السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

أبحاث دليفري !!

السبت 23/يوليو/2022 - 09:19 م

عندما ينشر باحث  أكاديمي في تخصص علمى  دقيق مثل العلوم الأساسية أوالطبية أو الهندسية عشرات الأبحاث سنويا باسمه فهنا يجب استشعار الخطر  أوعلى الأقل القلق وليس الفرحة والتميز.

 

الأسبوع الماضى هاتفني باحث متميز بأحد المراكز البحثية في حديث مطول عن ظهور شركات قطاع خاص جديدة تعرض خدمات على المجتمع البحثي والأكاديمي أشبه بخدمات توصيل الطلبات للمنازل (الدليفرى) لكن الطلبات المقصودة هنا هو عرض تلك الشركات القيام نيابة عن الباحث بتحليل العينات البحثية،وإجراء التجارب، وملاحظة النتائج ومتابعتها، وإمداد الباحث بتقارير حول النتائج التى تم التوصل إليها لصياغتها في ورقة بحثية يتقدم بها للترقية،أو لدرجة من الدرجات العلمية،أو للحصول على مشروع ممول من جهة بحثية،كل ذلك مقابل مبالغ نقدية تحدد حسب طبيعة كل بحث. هول ماسمعته لم يكن سهلا استيعابه أوتصديقه في البداية.

 

تقصى حقيقة الموضوع قاد إلى عدة أسماء باتت معروفة في المجتمع الأكاديمي - تعمل فى نطاق القاهرة الكبرى شرقا وغربا -تغلغلت خلال السنوات الثلاثة الماضية بدأت عملها بعرض شرعي ومباح تماما بالإعلان عن مساعدة باحثي المراكز البحثية والأكاديميين في توفير معامل مجهزة بأحدث الأجهزة التي قد لا تتوافر أو لاتعمل بكفاءة فى الجهات العلمية الحكومية، لكن الموضوع لم يتوقف عند تلك النقطة، حيث تطورت الأوضاع إلى توسيع قائمة خدمات تلك الشركات لدرجة يكاد ينتهي معها دور الباحث والبحث العلمي أساسا لينحصر في وريقات بحثية تضاف إلى أطنان مثيلة بلا فائدة أوعائد خاصة وأن لا أحد تأكد أو لاحظ أو استخلص نتائج العينات التي تم التعامل معها داخل المعمل الخاص بصورة علمية.

 

الخطير أن شركات الأبحاث العلمية  (الدليفرى ) لجأت إلى ممارسات غير أخلاقية لترويج أنشطتها عبر مايشبه الرشاوى والسمسرة  وزغللة عين الباحثين بالعروض لجذب غيرهم. حيث أصبحت تقدم ما يسمى (برومو كود) يضم خصومات وهدايا لمن يجلب الزبائن أو يكرر معاملته معهم.

 

اللافت أن بعض تلك الشركات وقعت بروتكولات تعاون مع بعض المراكز البحثية، حصلت بموجبها على حق استخدام أجهزة المراكز البحثية في أنشطتها بعض الوقت، ثم عادت لتنافس  المراكز البحثية فى تكلفة استخدام الأجهزة بسعر أقل.

 

صديقى الباحث الحزين عل  ما آلت إليه الأوضاع لفت نظرى إلى ما هو أخطر من فكرة استخدام أبحاث علمية دليفرى فى ترقية صفوة العلماء المرتبطين بتخصصات التنمية وعلوم الحياة الأساسية، وما قد يمتد إلى خطوة مقصودة أو غير مقصودة تستهدف تفريغ البحث العلمى من محتواه،والإساءة لسمعة منظومتنا البحثية حيث قال: لكم أن تتصوروا ما الذى سيحدث  عندما يتقدم باحث للجنة الترقية أو لمجلة دولية كبرى  في تخصص (بيوكميسترى) مثلا ببحث يعتمد على شغل متخصصين في ( هستولوجى ) وشغل (ميكروبيولوجى) دون أن يشارك متخصصين بتلك التخصصات في إعداده،ودون أن تظهر أسمائهم على البحث مستطردا: الموضوع وصل لتحضير النانو واستخلاص النتائج عن الباحث. 

 

السؤال الآن من الذى سمح لتلك الشركات بالعمل والانتشار في آخر ثلاث سنوات، ومن يريد تكرار تجربة الإساءة لسمعتنا العلمية عالميا فى تخصصات لنا شرف الريادة العالمية والشرق الأوسطية فيها مثل (العلوم الطبية والأساسية والتكنولوجية  وعلوم الحياة )،خاصة وأن الشركات بدأت تعرض خدماتها على أشقائنا العرب على غرار ما حدث في قطاعات العلوم الاجتماعية والإنسانية التى تم تلويث سمعتنا فيها إلى أبعد مدى منذ أصبحت مكتبات بين السرايات ومنشيةالصدر تبيع رسائلها دليفرى على الأرصفة ببضعة آلاف زهيدة بما جعل معظم  الدول العربية لاتعترف بالشهادات والدرجات الصادرة عن جانب كبير من الكليات التى تمرر رسائل من ذلك النوع.

 

ستقول لى ما الحل ؟ وهل الشركات وحدها مسئولة عن ذلك؟ 

 

سأجيبك من النهاية..المسئول عما آلت إليه الأوضاع هو من حصر فكرة التميز بكم النشر العلمي والدولي للرسائل،وشجع على ذلك دون أن يمتلك آليات دقيقة لضبط المنظومة وكشف الغث من السمين بين الأبحاث العلمية المنشورة خاصة وأن النشر العلمي تحول إلى مايشبه سبوبة عالمية مع ظهور موضة التصنيفات العالمية للجامعات. 

 

المسئول هو من شجع  الباحثين على النشر الدولى للأبحاث  وربط الترقيات العلمية بكم الأبحاث وليس بقيمتها الحقيقة ، فوصلنا إلى فرق بحثية صورية تحتشد فيها الأسماء على الورقة البحثية الواحدة ليس بهدف العلم والتكامل ولكن لغرض توزيع تكلفة النشر على المشاركين،أو مجاملة المشرف والزملاء.

 

علينا قبل أن نلوم الشركات أو إغلاقها مراجعة سياسات تشجيع النشر العلمي والتشجيع على تكوين فرق بحثية  علمية حقيقية لإجراء الأبحاث العلمية، وليس تحويلها إلى جمعية تكافلية على غرار جمعيات أهالينا زمان كل واحد يقبضها مرة الأول.