مئوية نظير جيد... وطنى ويستحق !
فى الثالث من أغسطس مثل هذا الشهر لكنه منذ مائة عام 1923 ولد نظير جيد ابن قرية "سلام" الذى أخذت حظا وافرا من اسمها، وأرضعته سيدات القرية لأنه كان يتيم الأم بعد ميلاده بقليل، وتربى فى صعيد مصر - هذا الطفل- وعندما صار شابا يافعا انتقل للقاهرة ليتعلم بجامعة فؤاد.
أكتب عن مثقف وطنى من طراز متميز، أقدمه كنموذج نحتاج إلى التعرف على ابداعاته وأفكاره الوطنية، فقد كان نظير شاعرا مفوها فهو من نظم نحو 600 بيت شعرى، وجُمعت بعد وفاته فى ديوان "البابا" قرابة 36 قصيدة أولها كتبها فى عام1939 وآخرها فى عام 2009 ومن تلك القصائد "ترنيمة أبواب الجحيم – 1946" كم قسا الظلم عليك... كم سعى الموت إليك... كم صدمت باضطهادات... وتعذيب وضنك... كم جرحت كيسوع... بمسامير وشوك... عذبوك وبنيك... طردوك ونفوك... عجبا كيف صمدت...ضد كفران وشرك.
وغيرها مثل "ترنيمة ذلك الثوب – 1946" هوذا الثوب خذيه... إن قلبى ليس فيه... أنا لا أملك هذا الثوب... بل لا أدعيه... هو من مالك أنت...لك أن تسترجعيه... فانزعى الثوب إذا... شئت وإن شئت اتركيه... إنما قلبى لقد... أقسمت ألا تدخليه... أنا لا أملك قلبى... وكذا لن تملكيه... إنه ملك لربى.
وترنيمات أخرى مثل "هذه الكرمة – 1948"، "أنت لم تنصت- 1949"،"سائح أنا فى البيداء وحدى 1954"، "قلبى الخفاق(همسة حب)1961"، وكان مقبلا أيضا على الكتابة النثرية، وعُيّن رئيسا للتحرير في مجلة مدارس الآحد وكتب مقالاته الفلسفية فى الصحف القومية أسبوعيا والتى كنت – شخصيا – من الملتزمين بقراءتها بصفة دائمة.
التحق بجامعة فؤاد الأول، في قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ المصرى القديم، والإسلامى، والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير ممتاز عام 1947 وفى السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركية، وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليركية، عمل مدرسًا للتاريخ، وكان يتابع دراساته العليا في علم الآثار القديمة، وحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطى، وكان تلميذًا واستاذاُ في نفس الكلية في نفس الوقت، وخدم وطنه كضباط إحتياط برتبة ملازم بالجيش.
ومن مأثوراته التى تنم عن عمق الثقافة الوطنية:"كل فضيلة خالية من الحب لا تحسب على الاطلاق فضيلة"، "ان كنت لا تستطيع أن تحمل عن الناس متاعبهم فعلى الأقل لا تكن سببا فى اتعابهم"، "الجسد حتما سينتهى ليته ينتهى من آجل عمل صالح" أما أهم ما قاله البابا شنوده على الإطلاق كان: "مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا" حبا وإيمانا بدوره تجاه وطنه الذى تعمق فيه حتى قال:" اذا تدخلت امريكا لحماية أقباط مصر فليمت الأقباط ولتحيا مصر"، أليس لهذا الرجل حقا علينا فى نشر أفكاره الوطنية وزرعها فى نفوس النشء، ما أحوجنا الآن لأفكار الوطنيين من المخلصين من أبناء الوطن لتحصين الوعى الجمعى وتأصيل الفكر الوطنى بقيم المواطنة وقبول الآخر والعمل من أجل القادم من الأجيال والتضحية بالروح والنفس والدم والفكر والوقت والجهد والعرق من أجل مصرنا فى هذه المرحلة الفاصلة من تاريخنا، وكما كانت هناك السلبيات العديدة مع بداية العقد الفائت ومنها سعى الآخر وربما الآخرون – وهم كُثر- لهدم النسق القيمى والإطاحة بالنموذج الوطنى، وكان فى مساعى رأس الدولة مواجهة بليغة لحرب المستهدف فيها هدم النموذج وتهميش القدوة، فقد أطلق أسماء من زعماء وعلماء مصر وفرسانها، ومفكريها، وأدبائها، وفنانيها، وغيرهم من المصريين والمصريات على حد سواء، على حاملات المروحيات والفرقاطات والقواعد العسكرية والمصانع والمدارس والجامعات والمشروعات التنموية الكبرى والطرق الرئيسية والمحاور الكبرى والمحطات وغيرها وهذا تقليد أصيل بالقوات المسلحة التى تغرسه فى نفوس خريجيها من الفرسان الجدد فلكل دفعة من دفعات الكليات والمعاهد العسكرية هى تحمل اسما لقائد أدى ما عليه من الواجب، أو اسم شهيد قدم روحه فداء لوطنه أرضًا وشعبًا، وقدم رئيس الجمهورية الجديدة المثل والقدوة فى الانتصار للنماذج الوطنية والقدوة التى يجب أن ننتصر لهم – نحن أيضا – فى هذا المسعى وما علينا الا ان نبدأ فى استعادة القيم الوطنية لابنائنا وللأجيال القادمة من خلال رد الجميل لهؤلاء الذين قدموا للوطن ومنهم البابا شنودة الذى أجد أنه بعضا من حقه – علينا – هو البدء مع الإحتفال بمئوية ميلاده بجهل منزله موقع ينشر ثقافة المواطنة، ومركزا فكريا يشرق بقيم الولاء والإنتماء، ومتحفا يضم مقتنياته وتاريخه الوطنى، وليس هناك أهم من موضع مسقط رأسه بقرية "سلام" التى أرضعته الفضليات المصريات المسيحيات والمسلمات وهو المولود اليتيم، وتكفى تلك الحالة التى جسدت أعظم معانى المواطنة، وأثمرت أهم رمز دينى مسيحى مصرى فى العصر الحديث، الذى تربى على أيدى المصريات صانعات ابطال الوطن.