في أخلاقيات المواطنة التطرف الكامن في النفوس 1/ 3
ترددت كثيراً في كتابة هذا المقال، ربما لأن الوقت ليس مناسب بسبب التفجيرات الأخيرة، لكن استقر أمري على أنه إذا لم يتم إثارة هذا الأمر في مثل هذه الأوقات فبحثه في غيرها ربما يعد لا قيمة له.
تألم الجميع لتفجير الكنيسة البطرسية في
القاهرة لأسباب عدة منها أنها المرة الأولى التي يتم فيها تفجير دار عبادة في مصر ووقت
الصلاة وهو أمر ربما اعتادته دول أخرى لكننا في مصر لم واتمنى الا نعتاد عليه، سبب
آخر هو كثرة عدد المتوفين والمصابين وان معظمهم من النساء والأطفال. بالطبع لم يخل
الأمر من بعض المتطرفين ممن إن لم يسعدوا بما حدث فهم لم يخفوا لا مبالاتهم.
ولكن كلها ايام او أسابيع وتجد أحداث جديدة
وينسى الناس حتى نفيق على أمر آخر يظهر فيه التعصب الديني. ومن هنا كان لابد من بحث
أسباب هذا التعصب، فالعلاج لابد أن يكون للداء ومسبباته وليس لأعراضه، فصورة الشيخ
والقسيس يرفعان يد بعضهما البعض، وهتافات من نوعية يحيا الهلال مع الصليب لم تعد كافية
يا سادة، ولم يعد من المقبول ترك القيح والصديد ينخر في الجسد ونسعد بإجراء عملية تجميل
له،بل لابد من مواجهته وعلاجه حتى لو كان الدواء مرا والجراحة مؤلمة. ف التطرف موجود
تحت الجلد كامن في النفوس حتى وإن لم يظهر بهذه الصورة الدموية، فإنه يظهر في مجالات
شتى، فما هي أسبابه وكيف يمكن علاجه.
تبدأ الجذور من الصغر، فمن منا لم يسمع
أن المسيحيين لهم رائحة كريهة، وأنهم يبصقون في اي طعام أو شراب يقدمونه للمسلمين؟
ونكبر بعض الشئ لتدخل الجامعة حيث يبدأ التصنيف الحقيقي، فبمجرد دخول الطالب الجامعة
يظهر له الأعضاء القدامى في الأسر يريدون ضمه لهم، وكان منها بالطبع الأسر الممثلة
للتيارات المختلفة كالاخوان والسلفيين والناصريين وطلاب النشاط، وتبدأ الدعوة عادة
بتوفير الجداول وإرشاد المستجدين ودعوتهم للصلاة في مسجد الكبية فقط الصلاة، ليبدأ
الضمير الديني يلعب دوره حتى يتم الاستجابة، وهنا تبدأ رحلة اختيار من يصلح منهم للاستمرار
في الأسرة، بناء على مجموعة من المعايير أهمها السمع والطاعة والاستعداد لتقبل وتنفيذ
الأوامر دون مناقشتها ف الأخوة الأكبر أكثر دراية وهؤلاء بدورهم تابعين لمن هم خارج
الجامعة ويديرونهم، وتكون الأولوية للقادمين من الأرياف الذين يشعرون بالوحدة وربما
الضعف المادي والتدين الطبيعي التلقيني ومعظمهم يكون من المتفوقين دراسياً لهذا تزيد
نسبة التطرف فيما يسمى كليات القمة، ويبدأ الدخول في عالم الجماعات تدريجيا من المسابقات
في مسجد الكلية إلى المعسكرات الخاصة حتى يجد الشاب نفسه قد أصبح عضوا تنظيميا ومجرد
آلة تكرر كل ما يقوله الأعلى منه تراتبية في التنظيم أو الجماعة، ومع افتقادهم للدراسات
الإنسانية وتعمقهم في دراسات عملية لا تحتمل الا صواب واحد يكون هذا تفكيرهم فالحق
واحد وهو في جانبهم وكل من يخالقونهم على باطل دون أن يعطوا أنفسهم فرصة لمجرد التفكير
الناقد أو الإبداعي أو المقارن. ويتخرج هؤلاء لينغمسوا في العمل دون أن تنقطع الروابط
بينهم ومن انضموا لهم وبعضهم يصبح كوادر تنظيمية فيما بعد. وهذا ما يفسر لنا الضعف
الشديد فيما يتعلق بالانسانيات لدى كثير من قيادات الجماعات فلم يبرز منهم مفكر أو
أديب ومعظم قصصهم خيالية يؤمنون بصدقها ويكادون يكفرون من يخالفهم.
