وزارة التعليم العالي .. وبيوت العنكبوت
وزارة التعليم العالي متعددة الدهاليز والمداخل والمخارج، شبيهة بالألعاب التي تُدخِل في متاهة من داخل متاهات وتطلُب الخروجٓ منها في وقت مفتوح أو في زمن محدد. تضم الوزارة عشرات المجالس واللجان، منها العام ومنها التخصصي البعيد تماماً عن تخصص الوزير. وتبدأ مشكلة الوزير الكبرى في التعرف على الوزارة بمتاهاتها ومجالسها ولجانها وأشخاصها، خاصة عندما يأتي من خارج الدوائر المُسيطرة على الوزارة منذ عقود، ما بين مستشارين مؤبدين ورؤساء لجان قطاعات.
للتذكرة الواجبة
قبل الاستمرار في الكلام، تعيينُ الوزراء حدوتةُ الحواديت. أي وزير عندما يؤدي اليمين
الدستورية يتصور أنه طالَ السماءَ، وتبدأ خُيالاتُ التفرد والألمعيةِ تحاصرُه فيصدقُها
ويعيشها مع سيطرةِ المنصب على من حوله من المرؤوسين، وعلى المنافقين من مستشارين يُقننون
رؤاه ولا يُرشدونه. هذا حالُ الوزراء وكثيرين ممن وجدوا أنفسهم على كراسي،
لكن، آآه وآآه
وآآه، الوزاراتُ بيوتُ عنكبوت، المؤبدون يهيمنون عليها ويتبدل عليهم الوزراء ولا يتغيرون.
لجانٌ وزارة التعليم العالي ما لها من حصرٍ. وما أكثر لجان المجلس الأعلى للجامعاتِ،
ومنها لجان القطاعات المتخصصة، فهي تتشكل من وجوه مؤبدة لم تتغير منذ سنوات طوال، فتشعبت
وفرضت سيطرتها بالتربيطات وامتنع عليها سماع
أية آراء من زملاء الجامعاتِ في شؤونهم. شخصياتٌ عنكبوتية تَظهرُ للوزراء القادمين
بلا خلفية حقيقية وكأنها الحلول والصواب. لنر أيضًا كيف شُكلت لجان ترقيات أعضاء هيئات
التدريس بالجامعاتِ وما أثارت؛ نفس الوجوه تُكرر نفسها من لجنة للجنة أخرى، وكأن مصر
أبعديةٌ. طبعًا الوزير يبحث عما يُظهره، ويخشى فضَ بيوت العنكبوت حتى لا يُتهم بالعجز،
فيبقى الحال على ما هو عليه من ركود. كم شكونا مما تتعرض له لوائح الدراسات الهندسية،
وما يُدَبرُ لها بعيدًا عن الأقسام العلمية بالكليات، هل من مُصغ؟ أبدًا.
ومع متاهات الوزارة،
تكون أيضًا الضغوط من أبواب تعليم بعينها في صحف الحكومة، ما لها من مَهمة إلا الإساءة
لأعضاء هيئات التدريس والتأليب عليهم، وكأن محرريها هم الأوصياء على الجامعات والعالمين
بكل دقائقها. إتقاءٌ لشر أقلامهم وسعيًا لمديحهم يسايرهم الوزير أو بمعنى آخر يدخل
في جيوبهم.
مع الوقت وتعدد
المتاهات والضغوط، يبدأ الوزير شيئا فشيئا في التقوقع حول بطانته التي يرى أنها ستُظهره
وتؤدي عنه، مهما قيل عنها؛ وهو أسلوب مع الأسف شاع سواء في جامعة أو كلية أو شركة أو
مؤسسة. الوزير مع البطانة وعينه على صحيفة أو قناة فضائية بعد وقت العمل أو خلاله،
المهم أن يظهر وكأنه الجرئ المفكر القاطع البتار.
هذا هو المناخ
الذي يعمل فيه الوزير المُطالَب بالكثير مما نعلم وما أكثر ما لا نعلم، ومنه ما يتناثر
منذ فترة طويلة عن مشروع قانون تنظيم الجامعات الجديد. ما أن تُنشر صورة منه حتى
يظهر في وزارة التعليم العالي من ينفي، سواء
كان الوزيرُ أو غيره!! ممن تتشكل لجنة وضع قانون تنظيم الجامعات؟ وهل هو أمرٌ شديدُ
السريةِ لهذه الدرجة؟! المهم أن كُلَ صورةً
تُنشر تثيرُ غضب أعضاء هيئة التدريس بالجامعات!! مقترحاتٌ تتراوح ما بين التخلص من مدرسين تأخروا
في الترقيةِ وكأنهم المذنبون الوحيدون وليس الوضع العام، والتخلص من الأساتذة المتفرغين،
وتكريس الديكتاتورية في الجامعاتِ بقصر عدد أعضاء مجلس القسم على أربعة أساتذة وأستاذ
مساعد ومدرس واثنين من الطلاب، وغيرُها مما يُثير الأسف على كيفيةِ وضع القوانين والهدفِ
منها.
هل توضع تلك القوانين
بروح الكراهية لما هو جامعة وأستاذ جامعي رغم أنه مطحون؟! هل المراد تقدم دولة أم محاربة
الجامعات لأسباب ما؟! ثم هل توضع تلك القوانين بالتحريض الذي تتفنن وتتمادى فيه أبواب
تعليم بعينها في صحف الحكومة؟! نتمنى ألا تعود ممارسات وزير حسني مبارك الذي لُقِبَ
بالمبيد لما تسبب في التخلصِ من الأساتذة فوق السبعين. لما تم إغراق الجنيه وتدهور
الاقتصاد ألقيت اللائمة على جشع التجار والصيادلة، أهكذا تكون فطنة وضع السياسات وأمانة
الطرح والتحليل؟ ليت قانون تنظيم الجامعاتِ ينآي بالدولة وبواضعيه عن تهمة التخلص من
أعضاء هيئات التدريس تحت مسميات جودة العمل بينما الغرض تقليص الميزانية وإسكات أعضاء
هيئات التدريس.
نتمنى التوفيق
لمن يأتي ويتحسس طريقه، لكن يظل التساؤل هل يأتي الوزير بسياساته أم ينفذ سياسات عامة؟
لو كانت الأولى فلسنا في دولة حقيقية، وإن كانت الثانية فربنا يستر لو كان أعضاء هيئات
التدريس بالجامعاتِ مستهدفين،،
*كاتب المقال
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي - أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس
Prof.
Hossam M.A. Fahmy