الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

أيمن البيلي : القيم التربوية في المدرسة الفرعونية

الإثنين 01/فبراير/2016 - 12:30 ص


بر _ عنخ... هو الاسم الذى عرف به اجدادنا الفراعنة المدرسة ومعناه ( دار الحياة)...وفى المعنى تكمن القيمة والمضمون التى تحمله المدرسة والدور الذى تؤدية فى حياة المجتمع بل ان اهتمام الاجداد بالمدرسة وصل الى حد تسميتها بدار الحياة اى ان التعليم والعلم هما الحياة ...والاكتشافات الاثرية قد اثبت وجود المدارس فى مناطق مختلفة فى انحاء مصرنا القديمة فقد كانت هناك مدرسة حول معبد (الرمسيوم) وأخرى بدير المدينة بجبّانة طيبة( الاقصر) وفى المدينة التى أنشأها أخناتون(منطقة تل العمارنة بمحافظة المنيا عثر الآثاريون على أنقاض مدرسة (دار الحياة) وأنها كانت مكوّنة من بناءيْن واكتشفت مدرسة فى مدينة (أون) عين شمس ومدرسة للطب فى (سايس) ومدرسة فى أبيدوس وفى تل بسطة وغيرها 

القيم التربوية والاخلاقية فى المدرسة الفرعونية
 
___________________________________
باطلالة على ماورد فى البرديات الفرعونية التى عثر عليها الاثاريون وللاسف موجودة فى كثير من متاحف العالم الشهيرة ولايوجد الكثير منها بمصر ...نلاحظ ان الاصل فى انشاء المدرسة هو تعليم الطفل او التلميذ مجموعة القيم الاخلاقية والتربوية التى تعد اساسا لبناء الشخصية السوية جنبا الى جنب مع تعلم الكتابة انظلاقا من فكرة انه لاقيمة لعلم بلا اخلاق بل جعل الفراعنة الاجداد الهين للكتابة والعلم والحكمة (الاله جحوتى والالهة سشات للكتب والمكتبات)
 
ومثل حكماء الفراعنة بحكمتهم واقوالهم عبر ازمنة الحكم الفرعونى المتعاقبة مراجع اساسية لتعليم القيم التربوية فى المدرسة الفرعونية وهناك امثلة كثيرة على ذلك ....... منها نص البردية التى كتبها آنى لابنه والتى مرجعا ثبت تعليمه فى مدارس مصر القديمة
 
لا تكن سليطـًا ولا متطفلا
 
وعندما تكون فى بيت أحد وترى أو تسمع شيئا فالزم الصمت.. ولا تبح به لأحد
ولاتكن ثرثارا .........وكنْ حريصًا فى كلامك لأنّ هلاك الإنسان فى لسانه
لا تتكل على مال غيرك
. إذا ما ترعرعتَ واتخذت لك زوجة ...... فتذكر أمك فهى قد حملتك طويلا وبعد ولادتك كان ثديها طوال ثلاث سنوات فى فمك........ ولم تشمئز من قذارتك.... وبعد دخولك المدرسة بقيتْ ترعاك
لا تأكل فى حين يقف آخر بالقرب منك دون أنْ تمد يدك إليه بالخبز
لا تكن شرهًا فى ملء بطنك
لا تجعل من نفسك رئيسًا على زوجتك فى المنزل..... تعرف عليها وساعدها
لا تجلس حين يقف من هو أكبر منك سنــًا حتى لو كنتَ أرفع منه مقاما
إنْ كنتَ قد تعلمتَ شيئـًا فأين أنتَ من بحور المعرفة
ثم يأتى رد الابن لأبيه
 
(ليتنى كنتُ مثلك حتى أسير على هدى نصائحك.... إنك عالى الهمة..... وكلماتك تريح قلبى وتـُفرحه ويستوعبها عقلى
بالنظر الى تلك النصائح التى كانت تدرس بالمدرسة المصرية القديمة نجدها مجموعة القيم التى غرست غرسا فى الشخصية المصرية من بدء تعرفها على ماحولها لتظل راسخة باقية فى ظل كل التغيرات التاريخية التى حدثت ورغم مرور الكثير والكثير من الشعوب على ارضنا تارة بالحرب والاحتلال وتارة بالسلم والعلاقات الاقتصادية الا انالشخصية المصرية بقيت تحافظ على ما تملكه وتوارثته من اخلاق وسلوكيات حافظت على توازن المجتمع المصرى وعلاقات افراده
 

