السياسة التعليمية والتوجه الأيديولوجي فى مصر قبل عام 1973 ومابعده
اعتبرت مصر التعليم مشروعها القومى الأكبر
، وجعلته أولى الأولويات القومية وركيزة الأمن
القومى، كما اعتبرت التعليم ركيزة أساسية
لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، لذا تتعاظم الدعوة
لإصلاح وتقويم النظام التعليمي ؛ نظرا لما
يواجهه المجتمع المصري من تغيرات عميقة وسريعة على
الصعيدين المحلي والعالمى .
فعلى الصعيد المحلي قامت ثورة 25 يناير
2011 ؛ لتسقط نظاما سياسيا
مستبدا , وتنطلق نحو المستقبل برؤية جديدة
. وعلى الصعيد العالمي تتجلى العولمة والتطور السريع
للعلوم والتكنولوجيا ونشوء مجتمع المعرفة
، والتى ترتب عليها تغيرات جوهرية سياسية واقتصادية ؛
مما أحدث تغييرا فى نظم العمل ؛ أدى إلى
ارتفاع نسبة البطالة بجانب الأزمات التنموية والبيئية في
العالم .
وقد انعكست كل هذه التحديات على السياسة
التعليمية في مصر سلبا وإيجابا , الأمر الذى يتطلب
مراجعة فاحصة لمجمل مسيرة النظام التعليمى
في مصر ، وأخذ العبر والدروس من الجهود السابقة
التى بذلت لرفع كفاءة نظام التعليم ، حتى
تنطلق المسيرة نحو المستقبل على أسس ومعايير علمية
لمواجهة تلك التحديات والمخاطر، ففهم التاريخ
واستيعابه يفسر الحاضر الذى نعيشه ، فالحاضر ابن
الماضى ، والمستقبل المنظور هو وليد تفاعل
كل من الماضى والحاضر.
فمسيرة التعليم متشابكة فى علاقة جدلية
مع قوى المجتمع المهيمنة على السياسة والاقتصاد
والتراتب الاجتماعى ، ومع مواقع السلطة
المتمثلة فيما ترمز له مؤسسة الدولة ، وما ترسمه من
توجهات فى إدارة المجتمع ، ومن ثم فإن معالجة
حركة التعليم فى عمقها هى من صميم القضايا
. السياسية فى المقام الأول وفى التحليل
الأخير
وبذلك ترتبط السياسة التعليمية بالقيادة
السياسية ارتباطا مباشرا , الأمر الذي يحتاج إلى تحليل
العلاقة بين السياسة التعليمية وتوجهات
النظام السياسي . فقد مرت السياسة التعليمية فى مصر
بتغييرات متعددة , منذ ثورة يوليو 1952
وحتى ثورة يناير 2011 , على إثر تغيير النظام السياسي
المصري توجهاته الأيديولوجية من الاشتراكية
إلى الرأسمالية ؛ مما أثر بشكل كبير على حركة التعليم
فى مصر.
ومصر بحكم موقعها الاستراتيجي وتاريخها
العريق ؛ تتأثر بمجريات الأحداث الدولية , فحين
أسفرت الحرب العالمية الثانية عام 1945
عن ظهور قوتين عظميين في العالم : الولايات المتحدة
ومعها أوربا الغربية ، ذات التوجه الأيديولوجي
الليبرالي, والاتحاد السوفيتي ومعه أوربا
الشرقية ، ذات التوجه الأيديولوجي الاشتراكي
؛ بدأت عملية استقطاب من الدول الكبرى نحو مصر .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ؛ قامت
ثورة 23 يوليو 1952 تعلن عن نفسها من خلال عدة
مبادئ من أهمها القضاء على الاستعمار ,
القضاء على الإقطاع , إقامة حياة ديمقراطية سليمة , إقامة
عدالة اجتماعية . " وتأرجح فكر الضباط
الأحرار ما بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه الماركسي ؛ مما
يوضح أن حركة الضباط الأحرار لم تكن تمثل
كيانا أيديولوجيا موحدا ، بل عرفت في داخلها أكثر من
اتجاه وأكثر من تيار ، وانعكس ذلك على مجلس
قيادة الثورة الذي امتلك سلطة القرار الأخير في
، المجالين التشريعي والتنفيذي في مصر خلال
المرحلة الانتقالية من يناير 1953 إلى يناير 1956
والذي ضم بدوره عدة تيارات أيديولوجية أدت
إلى بروز خلافات بين أعضائه وإلى تصفيات داخلية .
ثم استقر الأمر أن يسير نموذج التنمية في
مصر على طريق النمو الاشتراكي " يؤكد ذلك
البيان الذى ألقاه عبد المنعم القيسونى
عن الحكومة… إنه بسبب ظروف محلية وإقليمية وعالمية اتجهت
( الدولة إلى إعلان التنمية استنادا إلى
الأيديولوجيا الاشتراكية.
وفي ضوء ما سبق , بدأت السياسة التعليمية
تلعب دورا مجتمعيا , من خلال رفع شعار العدالة
الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص التعليمية
. وسيطرت الدولة على جهاز التعليم ، باعتباره أداة لبث
توجهاتها وأفكارها وجذب الطبقات الصغيرة
والوسطى للأيديولوجية الجديدة . وفى الفترة من عام
1961 برز عنصر التخطيط , ومحاولة ربط التعليم
بخطط التنمية المزمع تنفيذها
1974 ، تبلورت السياسة التعليمية بشكل كاف
, - التعليم باعتباره استثمار بشرى ، وفي الفترة 1962
ونظرت إلى التعليم باعتباره أداة أيديولوجية
للترويج للنظام ، واعتباره أداة لسد النقص فى العمالة