الجامعات الحكومية.. اختيارات الأوائل
رغم أن تنسيق الجامعات هذا العام لم يغير مفهوم كليات القمة والقاع لدى المجتمع المصري، إلا أن نتيجة المرحلة الأولى للتنسيق كشفت عن بوادر تغير في اتجاهات الطالب لصالح كليات وبرامج باتت أكثر طلبا في أسواق العمل المحلية والإقليمية والعالمية عن غيرها،حيث برزت بين خيارات طلاب علمى علوم برامج علوم الحاسب على حساب كليات عريقة مثل الطب البيطرى،كما فضلها الكثيرون على كليات الهندسة التقليدية، وهو التفضيل الذى أدى إلى شغل مقاعد 6كليات منها بالكامل بطلاب الشعبتين في المرحلة الأولى، كذلك تؤكد المؤشرات الأولية للمرحلة الثانية استمرار ذلك النهج مع كليات التمريض والجامعات التكنولوجية على حساب كليات أخرى مثل الطب البيطرى والعلوم والزراعة………. الجامعات الحكومية. تنسيق الجامعات. نتيجة تنسيق المرحلة الاولى. اوائل الطلاب. الثانوية العامة
رصد التغيرات
رصد التغيرات كان أوضح ما يكون بين فئة الأوائل باعتبارهم فئة تتمتع بحرية أوسع فى الاختيار بين الكليات والبرامج والمنظومات التعليمية المتنوعة والمنح الدراسية.
قراءة سريعة في خيارات أبناء تلك الفئة تقود إلى نفس النتيجة حيث فضل عمر شريف عبد المنعم أول شعبة الرياضة دراسة علوم الحاسب على الهندسة، وسار على نهجه عمر صقر أول مدارس المتفوقين، فيما تراجعت صاحبة المركز الثاني مريم حسن وصاحبة المركز الرابع ندى عبدالمولى عن رغبة الالتحاق بالهندسة لصالح برامج دراسية تقدمها مؤسسة الجامعات الألمانية التطبيقية الدولية.
اوائل علمى علوم يبحثون عن الجامعات الخاصة والاهلية والدولية
ورغم أن رغبة الطب لا تزال في صدارة أحلام طلاب علمى إلا أن أوائل الشعبة لا يزالون يتنقلون بين عدد من الجامعات الخاصة والدولية والأهلية بحثا عن برامج تعليمية متطورة في المجالات الطبية، تمنحهم فرصا أكبر فى أسواق العمل كما تقول ملك الشبشرى أولى علمى علوم، التي التحقت بطب قصر العينى لكن ليس لديها مانع من المغامرة والالتحاق بأي برنامج بينى يجمع بين الطب والعلوم الحديثة الأخرى الأكثر طلبا في أسواق العمل.
الاختلاف في تفكير أوائل الثانوية امتد إلى طلاب الشعبة الأدبية الذين لم تعد تبهرهم كثيرا كليات الاقتصاد والعلوم السياسية أو الإعلام زينب أكرم ابنة الفيوم والأولى على الأدبي فاجأتني شخصيا حين ناقشتها حول سبب اختيارها دراسة الحقوق أولا ثم الالتحاق بالجامعة البريطانية لدراسته،حيث قالت لم أكن سألتفت إلى تلك الكلية لولا طبيعة البرنامج وفرص العمل الدولية التي يتيحها.
الكثير من الاوائل يفضلون برامج ادارة الاعمال بالانجليزى
أما سوسن سراج الدين فاختارت التربية لدراسة تخصص علوم المساحة بقسم الجغرافيا.
على غرار زينب وسوسن فضل كثير من المتفوقين برامج إدارة الأعمال والبيزنيس باللغة الإنجليزية بحثا عن فرص العمل.
متطلبات سوق العمل تشغل تفكير الطلاب الجدد
لعقود طويلة ظلت "المعرفة وطموح العمل "هدفان يسيران في طريق متوازي معا ضمن أحلام الملتحقين بالتعليم العالي، قبل أن تنفرد تطلعات العمل بالطريق، وتشغل متطلبات سوق العمل تفكير الجانب الأكبر من الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي، خاصة في الدول النامية التي لم يعد التعليم رفاهية عقلية متاحة لأبنائها،بل أصبح عاملا مؤثرا في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.
الجامعات المصرية الحكومية قبلة القريب والبعيد
الجامعات المصرية الحكومية "العامة " ظلت هي الأخرى لسنوات طويلة قبلة القريب والبعيد أيضا، حيث لعبت دورا مهما فى التنوير بمختلف أنحاء الوطن العربي..لكن هل تصمد في مواجهة متغيرات التفكير والظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية.
٢٧ جامعة حكومية فى مصر
لغة الأرقام تقول.. فى مصر ٢٧ جامعة حكومية تغطي جميع أقاليمها المأهولة بالسكان تقريبا، تستقبل تلك الجامعات سنويا حوالى نصف مليون طالب،وتضم ما يقرب من ٢مليون شابا يمثلون حاليا ٧١ % من بين الملتحقين بـ 9منظومات تعليم عالي متنوعة بين خاصة وأهلية ودولية وتكنولوجية.
فضلا عن تحملها أعباء تعليم الجانب الأكبر من شباب مصر، تكاد تنفرد الجامعات الحكومية وحدها بإعداد وتجهيز كوادر أعضاء هيئات التدريس الذين تقوم على أيديهم العملية التعليمية بجميع منظومات التعليم العالي داخل البلاد،بل وخارجها ببعض أنحاء الأقطار العربية.
