نور!
تخلصت اليوم منك وللابد! تخلصت من القيود التي كبلت قلبي وروحي وأعماق نفسي بسلاسل من الظلام والالم والأحزن. فكنت مغمي الأعين لا أفكر إلا بك، يومك كان يومي، أجلس على جمر من النار حتى اسعدك وأرى بياض وجهك والذي كان يخفي سواد مثل ظلمة القبر في الليلة العتماء. عدت اليوم مستلقيا على سريري منهكا أنظر إلي كل ما مررت به من معاناة الجرح والضيق، معاناة من فقد عزيزأ ولن يراه مرة أخرى، أضحك ضحكة السخرية التي يرسمها وجه تعلو عليه علامات الإستغراب والدهشة. فكيف كنت هذا الشخص المستسلم لك، ذلك الشخص الذى لا يرى وجهك القبيح والذي يستتر تحت معالمك الخداعة وصوتك الناعم الذي يشبه فحيح الافاعي. اليوم شفيت منك وعدت إلى روحي التي كانت سجينة في قبو حبك الزائف وسأعود إلى نفسي المطمئنة لا ريب، وها أنا الأن أكتب من جديد وأقولها لن أموت! وأقصد هنا ليس الموت بمعناه الحقيقي فالموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالى ولكن لن أموت كما تخيلتي أنتي! هكذا تقول لنفسك اذا واجهتك علاقة من نوع خاص، علاقة غير مريحة، تستنذف طاقتك طوال الوقت وتضعك تحت ضغوط لا تتهي، وأتكلم على النهايات خاصة وليست البدايات، فالبدايات دائما ما تكون حالمة.
أصدقائي الأعزاء يعد التخلص من الالام المصاحبة لأي علاقة سامة سواء كانت هذه العلاقة مع صديق أو حبيب من أصعب المشاعر على النفس. فما هي العلاقة السامة؟ دعونا نتعلم كيفية إكتشاف علامات العلاقة السامة حتى تتمكن من البدء في إنشاء علاقات صحية بدلًا من ذلك. الأشخاص، وخاصة أولئك الأقرب إليك، لهم تأثير عميق على سعادتك ورفاهيتك. سنواجهه جميعًا صعودًا وهبوطًا في العيش مع أشخاص غير كاملين في محبتهم وإخلاصهم ووفائهم، ولكن في النهاية، يجب أن تكون علاقاتنا مصدرًا للفرح، وليس الإحباط. يستحق كل إنسان على هذا الكوكب أن يتمتع بعلاقات غنية بالحب ومجزية للنفس وآمنة على الروح، وكل إنسان يتحمل مسؤولية المشاركة في إنشاء تلك العلاقات.
العلاقة السامة هي تلك التي لها معالم غير صحية وتسبب لك دائما الضيق والأذى بسبب عدم دعمك أو التلاعب بك وبمشاعرك أو عدم احترامك كإنسان له قلب. هي العلاقة المبنية على الأنانية، فإن الشخص السام حقًا سوف يأخذ ويأخذ ويأخذ ولا يعطيك شيئًا في المقابل، إنه مثل التعرض للعض من قبل مصاص دماء واستنزاف دمك وطاقتك وسعادتك واستقلاليتك بل وروحك المطمئنة. تجد نفسك تخدم أحدًا على حساب مشاعرك واحتياجاتك وفرحك وسعادتك وعلاقتك بالاخرين. لا تفهموني خطأ، الخدمة والتضحية جزء من أي علاقة جيدة صحية وسليمة. وكذلك التحديات والخلافات والتسامح والإنزعاج، لكن العلاقة الصحية تعطي الحياة بشكل متبادل. تنحسر التحديات والتضحيات وتتدفق نحو الإتصال والحب. وبالمناسبة، يتحدث معظم الناس عن العلاقات السامة في سياق الرومانسية، ولكن الحقيقة هي أن أي علاقة يمكن أن تصبح سامة، بما في ذلك العلاقات مع زملاء العمل والأصهار والآباء والأشقاء والأصدقاء. قبل أن نمضي قدمًا، أحتاج إلى مشاركة تحذير مهم: لا تخلط بين العلاقة السامة والمسيئة. إن إساءة الإستخدام هي شكل متطرف من أشكال العلاقات السامة، ولا ينبغي لأي شخص أن يتحملها لأي سبب ولأي فترة من الوقت، كأن يستغلك ذلك الشخص السام لتحقيق رغباته لفترة من الزمن ثم بعد انقضاء حوائجه يتركك معلقا متعلقا به ويقول لك أنا أسف لا يمكن أن تجمعنا الظروف، لا يمكن أن نكون أحباب أو حتى أصدقاء، يقولها بمنتهى الدم البارد بل ويمكن أن يلوم عليك ويقول لك أنه أخبرك من قبل. فهو إستغلال واضح للمشاعر قد لا تراه في وقته لانك تكون منساق وراء قلبك الذي ينبض بحب هذا الشخص.
