الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

لماذا تحولت امتحانات الثانوية العامة من مجرد امتحان الى كابوس؟

الأحد 25/يوليو/2021 - 10:08 م

هل هذا امتحان دراسى أم اختبار قدرات.. هل الامتحان وحده قادر على اكتشاف المواهب والمبدعين.. أم أن التعليم« أسلوب حياة».. والمدرسة مجتمع كامل يوفر كل الفرص للإبداع والمهارات والثقافة والتدريب والرقى بالمشاعر.. وأين المعلم من كل ذلك وهو منشغل بجمع الملايين من الدروس الخصوصية.. وهل النظام الجديد سيزيل أخطاء الماضى ويخفف المعاناة عن كاهل الأسرة.. لماذا لا تكون الثانوية العامة عاماً واحداً ونفتح باب التحسين أمام الأبناء حتى لا نغلق فى وجوههم الأمل..


هل حولنا كمجتمع الثانوية العامة لـ «بعبع» وكابوس؟ ما السبب فى الإغماءات والتشنجات وأحياناً «الوفيات».. ماذا حدث؟.. هل السبب زيادة الآمال والأحلام والتطلعات وإطلاق العنان للأمانى وتحميل الأبناء فوق طاقاتهم وقدراتهم؟.. هل العيب فى النظام التعليمي؟.. أليس المطلوب أن يمتحن الطالب فى منهج محدد؟.. وهل المطلوب أن يستعرض واضع الامتحان عضلاته على الطلاب وكأنه يمتحن «سيبويه».. ونيوتن وزويل.


إغماءات و«تشنجات».. ودموع وصرخات.. وأحياناً وفيات.. لماذا تحولت الثانوية العامة من مجرد امتحان إلى كابوس.. حتى قال البعض إن ملك الموت يسكن لجان الثانوية العامة.. هل هو امتحان دراسى أم اختبار قدرات؟.. هل هو يمتحن طالباً أم باحثاً؟.. هل تسببت ثقافة الأسر المصرية والمجتمع فى تحويل الثانوية العامة إلى فزع ورعب؟...


التعليم كالماء والهواء.. رحم الله طه حسين
إغماءات وتشنجات.. وحالة وفاة بالسكتة القلبية قبل دخول الامتحان.. ولطم على الخدود ودموع تنهمر.. وفى سنوات سابقة حالات انتحار.. على أبواب امتحانات الثانوية العامة ترى العجب العجاب وغرائب تشيب لها الولدان.. ومشاهد تقشعر لها الأبدان.. وحالة من الرهبة والخوف والفزع والحزن الشديد وأولياء الأمور من الآباء والأمهات ينتظرون خارج اللجان.. والسؤال: لماذا حولنا كمجتمع الثانوية العامة إلى فزاعة ومصدر للخوف والرعب وكأنها نهاية المطاف وبدونها تتوقف الحياة.. ولا معنى للوجود.. والاخفاق يعنى النكسة وكأننا فى حالة عزاء وتنقصها «الفراشة» والمعزون.. هل كل ذلك يستحق منا كل هذا العذاب؟


من المسئول عن تحويل العلم والتعليم الذى هو نور وارتقاء للأفضل.. فالعلم يرفع بيوتاً لا عماد لها.. والجهل يهدم بيوت العز والكرم.. والكتب السماوية عظمت من شأن العلم.. حيث قال المولى عز وجل فى قرآنه العظيم: «علم الإنسان ما لم يعلم».. وفى العلم أيضا نهضة الأمم وتقدمها وقوتها.. وطه حسين قال التعليم كالماء والهواء.. إذن ما الذى حدث ليتحول العلم والتعليم إلى جحيم وعذاب يؤلم ويرهق ويزهق الأرواح ويكبد الأسر وأولياء الأمور ما ليس لهم طاقة به.. من دروس خصوصية تدفعهم إلى الاقتراض.. وعمل جمعيات على حساب رفاهية واحتياجات البيت والأسرة..


الاجتهاد شيء مهم للغاية.. والطموح والأمل أمر جدير بالاحترام وفضيلة عزيزة لكن أن تسمع عن وفاة طالبة عمرها لا يتجاوز 17 عاماً بهبوط وتوقف فى عضلة القلب قبل دخولها لجنة امتحان الفيزياء ربما من شدة الخوف أو الإفراط فى القلق أو حتى من الإرهاق والتعب والعناء والمكابدة أو من أجواء الأسرة المتوترة.. وربما التهديد والوعيد من أولياء الأمور فى حالة الفشل والرسوب أو عدم الحصول على المجموع المناسب لكليات القمة..


للأسف الشديد إننا أسأنا كأسر ومجتمع إدارة التعليم فى مصر وحولنا الثانوية العامة إلى كابوس وبعبع.. فلماذا لا نطمئن أبناءنا ونشيع أجواء الهدوء والسكينة لأبنائنا وعدم المبالغة فى الاهتمام غير الحميد الذى يصل إلى حد الترهيب مما يدفعهم إلى تحمل ما فوق طاقتهم النفسية والمعنوية..