على الجانب الآخر تبدأ مدارس الأحد مع الطفل
المسيحي من البداية وتدرس فيه مجموعة من القيم وبجانبها تغرس في نفس الطفل انها الملجأ
له، وان حياته مع شعبه، وتجعل شعب الكنيسة هو شعب منفصل عن المجتمع، وإن كان من الممكن
تقبل ذلك دينيا الا انه لا يمكن قبوله اجتماعيا لأنه يفصل بين عنصري الأمة ويقيم فيها
شعبين منفصلين. يكبر الطالب ويدخل الجامعة ومن منا لم يلفت انتباهه بعد أيام قليلة
من دخوله كليته هذا التجمع المعروف للطلاب المسيحيين في الكلية ثم في الأقسام فهم معا
دائما نادرا ما يختلطون بالطلاب المسلمين وان حدث ذلك فيكون لوقت عابر سريع، ويقومون
أيضا بانتداب طلاب الفرقة الأولى الدين يصبحون جزء منهم خاصة وبعضهم يكونون على معرفة
مسبقة ببعضهم البعض من خلال مدارس الأحد، ويستمر الأمر ليجد الطالب المسيحي نفسه وقد
عزل نفسه بنفسه داخل هذه المجموعة الطلابية التي سكون الرابط الأول والإسانسير لها
هو الدين، وتعاون في كل شئ، وترفض عادة التعامل مع الطلاب المسلمين، ويستمر الأمر حتى
التخرج والعمل فإن سلكوا العمل الخاص وكانوا أصحاب عمل كانت العمالة المفضلة لديهم
هي العمالة المسيحية ونظرة سريعة لتجارة الذهب والسيراميك تبرز ذلك بوضوح. وهو الأمر
الذي ظهر كذلك في سلاسل محلات كبرى مثل التوحيد والنور ونادرا ما تجد بها عمالة مسيحية،
وعيد لبيب ونادرا ما تجد بها عمالة مسلمة.
عامل آخر شديد الأهمية هو وسائل الإعلام خاصة القنوات الدينية والمساجد والكنائس، وبشكل صريح ف الخطاب الديني المتطرف يسكنها جميعا. فمن منا لم يستمع في هذه القنوات لمشايخ وقسس يعلنها كل منهم صريحة بتكفير أتباع الديانة الأخرى وتحريم التعامل معهم بصور مختلفة، وفي ظل الضعف الحقيقي الذي تعانيه المؤسسات الدينية الرسمية التي ترفض هذه القنوات وهذا المسلك زادت قوة تأثيره الحقيقية خاصة على الجيل الحالي من الشباب الذي أصبح فريسة لوسائل الإعلام الحديثة من مواقع دينية متطرفة وصفحات وجروبات على صفحات التواصل الاجتماعى فأصبح كل منهم يرى أن الطرف الآخر يحصل على أكثر من حقه وان اتباع ديانته أصبحوا مضطهدين، وقد يتعجب الأخوة المسيحيين من أن يكون هذا الشعور لدى المسلمين لكن صدقوني هو لديهم أيضا ففي الوقت الذي يرى فيه كثير من المسيحيين أن الدولة تضيع حقوقهم والكنيسة تتهاون فيها وأنهم محرومين من بناء الكنائس أو تجديدها، فإن كثير من المسلمين يرون في المقابل أن المسيحيين واخدين اكتر من حقهم وان الدولة تقف في صفهم بدليل ما يقال عن الإدارة واستيلائها على أراضي الدولة وعدم قدرة الشرطة على دخول كنيسة في الوقت الذي تستبيح فيه مسجدا. ومع التراشق بين الجانبين يزداد عمق هذا التعصب والتمييز بشدة حتى يصبحا على طرفي نقيض