إذًا، كيف نميز بين التحديات الطبيعية لأي علاقة وتلك السامة حقًا؟ فيما يلي بعض العلامات الشائعة للعلاقات السامة التي يجب الانتباه إليها حيث يتطلب الأمر الحكمة لتمييز عمق كل علاقة واختلافاتها. يعتبر عدم الشعور بالامان هو أول وأهم علامات العلاقات السامة وأنا أتحدث هنا عن الشعور بالأمان العاطفي. في العلاقة الغير صحية تشعر دائما أنك فقدت نفسك، فقدت روحك "عايش مش مطمن". فيبدأ الشخص السام بالتوسل والاقتراب منك بحجة الحب أو الصداقة وما أن يتملك منك وتتعود أنت عليه، يبدأ في التهديد بتركك بأي عذر ليضعك دائما في منطقة عدم الامان ويبدأ يستنزف نفسك. يميل الأشخاص السميون إلى السيطرة على الأشخاص والتلاعب بهم وتشكيلهم ليناسبوا أجنداتهم الخاصة، خططهم ومصالحهم تهيمن على العلاقة. غالبًا ما تجد نفسك تفعل أشياء لا ترغب في القيام بها فقط لإرضائهم، مثل انتهاك قيمك ومبادئك الأساسية التي تجعلك دائما تشعر بعدم الراحة النفسية "تكون طوال الوقت غير مرتاح لا تأكل ولا تشرب ولا تنام في هدوء" فهولاء الأشخاص دائما ما يطلقون إنذارات القلق لديك حتى يمكنهم السيطرة الكاملة عليك وأنتهاك مشاعرك. ملاحظة سريعة: غالبًا ما يكون من الصعب رؤية ذلك بنفسك. امنح أصدقائك أو أحبائك الموثوقين الإذن بالتحدث عن حياتك عندما يرونك تختفي في حياة شخص آخر. غالبًا ما يتمكن الأشخاص الأقرب إلينا من رؤية الأشياء التي لا نستطيع رؤيتها. في العلاقة السامة تجد الأنانية وليس الايثار هي القاعدة، لدينا جميعًا أشياء غريبة عنا تجعل الحياة ممتعة ومليئة بالتحديات. إن دم الحياة في العلاقة هو الإيثار، وليست الإنانية، في أغلب الأحيان يكون الشخص السام أيضا خائن، فتجده يخونك مع شخص أخر لانه شخص غير سوي أو مريض يحاول اثبات ذاته على جثث الاخرين.
أيضا تشعر بالتقليل والخجل، هل هذا الشخص يجعلك تشعر بأنك أقل منه أو غير مناسب له بحجة الظروف؟ فأين كانت هذه الظروف في البداية وأنت تتوسل وتتقرب؟ الشخص السام يجعلك تشعر بالغباء أو الجنون، هذه كلها علامات على عدم النضج العاطفي، ومؤشرات واضحة على أنها علاقة سامة. يحتاج الأشخاص غير الناضجين عاطفيًا إلى دعم أنفسهم على كومة من أخطائك وإخفاقاتك وعيوبك. عندما لا يتمكنون من العثور على شيء سيء للإشارة إليه، فإنهم يميلون إلى اختراع شيء ما أو فرك أنفك بشيء من ظروفك الخاصة أو ظروف المجتمع أو أي حجة او عذر. والكثير من العلامات الاخرى من عدم التعاطف خاصة وقت الشدة والضعف، في وقت ضعفك أو مرضك أو شدتك لا تجد ذلك الشخص يقف بجانبك ويسندك بل على العكس يتفنن في كيفية تركك لوحدك في أصعب الأوقات، فتكون الصدمة ليس فقط صدمة الفراق ولكن أيضا احساس التخلي في وقت تحتاج فيه إلى من يساعدك. فتشعر دائما أنك مسيطر عليك ويتم التلاعب بك وبمشاعرك.