طمأنة الأبناء.. وعدم الإسراف فى أمنيات فوق القدرة الذهنية والتعليمية للطلاب.. وأن تكون أكثر واقعية وأن عدم تحقيق الهدف المنشود فى الثانوية العامة ليس نهاية المطاف أو أن المستقبل انتهى هو بداية التخلص من هذا الكابوس أو البعبع الذى يصيب أبناءنا بالتشوهات النفسية ويحملهم فوق طاقتهم.. ويحدو بهم إلى طريق مجهول ربما يكون الهلاك من فرط التوتر والمبالغة.. ولعل وقوف أولياء الأمور أمام اللجان بالمئات هو أول مصادر الفزع والتوتر لدى الطلاب..


التعليم كالماء والهواء وليس موتاً وإغماءات وسقوطاً على الأرض ولطماً للخدود.. لذلك أكرر السؤال: من المسئول عن تحويل التعلم إلى مصدر للخوف والفزع والرعب وليس مصدراً للسعادة والنور والارتقاء؟ هل نحن كأسر ومجتمع أم أن المنظومة التعليمية لا بد أن تشهد تغييراً وتطويراً؟


فى اعتقادى أيضا أن الامتحانات لا بد أن تكون من منهج محدد.. تلك هى أهم قواعد التربية التعليمية ولا تتحول لامتحان قدرات للالتحاق بإحدى الوظائف المرموقة ولا أدرى لماذا يقوم واضعو الامتحانات باستعراض العضلات و«الافتكاسات».. وكأنهم يمتحنون (عبقرينو) أو يوجهون الأسئلة لـ نيوتن وزويل الطالب مسئول عن المنهج الذى تحدده الوزارة.. وليس تعليم الاوبن بــوك فالطـــالب ليس (باحثاً) أو طالباً فى الدراسات العليا دبلومة وماجستير ودكتوراه..


أؤيد فكرة أن الامتحان لا بد أن يتنوع ما بين قياس قدرات الطالب المتفوق ومتوسط القدرة.. والمحدود القدرة لكن أيضا من منهج محدد ومتطور ومواكب الأحدث فى المناهج التعليمية.. وانعدام فرصة الطالب لتحسين مجموعه.. هى فكرة خاطئة تغلق أبواب الأمل أمام الطلاب فربما تعرض هذا الطالب لظروف قهرية لم تمكنه من المذاكرة أو التحصيــل أو ظروف اجتماعية..


كما أن فكرة أن تكون الثـــانوية العامة محصـــلة 3 سنوات واختيار المجموع الأفضل فى النهاية بعد سلسلة من الامتحانات على مدار الثلاث سنوات هى فكرة تحتاج مراجعة.. لأننا لم نقض على وحش وغول الدروس الخصوصية.. وستبيع الأسر «النحاس» على رأى المثل «واللى وراها واللى قدامها».. وهناك من يجيبنى أن الأسر هى التى تختار هذا الطريق فى ظل وجود المدرسة والمنصات التعليمية وهنا أسأل أين المدرسة قبل وبعد «كورونا».. هل أعيد الانضباط وهل تم تقويم المعلم نفسه لينأى بنفسه عن تجارة التعليم.. والبحث عن المال فى رحلة دروس خصوصية تجعل من بعض المعلمين مليونيرات وأباطرة وهناك منهم من تحفظه الحراسة والسيارات الفاخرة ومعه عشرات المساعدين.. لتتحول العملية التعليمية إلى بيزنس خاص والضحية هم الأسر وأولياء الأمور..


اضعنا وقتاً كثيراً فى إلكترونى وورقي.. وفى النهاية ليس هو الهدف والمراد.. الهدف الحقيقى أننا نخلق أجيالاً تعشق التعليم والتعلم والعلم تجد فى المدرسة السكن والرحمة.. وأيضا تجد فى الامتحانات ما هو متوافق مع المناهج بدلاً من استعراض العضلات وتأزيم الأمور.. وكأننا نختبر (سيبويه).. ونيوتن.. وزويل.. نحن أمام أجيال نريد بناءها بشكل صحيح وعلمى وتواكب العصر بدلاً من تبديد الأحلام والآمال وتكبيد الأسر عشرات الألوف..


لا بد أن نعيد نظرتنا إلى المدرسة لتكون هى معقل العلم والإبداع والشعر والأدب والثقافة والرياضة والقصص والمسرح والتدريب العملي.. والورش والعودة إلى تدريب الطلاب لاكتساب مهنة أو حرفة فى المصانع الوطنية وما أكثرها والأمر هنا لا يتوقف على الطب والهندسة وغيرهما.. لكن أن تؤسس للطالب قاعدة يستند إليها ليكون إنساناً مرهف الحس.. لديه ما يمكنه من مواجهة الحياة وكسب الرزق.. المدرسة هى أسلوب حياة وليست إنهاء للحياة..


