السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

ذو الوجهين

الأربعاء 10/مايو/2017 - 01:01 ص

هل يمكننى الضحك بصوت عالى للحظة قبل كتابة هذا المقال ؟!!!  

عندما جاءت لى فكرة كتابة المقال وجدت نفسى أضحك بصوت عالِ رغم الألم الذى بداخلى من شخصيات بارعة فى ارتداء قناعين ، وجه داخل العمل حيث الذوق والتعامل بحذر ، والكلام المنتقى ، والتصرفات التى تنم عن المقولات من مثل " أنا فى خدمتك " " تحت أمرك فى أى لحظة " نحن هنا لراحتك دوماً " . هذا الوجه نعتاد عليه من الكثيرين فى ميادين العمل ، وكلما تعلق الأمر بالمستقبل ، وزيادة الأمور المادية كلما برق هذا الوجه ، ولمع ، وتعلق به المرء كثيراً ، ولا يخلعه المرء  إلا ( أضحك ثانية بشكل لا إرادى ) عند دخول المنزل ، والتعامل مع الأسرة .

 

يخلع الشخص رداء الذوق والرغبة فى خدمة الآخرين، والتعامل بحساسية مفرطة خوفاً من غضب الآخرين ، ليظهر على حقيقته وسلوكه يظهر فى علو الصوت ، والتعامل بعنف مع المقربين له ، زوجته وأولاده ، ونفس الشخص الذى كان يرفع شعار (أنا فى خدمتك وتحت أمرك ) يطلب من الجميع فى منزله أن يكونوا تحت أمره ، وخدمته ، ودوماً يفكرون فى راحته .

 

لماذا الوجه الآخر ظهر بهذه الوحشية ؟ هل لأن الأمر يرتبط بالأمور المالية بمعنى أن الوجه اللطيف الذوق المحترم للمصلحة المادية داخل العمل ، أما فى المنزل فالشخص هو المسئول عن الإنفاق . فلماذا يلبس قناع الأدب والأخلاق والذوق طالما هو الذى يسرف ويدفع متطلبات المنزل ؟ بالعكس جميع أفراد الأسرة عليهم الطاعة والامتثال والتعامل باحترام وذوق إلا صاحب الوجه المخيف العنيف الذى يصل إلى حد البلطجة.

 

أعتقد أن هذه الإزدواجية فى الشخصية مصدرها المفاهيم الثقافية المغلوطة عن حياة العمل وحياة الأسرة . فالكل يعتقد أن مجتمع العمل من الضرورى أن نتجمل له، ونلبس الأقنعة كى ننال رضا الجميع ونحصل على المزيد والمزيد من المميزات ، وأن نكون دوماً محل إعجاب وأنظار الجميع .

 

أما حياة الأسرة فهى استراحة قليلة من العمل مع الزوجة والأولاد فنخلع الأقنعة لنبرز مساوئنا وأخلاقنا الحقيقية دون أن نشعر حتى الساعات الأولى من الصباح . ليأتى العمل ونلبس لباس العمل ونعود للتجمل والتعامل بشكل يفوق التوقعات من الاحترام والإلتزام والتقدير من الجميع .

 

فى الواقع مثل هذه الأنماط من الشخصيات المريضة بحياة العمل وتستميت فى لبس الأقنعة المزيفة غالباً ما تكون فاشلة فى حياتها الإجتماعية والأخلاقية . وتتردد العبارات السخيفة ( هذا شخص عملى ولكنه ليس لديه حظ فى الزواج وتكوين الأسرة ) ( هذه السيدة جادة لكنها لايمكن أن تنشئ علاقات اجتماعية قوية لأنها تعشق عملها ولا وقت لديها للعواطف )

 

كل تلك العبارات التى تشكل ثقافتنا الآن مؤشر خطير لهدم الحياة الأسرية والاستهانة بالأسرة التى تعد أساس نجاح المجتمعات المتقدمة ، وأساس نجاح العمل ومنظومة الإنتاج والاقتصاد داخل أى بلد متحضر .

 

ألسنا بحاجة إلى خلع الأقنعة المزيفة ، وإبراز وجه واحد مُسلط ناصية الأسرة تلك الرابطة الاجتماعية القوية التى تمثل حجر الأساس لكل مجتمع يتطلع إلى تكوين رأس مال أخلاقى واجتماعى ورصيد من العلاقات التى تضمن بقاء الدولة والمجتمع والأفراد .

كاتبة المقال

أ.م.د فاطمة الزهراء سالم محمود

أستاذ أصول التربية المساعد

كلية التربية -جامعة عين شمس

[email protected]