الهند على سطحِ القمر
أربع سنوات؟!
"الهند على سطحِ القمر: نجاحُ المَركبةِ الفضائيةِ ينقلُ الأمةَ إلى الفصلِ الفضائي التالي"، عنوانُ صحيفةُ The New York Times. المركبةُ الفضائيةُ Chandrayaan-3 تشاندرايان-3 جعَلَت الهند أولَ دولةٍ تَصلُ إلى المنطقةِ القُطبيةِ الجنوبيةِ القمريةِ وأضافَت إلى اِنجازاتِ برنامجِ الفضاءِ المَحَلي. يوم الأربعاء ٢٣ أغسطس هبطَ من مركبةِ الفضاءِ الهنديةِ زائران، إثنان من الروبوتات، روبوت الهبوط فيكرام Vikram وروبوت سَيار (جَوال) يُدعى براجيان Pragyan. أصبَحَت الهند بهذه المَهَمةِ أولَ دولةٍ تصلُ إلى هذا الجزءِ من سَطحِ القمرِ ورابعَ دولةٍ على الإطلاقِ تَهبطُ على سطحِه بعد أمريكا وروسيا والصين.
ضَجَت الهند بالهتافِ والصياحِ فخرًا لما أعلَنَ رئيسُ مُنظمةِ أبحاثِ الفضاءِ الهنديةِ في السادسةِ مساءً بالتوقيت المحلي "الهند على سطحِ القمرِ، لقد حقَقنا هبوطًا ناعمًا على سَطحِه". يَفخرُ الشعبُ الهندي بإنجازات برنامجِ الفضاءِ في البلادِ لنجاحِه في الدورانِ حَولَ القمرِ والمريخ وإطلاقِه بشكلٍ روتيني أقمارٍ صناعيةٍ بمواردٍ ماليةٍ أقلِ بكثٍير من الدولِ الأخرى التي ترتادُ الفضاءِ.
تزامَنَ هبوطُ شاندرايان-3 مع رحلةِ Narendra Modi نارِندرا مودي (٧٣ عامًا) رئيسِ وزراءِ الهند إلى جنوبِ أفريقيا لعقدِ اجتماعاتِ مجموعةِ BRICS بريكس. قال السيد مودي وهو بزيِه الوطني "يَعكسُ اِنجازُ شاندرايان-3 تطلُعاتِ وقدراتِ 1.4 مليار هندي وأن الحَدَثَ لحظةٌ للهند الجديدةِ والناميةِ".
ليست الهندُ من أغنياءِ العالمِ، لكنها دولةٌ ناميةٌ مسموعةُ الكلمةِ لعراقةِ نظامِها السياسي ولاِكتفائها الذاتي زراعيًا، ولنجاحِها صناعيًا، ولإنجازاتِها علميًا، دون ضجةٍ واِحتفالياتٍ مُسبقَةٍ. ما يثيرُ التقديرَ إعتزازُ الهندِ بثقافتِها وفنونِها، لم تتهافتْ على الغربِ ولم تُقَلِده، بل سارَت في طريقِ النجاحِ بالقدراتِ الذاتيةِ وبالمواردِ المَحَليةِ المُرَشَدةِ.
الدراسة 4 سنوات بكليات الهندسة
أثارَت المَهَمةُ شاندرايان-3 أسىً وشجونًا وأسفًا لدى العاملين بالتعليمِ الهندسي والمُهتمين به ولنقابةِ المُهندسين بعدما خُفِضَت لأربعِ سنواتٍ الدراسةُ بكلياتِ الهندسةِ مع ما يستتبعُ ذلك من تقليلِ الساعاتِ المُخصصةِ لموادٍ وإلغاءِ موادٍ أخرى ليست بالضرورةِ في السنواتِ الأولى؛ وحجة إضافةِ الفصلِ الدراسي الصيفي لا تمنعُ الضررَ لقِصَرِه مقارنةً بفصلي الخريفِ والشتاءِ. ما الدافعُ إذن؟ تقليدُ الغربِ المُختلفِ تمامًا في تعليمِه ما قبل الجامعي والجامعي؟ أهو تخفيضٌ لنفقاتِ التعليمِ الحكومي؟ أهو لتقليصِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ؟ أم هو تقليلٌ لنفقاتِ الدراسةِ بالجامعاتِ الأهليةِ فيزيدُ الإقبالُ عليها؟ وكيف ينخفضُ الحد الأدنى لكلياتِ الهندسةِ بالجامعاتِ الأهليةِ ل٦٥٪؟ وماذا عن عشراتِ المعاهدِ المُسماةِ هندسيةٍ؟ أهكذا تكونُ مراعاةُ الصالحِ العامِ في مهنةِ التكنولوجيا والبناءِ والتعميرِ؟؟ هل تطويرُ التعليمِ يكونُ بالقصِ واللصقِ كلَ فترةٍ لإثباتِ الوجودِ؟! وهل يكون بالتعالي؟؟ أهو بقراراتٍ جدليةٍ بدلًا من توفيرِ امكاناتٍ حقيقيةٍ للكلياتِ؟؟ لماذا يتحكمُ أشخاصٌ بعينِهم ودوائرُهم لعقودٍ في ما يُسمى تطويرٌ؟؟ ولما اِحتكارُ المفهوميةِ في وجودِ المئاتِ من عباقرةِ الهندسةِ؟؟ عشراتُ الأسئلةِ بلا إجاباتٍ وقراراتٌ لا يُعرَفُ كيف تُتَخذُ ولماذا.
صاغَت الهند بعصاميةِ الكادحين تجرُبةَ نجاحٍ مُلهِمةٍ، لم تنعزلْ لكنها لم تتنكرْ لحضارتِها وثقافتِها وخصوصيتِها، لذلك نجَحَت بطريقتِها وبقَدرِ اِمكاناتِها وبتعدادِها البالغِ 1.4مليار إنسان.
ليسَ بغريبٍ أن تُفاجئ جنوب أفريقيا العالمَ كما فاجأته الهند.
اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،
كاتب / المقال
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي
أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس