مستقبل المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل المصري في ظل عولمة الاقتصاد
تحتل منظومة التعليم والتدريب مكانة إستراتيجية هامة في بناء وتنمية القوى البشرية الوطنية باعتبار أن التعليم والتدريب يمثلان معا العنصر الحاكم في إعداد وتوفير القوى العاملة المؤهلة والمدربة التي تقابل الاحتياجات الكمية والمتطلبات النوعية للتنمية ، والتي لا يمكن تحقيق أهدافها إلا من خلال تدفق مخرجات مؤسسات التعليم والتدريب المؤهلين بقدرات ومهارات فكرية متطورة .
والمتأمل لمجتمعاتنا العربية نجد أننا أصبَحنا نُعاصِر فجوةً كبيرةً وقائمة
على أرض الواقع بين مُخرجات العملية التعليمية وما تقدِّمه ، وبين سوق العمل وما يتطلبه
من مواصفات نتيجة لانعزال تعليم أغلب الدول النامية والتي على رأسها دول الوطن العربي
عن الحياة العملية داخل سوق العمل ، فبدلاً من أن يكون التعليم هو الأداة المسئولة
عن إخراج الكفاءات التي يتطلبها سوق العمل ،أصبح بمَثابة العائق الأكبر أمام إيجاد
الكفاءات والخِبرات التي يتطلبها سوق العمل باستمرار .. حيث تظهر مشكلة كبرى جراء تلك
الأزمة هي البطالة التي أصبحَت ظاهرةً اجتماعية
خطيرة تعيشُها مجتمعاتنا العربية ، هذا إلى جانب العديد من الظواهر والمُشكلات الناجمة
عن انفصال المحتوى التعليمي عن مُتطلبات سوق العمل.
فالتعليم بوجه عام والتعليم العالي خاصة في- بعض مؤسساته-لم يعد يتصف بالجودة
المطلوبة ،حيث دعا أحد العلماء الجامعات العربية إلى نبذ ثقافة التفاخر بمركزها عالمياً
، والتركيز على ما تقدمه إلى الشارع العربي ، الذي يعكس نجاحها الفعلي ، ومدى قدرتها
على تلبية متطلباته ، مؤكداً أننا يجب أن ننشغل بما نقدمه للطلاب من علوم ، أكثر من
انشغالنا بصورتنا أمام العالم ،وإن وجود جامعةٍ ما بين أفضل الجامعات العالمية لا يعني
أنها تؤدي دورها أمام المجتمع كما يجب. فالمتطلبات الحديثة لسوق العمل لا تقتصر فقط
على تحديث المادة العلمية فحسب ، بل تتعداها إلى إعداد الكوادر التعليمية ، تأمين المستلزمات
والتجهيزات العلمية ، وتوفير المرافق والمنشآت الجامعية الحديثة. كما وان الأسواق المهنية
أصبحت تعتمد بشكل متزايد على تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات وعلى الذكاء الصناعي
مما أدى إلى تدني فرص العمل لهؤلاء الشباب
لذلك
تعد المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل من التحديات التي تواجه الدول في القرن
الحادي والعشرين ، وتشير بعض المعطيات إلى ضعف المواءمة بين نواتج التعليم وحاجة سوق
العمل المحلي والعالمي ومتطلبات التنمية البشرية والاقتصادية في وطننا العربي والدول
النامية بشكل عام ، لضعف التواصل والتكامل بين مؤسسات التعليم العالي وسوق العمل . مما يستدعي إعادة تأهيل الطلبة المنتظمين والخريجين
وتدريبهم باستمرار ،.ومن مؤشرات ضعف المواءمة الواضحة تتضح ملامحها فيما يلي:
1-مخرجات التعليم الفني لا تلبي احتياجات
سوق العمل
2-غياب الرؤية الواضحة في تطوير التعليم
العالي
3-الإقبال المتزايد على التخصصات النظرية
على حساب العملية
4-افتقاد نظام التعليم لطابع التكويني و
المهني
5 غياب إستراتيجية تعليمية مؤهلة للوظائف
.
6-الانفصام شبه الكامل بين مؤسسات التعليم
العالي والقطاع الخاص.
برغم ذلك تبذل الدولة العديد من الجهود
المبذولة لتصحيح الإختلالات الهيكلية في أسوق العمل
ففي
بالتعليم الفني،توقيع بروتوكول مع الصندوق الاجتماعي للتنمية ووزارة القوى العاملة
لاستخدام مخرجات المشروع القومي لمستويات المهارة في وضع الأهداف التدريبية التي تضمن
لخريجي التعليم الفني مستوى من الجدارة المهنية معترف به عالميا، أيضا مشاركة المؤسسات التعليمية العاملة فى مجال
مخرجات التعليم العالى المبادرة الدولية لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية حول تقييم
مخرجات التعلم فى مجال التعليم العالي والمعروفة بأسم مشروع تقييم "AHELO" ، Assignment Higher
Education Learning Outcomes تهدف إلى خلق آلية وأدوات قياس شفافة وعادلة حول
مدى اكتساب خريجى الكليات الجامعية المخرجات التعليمية المؤهلة لمتطلبات سوق العمل،
بالإضافة الى اطلاق مبادرة الهيئة القومية
لضمان جودة التعليم والاعتماد عام 2015 لمشروع الإطار القومي للمؤهلات(NQF)National Qualification Framework بهدف ضمان اتساق معايير نواتج
تعلم الطلبة بغض النظر عن المؤسسة التي درس بها الطالب ، أيضا لضمان تكافؤ هذه المعاييرِ مع معايير الشهادات التي
تمنحها مؤسساتُ التعليم العالي في شتى أنحاء العالم.
وفى هذا الصدد ، دعونا نتساءل كيف يمكن
ايجاد علاقة أكثر استقرارا بين سوقي التعليم والعمل كحل لمواجهة عولمة الاقتصاد ؟ بالفعل
نستطيع من خلال تبني رؤية تطويرية شاملة لجميع
جوانب العملية التعليمية ،تحسين اداء قطاع التعليم الفني، وتطوير خطط وبرامج التعليم
العالي ، وتحديث تطوير نظام الاعداد والتدريب، مع توظيف البحث العلمي بما يخدم سوق
العمل ،وتوطيد علاقة مؤسسات التعليم مع مؤسسات القطاع الخاص.
* كاتب المقال
د.حنان إسماعيل أحمد إسماعيل
استاذ تخطيط واقتصاديات التعليم
كلية البنات-جامعة عين شمس