السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

قهرنى أبى وزوجى وأخى

الأربعاء 03/مايو/2017 - 11:46 م

كان من المفترض كتابة هذا المقال منذ حوالى عشر سنوات ، عندما التقيت بسيدة فى العقد الثالث من عمرها، وكانت سيدة جميلة لا ينقصها شئ من متاع الحياة ، الزواج والذرية والعمل ، ولكن وجدت فى عينيها لمحة حزن ، وشرود ذهنى كلما اختلت بنفسها  لم يقدر الجمال أن يخفي كل ذلك  ، تواصلت معها كثيراً بحكم العمل ، وفى كل مرة ألتقى بها أود سؤالها لماذا ألمح الحزن فى عينيكِ ؟ وكنت أخشى أن أفقد علاقتى بها بسبب تدخلى فى أمور شخصية لا تعنينى فى شئ .

 

ولكن لأننى أحببتها كثيراً ، لهدوئها الملحوظ ، واتزانها الانفعالى ، وقدرتها على التواصل مع الحياة رغم ما بها من آلالام وأحزان . هذا ما أدركته منذ أن وقعت عينى على تلك المرأة الحسناء .

 

وأخيراً تملك منى الفضول وسألتها ، لماذا تقاومى حزنك طوال الوقت ؟

الغريب فى الأمر رغم مباغتتى لها بالسؤال دون تمهيد ، إلا أنها لم تستغرب من سؤالى.

وأجابت بهدوء شديد لم أراه على إنسان من قبل : قهرنى أبى وزوجى وأخى .

 

لم أفهم المقصود من العبارة فى هذا السياق ، ولكن لم أسألها ثانيةً ، لأننى وجدتها تستطرد قائلة

ألم تسمعى عن معاناة المرأة المقهورة فى حياتها ، فأنا واحدة من تلك السيدات اللاتى قهرها الرجل فى صورة الأب المتسلط الذى يبث الرعب والخوف داخل المنزل منذ وجودنا فى الحياة ، فلا أتذكر أن جلس أبى معى ليدرس مشكلاتى ، أو يُسدى إلى بالنصائح ،أو يرمقنى بنظرة عطف ويقبلنى ، ويعرف ماذا فعلت طوال اليوم ، لكنه مثل الرجال الذين يستهويهم الجلوس خارج البيت أكثر من المنزل ، وعندما يتواجد فى المنزل يكون البيت مُسخراً لراحته فقط لا لبث الراحة والطمأنينة والاستقرار للبيت لوجوده معنا على الأقل. ومن ثم كرهنا وجوده بالمنزل لأنه يزيدنا ألماً وتسلطاً وأوامر ، واستخدام العنف اللفظى والبدنى والمعنوى علينا وعلى أمى المسكينة التى تلبى له كل شئ ، حتى أصبحت نسخة منه فى الجفاء والقسوة والرعب والتخويف به فى كل وقت وحين .

 

وعندما كنت أسمع عن وصايا الحكيم لقمان ، أو أشاهد البرامج التلفزيونية عن كيفية تربية الأبناء كنت أضحك وأبكى فى نفس الوقت ، وأقول لنفسى سنظل أسرى الكلام النظرى والتوصيات والينبغائيات فقط . تذكرت عندما وضعوا الخط الساخن لشكاوى الأبناء من قسوة الآباء عليهم ، وشاهدت أحد البرامج التلفزيونية عندما اتصل طفل بمذيع يشكو أنه اتصل بالرقم الخاص بالشكاوى ليشكو من والده والضرب المبرح الذى ألم به أعجزه عن الحركة ، فرد عليه شخص وقال له ( أقفل السكة يا ولد يا قليل الأدب هتشتكى والدك ) !!!!!!

وعندما أصبحت فى بدايات العقد الثانى من العمر تقدم لخطبتى الكثير من الشباب ، ولأننى لم أتعود على اتخاذ القرار منذ ولادتى ، ولأن والدى العزيز رغباته أوامر قام الأب باختيار الزوج .

وكانت الزيجة التى استقرت حتى الآن ، أمام الناس والمظاهر المعتادة ليس هناك مشاكل أو خلافات زوجية ، ووجدت نفسى أمام صورة أخرى من أبى ، ورغم انتقادى لتصرفات أمى واستسلامها لكل تحكمات أبى ، وجدتنى أفعل نفس الشئ مع أولادى ، ومع زوجى ، أصبحت نسخة من أمى .

 

توفى رمز الأسرة الأب ، وأصبحت أمى لا حول لها ولا قوة ، فقهرها أخى ، وقام بفرض التعليمات عليها ، ليس فقط عليها وحدها بل امتد الأمر إلينا جميعاً ، فكل أوامره تسربت إلينا فى كل شئ ،

 

وأصبح نسخة من الأب المتسلط الذى يضع لنا القواعد ورخصة التعامل مع أمى ، ومع إخواتى ، والتحكم فى الأمور المالية ، والزيارات وخلافه .

 

وأصبحت إلى الآن محاصرة بصورة الأب الغائب الحاضر فى شخص زوجى وأبى ، وصورة أمى التى تملكتنى فى كل شئ ، وأصبحت شخصية خانعة وخاضعة مثلها كى يكون شكلى أفضل وحياتى مستقرة وأجمل من وجهة نظر الجميع إلا أنا .

 

هذه كل الحكاية يا صديقتى العزيزة . استمعت إلى قصتها باهتمام ووجدت نفسى شاردة الذهن حتى انها كانت تكلمنى ولم أنتبه إليها ، إلا عندما وضعت يداها على كتفى وقالت لماذا أنتى شاردة ؟

 

ربطت على كتفها بشدة ، وقلت لها أنتى إنسانة شجاعة وقوية جداً ، وتخفى الكثير وتتألمى بصمت ، بدون أن تقصدى يا عزيزتى لمستى فى الكثير من الجوانب التى عشتها مثلك تماماً .

ولكنى أقول لك أنتى لم تُقهرى من أحد إلا من ذاتك ، نعم عندما يقهر الشخص ذاته يسمح للآخرين دوماً بقهره ، وهذه عتبة فارقة .

 

الطاعة والحب ليسا مرتبطين بالقهر والخضوع أورخصة للسماح لغيرنا بتشكيل وعينا وحاضرنا ومستقبلنا بالخوف والرعب . الأمر بحاجة إلى وقفة مع  النفس لا إذلالها وخضوعها للآخرين ، ولكن إعمال العقل والنقد المستمر لكل شئ والوصول إلى اليقين بالعقل لا عن طريق الآخرين .

حقيقة سنوات العمر تضيع ، وحياتنا تضيع نتيجة لإعطاء عقولنا وذواتنا للآخرين كى يشكلوها لنا.

والنتيجة معروفة عزلة وتوحد واكتئاب وإحباط من الجميع ، وضياع المستقبل .

قلت لصديقتى كلنا بحاجة إلى تلك النصيحة لا أنتى وحدك يا صديقتى الشجاعة الأنثى الرقيقة .

 *كاتب المقال

أ.م.د فاطمة الزهراء سالم محمود

أستاذ أصول التربية المساعد

كلية التربية -جامعة عين شمس

 

[email protected]