الجامعات هي بمثابة عمود خيمة التعليم العالي
ما سبق يؤكد بوضوح أن تلك الجامعات هي بمثابة عمود خيمة التعليم العالي في مصر،وجزء لا يتجزأ من أمنها القومي لمسئوليتها عن تعليم الجانب الأكبر من الأجيال الجديدة، وشئنا أم أبينا ستظل هي الملاذ الأهم لأبنائنا..لذلك يجب القفز على أية محاولة للمقارنة بينها وبين الأنظمة الأخرى، والتركيز بحثا عن إجابة لأسئلة أهم..كيف نعيد بريق تلك الجامعات لتعود إلى صدارة رغبات الطلاب المحبوبة وليست مسار إلزامي تدفعهم الظروف إليها ؟ وكيف نضمن حق الطالب المصري في التعليم بغض النظر عن قدرته المالية ؟
على عكس الاعتقاد السائد حظيت منظومة الجامعات الحكومية باهتمام أكبر في السنوات العشرة الأخيرة،بعد إهمال دام لعقود، ظهر ذلك الاهتمام في صورة توسع في المنشآت وافتتاح كليات جديدة حيث قفز عدد الكليات من 300كلية تقريبا إلى أكثر من500 كلية وقفز عدد الجامعات من 19 إلى 27 خلال نفس الفترة، كما تم رصد ميزانيات كبيرة لتطوير البنية التحتية للجامعات القديمة والحديثة من معامل وأجهزة ـ لا أقول أنها بالقدر الكافي ولكنها كانت كفيلة بطفرة ما ـ ومع ذلك لم يساعدها هذا كثيرا في مواجهة تغيرات الأفكار والظروف.
مشروعات تطوير البنية التحتية
يأتي على رأس الأسباب التي قللت من أثر المنصرف على الجامعات الحكومية التركيز على مشروعات تطوير البنية التحتية والتحول الرقمي أكثر من مشروعات تطوير الإنسان واللوائح التعليمية والمقررات وتحسين بيئة وظروف العمل وأوضاع العاملين وتدريبهم ، خاصة فى تلك الجامعات الإقليمية الناشئة التي وجدت نفسها في مواجهة زيادة الطلب على التعليم العالي دون مقومات متكاملة.
الانشغال بقضية التمويل أكثر من قضية التعليم
انشغال القائمين على منظومة الجامعات الحكومية أكاديميا بقضية التمويل أكثر من قضية التعليم، وتشتت المنظومة بين نظامين تعليمين في مكان واحد فاقم مشكلات الجامعات الحكومية في السنوات الأخيرة، خاصة وأن معيار النجاح المالي بات فارقا في اختيار الكوادر الإدارية التي يفترض بها تولي شئون الإدارة الأكاديمية.
جمود الهيكل التعليمي
أما السبب الأهم في اعتقادي وراء تراجع حرص الطالب المتفوق على الالتحاق بالجامعة الحكومية فيرجع إلى جمود الهيكل التعليمي واستمرار تقديم خدماتها التعليمية في صورة كليات تقليدية تقدم مقررات متقادمة تتجاهل تشابك كثير من العلوم والتخصصات،في وقت يسيطر فيه مفهوم العلم الجامع بين التخصصات المتنافرة،والبرامج البينية على عقول الأجيال الجديدة ، صحيح أن هناك 48 برنامج دراسي بيني في تلك الجامعات لكنها كلها ترتبط بمنظومة البرامج الخاصة بمصروفات.
الأقسام العلمية رافضة أية مرونة في عملها
كذلك تقف كثيرا من الأقسام العلمية رافضة أية مرونة في عملها لاستيعاب التطورات المتلاحقة إما بحجة الحفاظ على هوية القسم العلمي أو الحفاظ على مكتسبات ضيقة للبعض.
لذلك فإن التطوير المنشود يبدأ بتفكيك تلك التحديات وتحديد أطر علمية واضحة لتصميم البرامج الدراسية الجديدة، وعمل إطار مرجعى للبرامج البينية يوضح مواصفات الخريج والمهارات والمعارف المكتسبة من كل برنامج ومتطلبات الالتحاق وطريقة التقييم، وإنشاء هياكل علمية مرنة وحرة للتدريس للطلاب والتشجيع على سياسات تدريب أعضاء التدريس على تلك التغيرات.
إتاحة تلك البرامج للجميع
والأهم من ذلك إتاحة تلك البرامج للجميع وعدم تصنيفها كبرامج بمصروفات دراسية، والعمل سريعا على إجراء تعديلات تشريعية تسمح للجامعات الحكومية بمنح درجات علمية بينية دون الحاجة لتوصية الكليات مع تشكيل لجان علمية متخصصة تحرص على تحديد هوية تلك البرامج وانتمائها بعيدا عن الأهواء الشخصية.
حل قضية التمويل بصور أخرى
أما قضية التمويل فيمكن حلها بصور أخرى أبسطها التوسع في إنشاء مراكز التميز البحثية التى تقدم خبراتها واستشاراتها للمجتمع بكل تخصص، كما يمكن للجامعات الخاصة "الأهلية " المنبثقة عن الجامعات الحكومية أن تكون المظلة التي تجتمع تحتها جميع البرامج الخاصة التى تضمها الجامعات الحكومية حاليا، بشرط تخصيص جانب جيد من عوائدها لتمويل أنشطة الجامعات الحكومية المنشأة والراعية لها، وبشرط أن تدار بإدارة مستقلة متفرغة لأنشطتها بعيدا عن إدارة الجامعة الحكومية، مع إنشاء هيئة قومية مستقلة يكون دورها ضمان حصول الجامعات الحكومية على نصيبها من عائدات تلك الجامعات.