دور المعلم التربوى فى المدرسة الفرعونية
_________________________

لم يقتصر الامر على مايبدو بالنسبة للمعلم على تعليم الكتابة للتلميذ فى المدرسة المصرية القديمة فهناك بردية كتبها المدرس للتلميذ جاء بها
(لقد بلغنى أنك أهملتَ دراستك وأنك تتسكع فى الطريق. إنّ مثلك مثل المجداف المحطم) ثم نقل المدرس تجربته الشخصية فقال للتلميذ (أنظر إلىّ عندما كنتُ صبيًا مثلك. لقد مكثتُ فى المعبد ثلاثة شهورلا أخرج منه. وعندما خرجتُ تفوقتُ على زملائى فى العلم. فافعل ما قلت لك)
وهناك ايضا (تعاليم إمنوبى لابنه حور ماخو) و تم العثور عليها عام1922
بها نظام (حصة المُطالعة) والتمرين فى المدارس. وتدور حول عمل الخير. وقواعد السلوك المستقيم وأدب الحديث وحسن المعاملة. والحض على الفضيلة وتمجيد التواضع والنهى عن الاندفاع وحدة الغضب. وترسم دستورًا عمليًا للحياة، فشرحتْ واجب الموظف وحثه على العدل وأنْ يكون أمينـًا فى عمله مخلصًا له. متسامحـًا، بعيدًا عن الغش والتدليس

قيمة المدرسة كمركز اساسى للتعلم والمعرفة
 
__________________________________
 
ومن المواد المقررة أيضًا تعاليم (خيتى دواوف) لابنه بيبى وانتشرتْ فى مدارس الأسرة19 (1300ق.م) وهما عبارة عن برديتن محفوظتين بالمتحف البريطانى
وفيها قال لابنه
(لا شىء يعلو على الكتب. الإنسان الذى يسير وراء غيره لا يُصيب نجاحًا.
ليتنى أجعلك تحب الكتب
لا توجد مهنة من غير رئيس لها إلا مهنة الكاتب. هو رئيس نفسه
 
إنّ يومًا تقضيه فى المدرسة يعود عليك بالنفع
لا تجعل الكلمات النابية تخرج من فمك
إقنع بطعامك وإنْ لم يكف لاشباع بطنك
فقاوم ذلك الشعوروما أنصحك به ضعه أمامك وأمام أولادك

الحكام والتربية
_________________
إمنمحات الأول الملك المعلم
 
ماتركه هذا الملك العظيم فى هذا المجال عبارة عن نصائح لابنه سنوسرت مكتوبة ومعظم نسخ هذه التعليمات كتبها تلاميذ المدارس فى الأسرة( 19) قال فيها
(أنصت لما أقوله لك حتى تحسن حكم البلاد. وتحقق الخير.)
( إحذر مرؤوسيك. لقد زرعتُ القمح وأحببت (نبر) إله الغلال فلم يشعر أحد بالجوع فى عهدى)

ادوات التلاميذ .....واهتمام المعلم به
___________________________
وذكرالمؤرخ المصرى سليم حسن.....(( أنّ المدرسة تعنى (بيت الحياة) وكان يتعلم فيها التلاميذ الكتابة والأدب القديم. واستعملوا لكتابة تمارينهم قطعًا من الخزف وشظيات الحجر الجيرى بدلا من البردى. وفى حالة الكتابة على البردى وُجدت بردية بها أخطاء من التلميذ وتصحيح من مدرسه على هامش البردية ((ومما سبق نعلم أنّ المصرى كان يهتم بإعداد التلميذ إتقان الإملاء ولإعطائه نظرة عامة بكل ما يحيط به. وأعظم من كل ذلك عناية الأستاذ بتعليم تلميذه الأسلوب الصحيح والتعابير المختارة لكتابة الرسائل))

التعليم اليومى للقيم بالمدرسة
 
______________________
 
وكانت تعاليم الحكماء بمثابة كتب المطالعة. وتم العثور على لوحة محفوظة بمتحف (تورين) من الخشب وكان التلاميذ يتعلمون منها
اإحذر أنْ تسلب فقيرًا. أو تكون شجاعًا أمام رجل مهيض الجناح
ولا تمد يدك لتمس إنسانـًا بسوء. كنْ متلطفـًا مع الضعيف والمسن
كنْ رحيمًا مع المذنب الذى تنتابه المصائب
فكر قبل الكلام
لا تسخر من الكبير فى العمر
لا تشتبك فى جدال مع الأحمق
راقب من يكون ظالمًا للضعيف
لا تعتدى على حرث آخر
إنّ الثروة لو أتتْ عن طريق السرقة فإنها لا تمكث معك سواد الليل
إحفظ لسانك من الألفاظ الشائنة
لا تفصل قلبك عن لسانك
لا تتلاعب بالميزان
لا تقبل هدية من رجل قوى فتظلم الضغيف من أجله
لا تسخر من أعمى ولا تهزأ من قزم
لا تمنع إنسانـًا من عبور النهر عندما يكون فى قاربك مكان
كنْ محبًا لأمك وكنْ عطوفـًا عليها لأنّ الإله يغضب إنْ لم تمنحها الحب
ولاعجب حين نقرأ ماكتبه المؤرخ اليونانى هيرودوت الذى زار مصر وعاش فيها عن سلوك الشباب المصريين فكتب ((حين يلقى الشبان كبار السن يفسحون لهم الطريق ويقفون جانبًا وحين يقترب منهم المسنون يقومون عن مقاعدهم))
 
ان غياب دور المدرسة التربوى والتعليم عبر سنوات طويلة مضت وتم هذا التغييب عمدا قد انعكس سلبا على مجتمعنا ...فاندثرت الاخلاق وانعدمت القيم فوجد الفساد طريقه ممهدا فى عقل وجسد المجتمع المصرى