فقاعة القبول بالتعليم العالي الخاص
- فقاعة القبول بالتعليم العالي الخاص
للوهلة الأولى يعتقد الكثيرون أن هناك إقبال كثيف وأزمة أماكن فى الجامعات الخاصة من كثرة التساؤلات والاستفسارات والطلبات والتظلمات حولها في هذه الأيام.
هذا الاعتقاد قفز بالبعض أيضا إلى استنتاج أن المصريين قادرين على تحمل نفقات تعليم أبنائهم في تلك الجامعات..لكن الحقيقة غير ذلك لأنه مع كل هذا الصخب حول ذلك النمط من التعليم لم تتحرك شريحة الـ٧% القادرة على تحمل نفقات تعليمها من ٢٠١٣ حتى الآن مع افتتاح كل هذا العدد من تلك الجامعات، بل تواجه بعضها خطر الإفلاس وانهيار استثماراتها للعام الثاني على التوالى نتيجة ضعف نسب القبول وانصراف جانب من الشريحة القادرة للالتحاق بالجامعات الأهلية الجديدة بالمحافظات.
بحكم خبرة السنوات والمتابعة أقول بثقة أنه مع نهاية موسم القبول سنكتشف أن كل هذا الصخب حول القبول بالجامعات الخاصة والأهلية مجرد فقاعة هوائية نتجت عن قلق وتوتر بعض الطلاب وأولياء الأمور الذين سارعوا بدفع مقدمات الحجز في أكثر من جامعة وأكثر من نظام وشجعتهم على ذلك ممارسات فاسدة وخاطئة وثغرات في نظم القبول بتلك الأنماط التعليمية،هذه الفقاعة ستختفى مع اقتراب بداية العام الدراسي عندما نجد أنفسنا أمام جامعات تطالب بخفض الحد الأدنى لبعض القطاعات لوجود نسب كبيرة من الأماكن الشاغرة بكلياتها تهددبعدم القدرة على مواصلة تشغيلها.
لغة الأرقام الرسمية والموثقة لدى تقول أن ما يقرب من ٣٧ ألف طالب هم إجمالي المقبولين الجدد هذا العام حتى الآن في الجامعات الخاصة ومعها الجامعات الأهلية الأربعة الجلالة وسلمان والمنصورة الجديدة والعلمين بما يمثل حوالى ٤٥ % من الطاقة الاستيعابية المقرر قبولها بمختلف الجامعات الخاصة والجامعات الأربعة المملوكة للدولة بمصروفات، حتى مع أمل انتظار فاقدى فرص الالتحاق بالجامعات الأهلية الإقليمية، وحوالى 4آلاف طالب من الحاصلين على الشهادات الأجنبية لم يحسموا موقفهم حتى الآن انتظارا لما سيسفر عنه تنسيق الجامعات الحكومية، وإعادة فتح القبول بالجامعات الخاصة أمامهم لن تزيد النسبة عن 50% من الطاقة الاستيعابية لتلك الجامعات في أحسن الأحوال.
هذا الوضع قد لا تعاني منه الجامعات الأهلية الجديدة التى اعتبرتها الشريحة الراغبة في التعليم الخاص متنفس للقضاء على اغتراب أبنائها وكسراحتكار بعض الجامعات الخاصة في بعض التخصصات والقضاء على مغالاتها في الرسوم الدراسية لكنه قد يمتد إليها بصورة ما أيضا .
مع أول ظهور لتلك الجامعات تقدم للالتحاق بها عدد يقترب من نصف المتقدمين للجامعات الخاصة مجتمعة وأعلنت وزارة التعليم العالى رسميا تنسيق ١٤ ألفا من المتقدمين.. أقول أعلنت وليس قبلت لأن كل المؤشرات تشير بوضوح إلى أنه ستكون هناك مرحلة قبول ثانية لأن جانبا كبيرا أتوقع أن لا يقل عن ثلث العدد المقبول سيتخلف عن استكمال إجراءات القيد لعدم القدرة على سداد المصروفات،أو لأنه سيفاضل بينها وبين الجامعات الخاصة أو جامعات السودان ورومانيا وروسيا حتى اللحظة الأخيرة،ستقول لى لماذا تقدموا للقبول بها إذا كانوا لن يلتحقوا بها..الرد ببساطة لأن جانبا لا بأس به من الطلاب المرشحين لتلك الجامعات إما من المتفوقين غير القادرين على سداد مصروفاتها، وينتظرون على أحر من الجمر برنامج المنح الكلية والجزئية أو ينتظرون معجزة تمكنهم من سداد المصروفات،أوهم من هؤلاء الذين تم ترشيحهم لكليات لم تكن في صدارة رغباتهم،أو هم من الفئة التى استقرت على القبول بجامعة حكومية أو خاصة ولكنهم استغلوا مجانية التسجيل الإلكتروني في التنسيق وسجلوا لخوض التجربة على طريقة أبوبلاش كتر منه وهو نمط اجتماعي انتشر في الآونة الأخيرة في مختلف مناحى الحياة المصرية .
أهم ما نستنجه حول تلك الجامعات أن الطاقة الاستيعابية لها لن تتجاوز رقم 14 ألفا الذين تم قبولهم بالمرحلة الأولى وهو رقم يمثل الطاقة الاستيعابية فى تلك الجامعات للتخصصات التى يقبل عليها الطلاب الملتحقين بالتعليم الخاص " طبى وهندسى وحاسبات "، كل ما سيحدث أنه حال إجراء تنسيق إلكتروني ثاني لتلك الجامعات الأهلية ستتاح الفرصة أمام من استنفدوا رغباتهم فى المرة الأولى وأصحاب المجاميع الأقل الواقعين فى إطار الحدود الدنيا المعلنة للتقدم سابقا، لكن عواقب المرحلة الثانية أنها ستعطى انطباعا سيئا وغير حقيقي عن تلك الجامعات، لأن ما لن يفهمه الكثيرون أن إعادة طرح الأماكن يعني بالضرورة شغلها بأصحاب مجاميع أقل من الحدود المعلنة لتلك الجامعات قبل أيام والتى توقفت عندحدود دنيا لاتبتعد كثيرا عن حدودا المقبولين فى الجامعات الحكومية على سبيل المثال منها 87.8% للطب وقريب من ذلك للأسنان، و86.8% للعلاج الطبيعى و76% للإعلام.
النزول عن تلك الحدود الدنيا فى المرحلة الثانية سيكون وضع طبيعى يفرضه نظام التنسيق التنافسي، فضلا عن أنه في أسوء الأحوال لن يتم قبول طالب بأقل من الحد الأدنى للتقدم المعلن منذ البداية لكل تخصص، ومع كل هذا سيكون هناك انطباع مجتمعي سيىء نتيجة عدم فهم طبيعة عمل التنسيق ينعكس على سمعة الجامعات والبديل للنزول هو عدم إتاحة مرحلة ثانية والبدء بنسب إشغال غير كبيرة.
خلاصة القول من كل هذا علينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح وعدم الانجرار وراء قضايا فرعية والتركيز على قضايا جودة التعليم العالى ودعم مشروعات تطوير منظومة الجامعات التي تستقبل 71% من أبنائنا والسعي للحفاظ على ذلك التوازن، والأهم الالتفات أكثر ناحية منظومة المعاهد الخاصة التي تضم 15% من نسبة الملتحقين بالتعليم العالى وتضم أكثر من نصف مليون طالب وتزايدت نسب الملتحقين بها العام الماضى من طلاب الثانوية والتعليم الفني بصورة تفوق جميع الأشكال التعليمية الأخرى ولهذا حديث آخر قريبا.