الصحافة فِين يَا غُرَاب البِين؟!!
الحديث عن الأزمة (من غير لزمة) بين الداخلية والثلاثي المرح في نقابة الصحفيين هومن قبيل لزوم ما لا يلزم وتكرار ممل وسخيف لكلام قيل وسيقال في هذا الشأن .. لكن الحديث الأهم والملح والذي لا أكف عنه هو أن هذه البؤرة الصديدية عرض لمرض خطير وسرطان منتشر في جسد الوطن عنوانه (كذبت الدولة ولو صدقت وصدق المرجفون والغوغاء ولو كذبوا).. عنوانه أن ما لنا عند بخلائنا ومفسدينا ورأينا عند سفهائنا وأراذلنا بادي الرأي.. وعلمنا عند جهلائنا وأغبيائنا وسلطتنا في يد الحمقى الذين إذا أرادوا أن يحسنوا أساءوا وإذا أرادوا أن ينفعوا ضروا، وإذا أرادوا أن يعزوا ذلوا، والذين إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
ابتلينا حتى النخاع
بالإدارة الخاطئة والحمقاء، لكل قضايانا من جانب كل الأطراف .. ابتلينا بأطراف تلعب
القمار معاً وتخسر جميعاً.. بل ويخسر حتى الذي لا يشارك في الاثم واللعبة.. ويخسر الوطن
أيضاً.. بل هو أول الخاسرين.. ابتلينا بأناس لا وجود للوطن في رؤوسهم وهم يبرطعون ويعيثون
في الأرض فساداً .. بل لا وجود لرؤوسهم أصلاً.. ولا أستثني أحداً.
أبتلينا بنقابات
مهنية لا وجود للمهنة فيها وتستطيع بكل ارتياح أن تطلق عليها أسماء جديدة هي نقابة
غير الصحفيين، ونقابة غير المحامين، ونقابة غير المهندسين، ونقابة غير الأطباء، ونقابة
غير التجاريين.. لا وجود لنقابة أو تجمع أو منتدى في مصر لأصحاب مهنة أو حرفة أو مجال
ما .. لكنها تجمعات للعواطلية والبلطجية والمتسلقين والمتسللين من عقب الباب كالحشرات..
وهؤلاء العواطلية والبلطجية الذين لا علاقة لهم بالمهنة هم الذين يفرضون مجالس النقابات
.. لذلك لا يفوز بعضوية هذه المجالس ورئاستها إلا من يغازل البطجية والعواطلية ويلف
لفهم ويتبع أسلوبهم .. وكلما أوغل في الحماقة والبلطجة نال الرضا والثقة وإذا أردت
أن تكون عاقلاً وموضوعياً ومنطقياً وحريصاً على المهنة فلا تترشح ولا حتى تفكر في خوض
انتخابات أي مجلس نقابة لأنك لن تفوز أبداً.. لذلك طفا على سطح مجالس النقابات غوغاء
جاء بهم غوغاء وهم يأتمرون بأمر الغوغاء (وهم شرابة خرج) في أيدي البلطجية والعواطلية.
(زهقنا) والله
من قولهم إن نقابة الصحفيين أو نقابة المحامين أو كليهما معاً هما قلعتا الحريات..
والأصح أن نقابة الصحفيين (قالعة الحريات) ونقابة المحامين (قالعة الحريات وخالعة الروب)
.. وهب أنك في أي أزمة بين المحامين والداخلية أو القضاة وبين الصحفيين والداخلية..
كنت أحد أعضاء الجمعية العمومية ووقفت تقول رأياً مغايراً للسوقة والغوغاء والبلطجية
.. رأياً تراه موضوعياً وهادئاً حتى إذا كان خاطئاً .. ساعتها (عينك ما تشوق إلا النور)..
سينبري لك البلطجية والعواطلية قبل أن تكمل رأيك ويهتفون: (أقعد - أقعد - أقعد - أسكت
- أسكت - أسكت - برة - برة - برة) وكثيراً ما تتعرض للضرب والطرد بوصفك عميلاً للمباحث
أو السلطة ومدسوساً على جماعة الصحفيين أو المحامين .. رغم أن المدسوسين فعلاً يقابلون
بالترحيب والهتاف وحملهم على الأعناق لأنهم يقولون آراء تساير البلطجية والعواطلية..
وفد حدث هذا في أزمة الثلاثي المرح مع الداخلية حين حضر إلى مقر نقابة الصحفيين أطباء
أسنان وبيطريون ومهندسون وراحوا يخطبون مناصرين للثلاثي المرح والبلطجية والعواطلية.
وإنني على يقين
من أن هذه الأزمة (من غير لزمة) من تأليف وإخراج وسيناريو وحوار وألحان وغناء وبطولة
الثلاثي المرح أو ثلاثي مجلس نقابة الصحفيين المرح وحده .. أما باقي أعضاء المجلس فهم
فريقان .. أحدهما تابع للثلاثي المرح غصباً ودخولاً في مزاد الانتخابات والثاني رافض
تماماً لما يجري لكنه غير قادر على السباحة ضد تيار البلطجية والعواطلية.
الحرية الوحيدة
المسموح بها في النقابات المهنية الآن هي حرية البرطعة والتجاوز والبلطجية والحماقة
التي أعيت من يداويها في الماضي وقتلت من يحاول أن يداويها في مصر.. وليس مسموحاً أبداً
بحرية رأي مخالف للبلطجة والحماقة.. الحرية الوحيدة المسموح بها في مصر هي حرية الحماقة
وحرية الجنون والمجانين والمشوهين عقلياً ونفسياً.