لقد هالنى ما قرأت عن وفاة الطالبة منار محمد عبدالباقى فى المنوفية بسكتة قلبية.. بعد توقف عضلة القلب ناهيك عن الإغماءات والدموع وحالة الحزن.. وسألت نفسى لماذا كل هذا.. ولماذا نجنى على أبنائنا ونحملهم فوق طاقتهم.. ونضغط عليهم إلى حد الانفجار.. الأسرة مسئولة عن جزء كبير من المأساة..


علينا أن نعلم أولادنا كيفية الاختيار بما يتناسب مع ميولهم وقدراتهم.. وليس كما يتمنى الآباء والأمهات.. «نفسى أشوفك دكتور».. فكم من الأطباء تخرجوا وابتعدوا عن المهنة وسلكوا طريقاً آخر.. الأمر المهم أن تختار الطريق وتجتهد فيه لتبلغ ذروة النجاح وليس شرطاً أن يكون النجاح والمستقبل فى الطب والهندسة..


المشهد التعليمى فى مصر.. يحتاج تفسيرا وتوضيحا آخر.. وشرحا للناس وعرض فلسفة المنظومة الجديدة.. وما هو مطلوب من الطالب أو التلميذ.. وما هو المنهج وطريق الامتحان.. حتى يعرف الطالب «ساسه من رأسه».. وأكرر الطالب حتى طالب الثانوية العامة ليس باحثاً أو يدخل امتحان قدرات فى منافسة للحصول على وظيفة ذات مواصفات خاصة..


ربما يتهمنى البعض بالجهل.. لكننى أعلم بالواقع والمحصلة والنتائج.. لماذا لا نفكر فى طريق آخر أكثر يسراً وبدون تعقيدات ويحقق نفس الأهداف وربما أكثر.. لكن أن يكون التعليم مصدراً للنكد والعذاب والاحتقان وتكاليف فوق طاقة الأسر.. هذا أمر يحتاج مراجعة من الوزارة.. التى يجب أن تنهى ثقافة العقود الماضية.. وتخلصنا من امبراطوريات الدروس الخصوصية وسماسرة التعليم وامبراطوريات منتفعة من العملية التعليمية من خلال مبدأ (يسروا ولا تعسروا وسهلوا ولا تعقدوا)..


لا بد أن نطلق حملة لبناء وعى الأسر فى كيفية تنشئة أبنائهم على الاطلاع والمعرفة والانفتاح للأسف الشديد.. الأطفال والتلاميذ فى عمر المراحل المدرسية المختلفة لا يعرفون شيئاً الآن فى ظل كورونا غير الألعاب الإلكترونية ولا يتركون جهاز الموبايل أو الكمبيوتر.. ويقتصرون فقط على أشياء استهلاكية وترفيهية لا تسمن ولا تغنى من جوع.. وليس مواد ثقافية وتعليمية وعلمية تزيد دائرة الثقافة وتعمل على توسيع الأفق والمدارك وأن يتحول أبناؤنا إلى شبكة معلومات متنقلة بدلاً من ضياع أوقاتهم فى أمور غير مفيدة لمجرد اللعب والتسلية..


على المسئولين فى وزارة التعليم أن يجدوا صيغة ميسرة وسهلة بدون تعقيد تستأصل وتبدد مظاهر القلق والتوتر وتحقق نفس الأهداف المرجوة.. فالتعليم أساس التقدم والرقى ونهضة الأمم ولا غنى عنــــه أبــداً.. ولا أعنى بكلامى التفريط فى الإصلاح والتطوير ومواكبة العالم ولكننى أبحث عن النظام الذى يحقق طموحات وآمال الوطن والمواطن ويراعى حالة الطالب المصرى المتفاوتة فى مجتمعات مختلفة ما بين البسيطة والنخبوية.. لنحقق أهدافنا فى الوصول بأبنائنا إلى المكانة المستحقة لقيادة مستقبل الوطن الواعد..


لماذا لا تخرج علينا وزارة التعليم بكتب أو برنامج لكل مرحلة من مراحل التعليم.. توزع على التلاميذ والطلاب فى كل المراحل كل فيما يخصه.. لتحدد ما هو مطلوب من الطالب.. وكيف يتحصل.. وكيف يذاكر وطريقة وأسلوب الامتحان.. مع منحه مجموعة من النماذج والبدائل التى تماثل أسلوب الامتحان ليعرف الطالب مبكراً ومع بدء العام الدراسى ما له وما عليه.. وما هو مطلوب منه.. وكيف يتفوق.. أو لا يفاجأ بالامتحان لينزل عليه كالصاعقة دون أن يعرف عنه شيئاً.. وإذا كانت المدارس والتعليم مجاناً.. فلماذا لا تفتح المنصات مجاناً أيضا..


لا بد من أن نجعل التعليم بالفعل كالماء والهواء وليس للنكد والفزع والخوف والرهبة.. نختار الأسهل والأيســـــر.. وفى نفـــــس الوقــــت لا يتنازل أو يفرط فى تحقيق الأهداف المخططة فى خلق جيل جديد أكثر مهارة ومواكبة للعالم الحديث.
تحيا مصر