يوميات صعيدي بالقاهرة
أكثر ما أكون في القاهرة تكون معي سيارتي فلا أكاد أرى إلا ما أريد من أماكن وأشخاص ، ولكن في المرات التي آتي فيها وحيدا شريدا ، تُريني القاهرة وجهَهَا الآخر في شماتةٍ وتشَفٍّ عجيبين !!
اليوم ركبت المترو
من كوبري القبة حيث أقيم ، أريد جامعة القاهرة ، وقطعت المسافة كلها واقفًا في زحام
شديد ، لكن حدث أن صعدت من محطة رمسيس سيدة في منتصف العمر ، وكان المفعد المخصص لكبار
السن مشغولا بثلاث شابات يجاورهنَّ فتًى صعيديٌّ يرتدي جلباب الصعيد ولكنه ليس معتمًّا
بعِمة ، وقد وضع وسط رجليه بلَّاص عسل عظيمة يعلوها قُمْعٌ وسَطْل ، فأراد أحد ذوي
المروءات أن يقنعه بالوقوف لتجلس تلك السيدة ، فتحيَّر الفتى في لحظات فهو إذا وقف...
كيف سيسند بلاصه تلك التي يسندها بركبتيه ؟ فقال لذي المروءة صائحا : ما راحتش ليه
العربيات المخصصة للحريم ؟ وأنا أقوم لها ليه من دون الناس ؟ وأنت يا أخينا تطلع مين؟
وعاوز إيه ؟ وأمسك بأكمام ذي المروءة وقد انقلبت سحنته [ زيادة عما هي منقلبة !! ]
وتنمَّر ، وجحظتْ عيناه .. فتدارك ذو المروءة أمره وتلطف إليه بضحكة وقبَّله ، أما
أنا فوليت وجهي بعيدا كأنني من بنها .
وفي عودتي ركبت
في تاكسي من جامعة القاهرة إلى مبنى الإذاعة ، ونظرت وأنا أركب للسائق فوجدته شابا
سمح الوجه كوزير الأوقاف ذا سكسوكةٍ تدل على تدين ووقار ، ينبعث من سماعة سيارته صوتٌ
خافتٌ حانٍ لطيف لم أتبينه حال ركوبي وظننت أنه شريط للشيخ طه الفشني ، فتفاءلت : أخيرا
وجدت سائقا عاقلا متدينا وسطيا يحترم تجديد الخطاب !! ،
لكن بمجرد استقراري
وتحرك التاكسي ارتفع الصوت قليلا وإذا هو مُغَنٍّ طروب ، قال لي الشاب إنه فريد الأطرش
وسأل : هل تعرفه ؟ قلت له : أكيد !! ومن لا يعرفه ؟ قال الفتى الحُجَّة : هذه أغنياته
الثلاث الأخيرة في آخر فلْمٍ مثَّله مع مرفت أمين واسمه " نغم في حياتي"
ولم يترك له القدر فرصة لكي يراه ، فحين نزل الفلم دور العرض كان هو في المستشفى يعاني
سكرات الموت
وذكر الفتى أسماء
الأغنيات الثلاث : ماليش غيرك وياحبايبي يا حلوين وأُنسيتُ الثالثة!!
وأضاف الفتى التقي
العلامة : ده كان عمرو دياب يا أستاااااااذْ !! كفاية أنه كان هو بهذه النجومية وعبد
الحليم إذ ذاك حيٌّ يُرزق !!
وظل الفتي يمطرني
بمعلومات مفصَّلة عن فريد الأطرش حتى قلت : ليته سكت !! كل ذلك وفريد يوحوح في المسجل
وكلانا منصرفٌ عنه ، الفتى يحكي ... وأنا سارحٌ أقول لنفسي : جاتك خيبة يا ابن رجب
.. ضيعت عمرك مع الحطيئة ، ورؤبة بن العجاج ، وابن خروف ، ومهيار الديلمي ... جاتها
نيلة اللي عاوزة إنجاب !!