يا أمي.. ليتني أغسلُ بدموع الوفاء قدميكِ
الأم هي ذاك البدر المنير الذي يضيء لنا السماء ونستمد من ضيائه أمل الحياة, فالأم لؤلؤة مصونة تتلألأ يوما بعد يوم وتضيء أعماق البحار, فأنت ثمينة علي يا أمي فمكانك في قلبي وستظلين في قلبي فأنت الوردة التي تتطاير أوراقها كي تعتني بصغارها , فكم مرة ضحيت من أجلي يا مضيئة دنياي.
أمي .. كلمة صادقة قوية نطقت بها جميع الكائنات الحية
طلبا للحنان والدفء والحب .
أمي .. يا ينبوع للعطاء والمحبة والرحمة لا تكلي ولا
تملى بالتكرم على وعلي أخواتي بكل ما أعطاكي الله فكم أنتي قادرةٌ على إعطائي, أمي
.. لا اتخيل الحياة بدون قلب حنونٍ كقلبك ولا يداكى الرقيقتان الدافئتان لتمسحان
عرقكي حين أمرض ولا دمعة سخية تذرف معك في أحزانى مواساة منكى لتخفف أحزاني ولا
عيوناً مليئة بالمحبة والرحمة خوفاً علي من أي مكروه .. أمي.. مهما وصفتك ما قدرت أن
أعطيك من حقك .
أمي .. كلمة تحمل كتلة لا حدود لها من معاني الحب
والحنان والعطف، كلمة لا تعرف حدود الحرمان، لا أمل ولا اكل من تكرارها، بل تزداد
كل يوم ارتقاء وسمو ورفعة وتظل سرا غامضا يكتنز دفء الحياة بأكملها.
تظل الام المرفأ الذي يشتاقه جميع من تستهويه نفسه للبحر
والسفر، وتظل هي مجموعة من مشاعر الخوف والقلق والتوتر الدائم على كل من حولها
تخفي أمورا كثيرة تقلقها، وتؤثر غيرها على كل ما تحتاجه وتتمناه كي تجد سعادة
اسرتها واقع تعيشه لا تبحث عنه
يظل الكلام ناقص مهما اكتمل عن أمي وعن هذه الكلمة التي
لا تفارق شفتاي وحروف اسمها تلازمني قد لا أجد لأجلها فن التعبير لأن ينتهي عندما
نبدأ بوصفها لكننا نجيد لغة الانحناء لتقبيل التي كانت بالنسبة لي "الأرض
المعطاء.
يا أمي.. ليتني أغسلُ بدموع الوفاء قدميكِ، وأحمل في
مهرجان الحياة نعليك.
يا أمي.. ليت
الموت يتخطاكِ إليَّ، وليت البأس إذا قصدكِ يقع عليَّ.
يا أمي .. كيف أردّ الجميل لكِ بعدما جعلتِ بطنكِ لي
وعاء، وثديك لي سقاء، وحضنكِ لي غطاء؟ كيف أقابل إحسانكِ وقد شاب رأسكِ في سبيل
إسعادي، ورقَّ عظمكِ من أجل راحتي، وانحني ظهركِ لأنعم بحياتي؟ كيف أكافئ دموعكِ
الصادقة التي سالت سخيّة على خدّيكِ مرة حزناً عليَّ، ومرة فرحاً بي؛ لأنك تبكين
في سرّائي وضرّائي؟
يا أمي .. أنظر
إلى وجهكِ وكأنه ورقة مصحف وقد كتب فيه الدهر قصة المعاناة من أجلي أنا وأخواتي،
ورواية الجهد والمشقة بسببـي.
يا أمي.. أنا كلي خجل وحياء، إذا نظرت إليك وأنت في سلّم
الشيخوخة. وأنا في عنفوان الشباب، تدبين على الأرض دبيباً وأنا أثبُ وثباً.
يا أمي.. أنتِ
الوحيدة في العالم التي وفت معي يوم خذلني الأصدقاء، وخانني الأوفياء، وغدر بي
الأصفياء، ووقفتِ معي بقلبك الحنون، بدموعكِ الساخنة، بآهاتكِ الحارة، بزفراتكِ
الملتهبة، تضمين، تقبّلين ، تواسين، تعزّين، تسلّين، تشاركين، تدْعين.
يا أمي .. أنظر إليك وكلي رهبة، وأنا أنظر السنوات قد
أضعفت كيانكِ، وهدّت أركانكِ، فأتذكر كم من ضمةٍ لكِ وقبلة ودمعة وزفرة وخطوة
جُدتِ بها لي طائعةً راضيةً لا تطلبين عليها أجراً ولا شكراً، وإنما سخوتِ بها
حبّاً وكرماً، أنظر إليك الآن وأنتِ تودعين الحياة وأنا أستقبلها، وتنهين العمر
وأنا أبتدئه فأقف عاجزاً عن إعادة شبابك الذي سكبتِه في شبابي وإرجاع قوّتكِ التي
صببتِها في قوّتي، أعضائي صُنِعت من لبنكِ، ولحمي نُسج من لحمكِ، وخدّي غُسِل
بدموعكِ، ورأسي نبت بقبلاتكِ، ونجاحي تم بدعائك، أرى جميلك يطوّقني فأجلس أمامك
خادماً صغيراً لا أذكر انتصاراتي ولا تفوقي ولا إبداعي ولا موهبتي عندك؛ لأنها من
بعض عطاياكِ لي، أشعرُ بمكانتي بين الناس، وبمنـزلتي عند الأصدقاء، وبقيمتي لدى
الغير، ولكن إذا جلست عند أقدامكِ فأنا طفلكِ الصغير، وابنكِ المدلّل، فأصبح صفراً
يملأني الخجل ويعتريني الوجل؛ لأنك أم وأنا ابن، ولأنك سيّدة وأنا خادم، ولأنك
مدرسة وأنا تلميذ، ولأنكِ شجرة وأنا ثمرة، ولأنكِ كل شيء في حياتي، فائذني لي
بتقبيل قدميكِ، والفضل لكِ يوم تواضعتِ وسمحتِ لشفتي أن تمسح التراب عن أقدامكِ.
ربِّ اغفر لوالدي وارحمهما كما ربّياني صغيراً....
