة ، والإعتراف بإرتكاب المعاصى والشرور والأخطاء . ومن ثم لا إرادياً يكبلون ذواتهم فى دوائر من النقص الأخلاقى ، وقلة  الإيمان ، والتعصب الأعمى ، والدوجما الفكرية ، والهيمنة والسيطرة ، وفى النهاية يلجئون إلى الأطباء النفسيين ، وذوى الإرادة القوية ، ورجال الدين كى يعيدوهم إلى ذواتهم كى يتحلوا بالنقاء والحكمة والبصيرة ويتمرنون على كيفية امتلاك إرادة الإعتراف بالخطأ .

أليس كذلك ؟!!!!!!

[email protected]