الان ماذا تفعل إذا كنت في علاقة سامة؟ من المغري أن تقوم بتحليل سلوكيات الآخرين، خاصة عندما يؤذيك شخص ما بشكل كبير. لكن هذا مضيعة كاملة لوقتك وطاقتك العاطفية. توقف عن محاولة اكتشافها وركز بدلًا من ذلك على مستقبلك. هناك شيئان فقط يمكنك التحكم فيهما: أفكارك وأفعالك. لذا، اخرج من رأس هذا الشخص واخرجه من رأسك واقضِ المزيد من الوقت في عقلك. السلوك لغة، إذا كنت على علاقة مع شخص يؤذيك أو يضرك بشكل متكرر، فهو يقول كل ما تحتاج إلى معرفته، حتى لو لم يستخدم الكلمات. اقرأ ذلك مرة أخرى. إذا كنت تمر بمرحلة انتقالية كبيرة، أو تعاني من خسارة أو مرض، فقد تحتاج فقط إلى الصمود ومنح بعض النعمة الإضافية. تذكر أنه كلما كشفت عن مشاعرك وألمك ومخاوفك في وقت مبكر، كلما أمكن شفاء الأمور بشكل أسرع. فاكتشاف العلاقة السامة سريعا" يساعدك على الشفاء سريعا". ارسم صورة لنوع العلاقة التي تريدها، قد تكون معتادًا على التسمم لدرجة أنك لا تعرف حتى كيف تبدو العلاقة الصحية. امنح نفسك الإذن بالحلم بالطريقة التي تريد أن تعامل بها بالفعل. إن العلاقة الصحية والداعمة لا تنجح إلا إذا استيقظت كل يوم وأنت تفكر: كيف يمكنني أن أجعل يوم شريكي أفضل؟ (وإذا كانوا يفكرون بنفس الطريقة عنك!) فالأمر لا يتعلق بتقسيم الجهد والحب والنية بنسبة 50/50، بل هو إعطاء 100% في كل اتجاه. الجميع يفوز عندما تفكر في وضع احتياجات بعضهم البعض أمام احتياجاتك الخاصة. إذا كانت علاقتك سامة تمامًا، فقد يكون الوقت قد حان لإنهائها، إذا كنت تنتظر فقط، على أمل أن يتغيروا يومًا ما، فقد حان الوقت لقتل الخيال والمضي قدمًا.
أيها الأصدقاء الأعزاء، العلاقات فوضوية. لكنك في حاجة إليها من أجل حياة صحية كاملة. لا تهرب وتقطع كل علاقاتك إلى الأبد. نعم، العلاقات محفوفة بالمخاطر. نعم، سوف يؤذيك الناس (وسوف تؤذيهم أيضًا). ولكن العلاقة الجيدة هي القوة التي تعطي الحياة للجميع، نحن بحاجة لبعضنا البعض. لا تتخلى عن الناس أو عن نفسك. كل إنسان سوي يملئ قلبه النور، النور بداخلنا جميعا". النور يأتي في علاقتك مع ربك، في مناجاة معه تشرح وتبكي له وتطلب منه القوة والمدد. النور قد يأتي في صورة شخص آخر يرزقك به الله يحاول أن ينتشلك من تلك العلاقة ويساعدك في محنتك ووقت ضعفك. لكن من المؤكد أن النور بداخلك أنت! أنت من تستحق أن تحظى بعلاقات صحية تطمئن روحك وتهدئ من روعك وتعيد إليك نفسكك. لا تنس أبدًا: أنت تمتلك القوة. الأمر متروك لك، وليس لشريكك. إنها وظيفتك أن تقول لا، وتعيش في توافق مع قيمك وتبحث عن النور بداخلكك. النور الذي يعيد لك توازنك الداخلي، النور الذي يملئ ذاتك. ابحث دائما عن النور.
*كاتب المقال
أ.د./هيثم زكي
أستاذ جامعي ومهتم بالقضايا المجتمعية