والحمقى والمجانين
هم سادة كل المشاهد في مصر الآن وخصوصاً المشهد الإعلامي والصحفي.. مهنة الصحافة والإعلام
لم تعد أبداً مهنة رأي ولكنها صارت مهنة رغي.. لم تعد مهنة رشد ولكنها صارت مهنة غي
.. وفي مصر لا يتبين أبداً لنا الرشد من الغي.. بل إن الرشد أصبح غيا والغي أصبح رشداً..
والإعلام المصري أصبح (مسخرة) .. أصبحنا جميعاً نتوارى خجلاً عندما يسألنا إخواننا
العرب: هل هذا هو إعلام مصر؟ هل هذه هي مصر التي علمتنا؟ .. ليست لدينا إجابة سوى الصمت
والخجل بعد أصبحنا (مسخرة).
كان الناس في الماضي
عندما يتعرضون لظلم أو مهانة يهتفون: (الصحافة فين؟) .. الصحافة خرجت ولم تعد ولن تعود..
الصحافة لوثت مصر بكل أجوائها.. وعندما غزا الصحفيون الفضاء لوثوه.. وعندما دخلوا قرية
التليفزيون أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.
نحن نسأل ونصرخ:
(الصحافة فين؟).. بل نصرخ: (المحاماة فين؟ .. الطب فين؟ .. الهندسة فين؟ الثقافة فين؟
الأدب فين؟ .. نصرخ حتى الموت: مصر فين؟ .. ونسأل الثلاثي المرح ومن والاهم: من الذي
اقتحم نقابة الصحفيين؟ من الذي امتهن قدسيتها وأهدر كرامتها وقيمتها؟ .. أنتم وأمثالكم
عندما جعلتم الصحافة مهنة العواطلية ومن لا عمل لهم .. عندما أصبحت بطاقة عضوية النقابة
لكل من هب ودب .. عندما جعلتم النقابة ملاذاً آمناً للبلطجية والسفلة .. عندما انتهكتم
حرمة المهنة وجعلتم أهلها الحقيقيين قلة .. عندما صار بلطجية الصحافة وشذاذ الآفاق
أغلبية .. وسيكون النقيب منهم وسيكون أعضاء مجلس النقابة منهم قريباً جداً.. بعد أن
صارت أغلبية المجلس منهم الآن.
الأمن يقتحم أوكار
الجريمة وبيوت الانحراف وعلب الليل .. وأنتم أيها الباحثون عن دور في الزمن الأغبر
جعلتم قلعة القيم والمبادئ والفكر وبيت طه حسين، والعقاد، وكامل الشناوي، وفتحي غانم،
ومصطفى وعلي أمين، وهيكل وأنيس منصور، وأحمد رجب، ومكرم محمد أحمد، ومئات من القامات
الشامخة مرتعاً ووكراً للبلشي والقلشي والحنشي وكل الهاموش الذي ملأ مقر النقابة ولم
يعد أي محترم يطيق دخوله (إلا للشديد القوي).. ولم يعد أي محترم يسعده أن يحمل بطاقة
عضوية النقابة .. (الحكاية رخصت قوي) عندما تكتشف أنك زميل بلطجي أو عواطلي أو مجرم
أو أحمق أو مهووس أو (رقاصة) .. وللإنصاف هذه حال كل المهن في مصر .. الأطباء المحترمون
القلة والمحامون الأفذاذ والقامات والمهندسون العظماء وقليل ما هم ليسوا سعداء أبداً
بالانتماء إلى نقابات صارت أوكاراً للسوقة والغوغاء.. والمحترمون في كل مجال بمصر يمتنعون
ويعتزلون لأن التيار أقوى منهم ولأن قماشة هذا الشعب تهرأت (يعني اتهرت) .. ولأن البركة
العفنة الراكدة لا يتكاثر فيها ولا يعيش في عفنها إلا البعوض والهاموش.. ولا سبيل إلا
ردمها منعاً لتلوث الأمة كلها أو حفرها من جديد لتكون نهراً جارياً يروى ولا يلوث.
اسألوا أنفسكم:
من الذي اقتحم المهنة ومقر النقابة؟ من الذي جعل مقر النقابة قابلاً للاقتحام؟ .. أنتم
تبحثون عن أصوات انتخابية بأي ثمن .. وتختارون البلطجية والعواطلية ليكونوا أصواتكم
.. ومن جاء به البلطجية والسفلة والغوغاء إلى موقعه .. لا بد أن يبقى دائماً تحت أمرهم.
وطظ في العمل النقابي
الحقيقي الذي انشئت النقابة من أجله .. ولا بد أن يكون مجلس النقابة عند حسن ظن البلطجية
.. والحقيقة التي لا شك فيها أن الدولة تتعرض كل يوم لاختبار جديد لهيبتها وقوتها وعليها
أن تنجح وتثبت قدرتها في مواجهة البلطجية والسوقة والغوغاء.. وإلا تقول: عليها السلام
.. أما نحن أعضاء الجماعة الصحفية فعلينا أن نهب في وجه البلطجة والغوغائية والحماقة
وإلا سيظل يحكمنا غراب البين .. ونهتف يائسين: «الصحافة فين؟!!!»