التحفيز والنجاح فى العملية التعليمية والإنتاجية
الجمعة 04/يونيو/2021 - 10:04 م
يلعب التحفيز دورًا أساسيًا في حياة الإنسان وقدرتهِ على تحقيق النجاح والتألّق في الحياة الدراسية والشخصية والعملية، والتحفيز في أبسط معانيه يعني تلك القوة التي تدفع الفرد للقيام بأشياء إبداعية مختلفة، وهو بذلك يمثل وقودًا داخليًا لدى الفرد يحثه على العمل وبذل الجهد لتطوير نفسه وتحقيق أهدافه وذاته، بغضّ النظر عن المقابل أو المردود، إلا أن التحفيز يمكن أن يأتي أيضًا من دافع خارجي يحرك شعور الفرد ويجعله يسلك سلوكًا معينًا بغية تحقيق أهداف إبداعية غير متوقعة ، ومن ثم فهو من الأمور المهمة في حياة الناس بصفة عامة وحياة الأطفال في مراحل الدراسة بصفة خاصة ؛ غير أن التحفيز بشكله التقليدي بات من الأمور العبثية، من منطلق أن ضمان نجاح أى تحفيز صار يتطلب شروطًا ، من بينها وجود علاقة وثيقة بين الحافز و المحفز ، وربط الحوافز بالأهداف ، واختيار الوقت المناسب للتحفيز ، وضمان العدالة المساواة في طرق ووسائل وأدوات التحفيز ، ومدى اتفاق التحفيز مع الحاجات الملحة التى يعيشها الفرد محل التحفيز ، ومدى ملاءمته من حيث الحجم والتوقيت فلا يطغى بتدفق فيسئ إلى العملية التربوية والإنتاجية دون أن ندري ، أو يكون ضعيفاً فيفرز صورًا متعددة ؛ من عدم القدرة على تحريك قدرات الأفراد والتحول إلى الخمول والتفنن في هروب كل فرد من القيام بواجبه..
والواقع أن التحفيز يعد شيئا لا غنى عنه في المؤسسات التعليمية والإنتاجية والخدمية نظرًا لوجود فرق كبير بين أداء الفرد المحفز وأداء نظيره غير المحفز؛ ومن ثم فالتحفيز يلعب دورًا مهمًا وتأثيرًا فعالًا في تيسير العملية التعليمية والإنتاجية وتحقيق أهداف المؤسسة وإشباع حاجات الأفراد المختلفة، من خلال تفجير طاقات المتعلمين ، وزيادة إنتاجية العمال، وتخفيض التكاليف ، والمحافظة على مستوى الجودة ، وزيادة كمية المبيعات ، ووضع أساس للتحكم في الإنتاج والعمالة ، و المحافظة على الآلات وصيانتها، و تحقيق الرضى الوظيفى بين العمال وإشباع حاجتهم الضرورية والنفسية والاجتماعية، وقياس كفاءة الإنتاجية، وبالتالي فالتحفيز يلعب دورًا اقتصاديًا واجتماعيًا يؤدي إلى زيادة الإنتاج الوطني و تحقيق مستوى معيشى أفضل للمجتمع..
وحتى يكون للتحفيز الدراسي والإنتاجي معنى، يجب على مسؤولي التنمية البشرية في المؤسسات والشركات والمشرفين التربويين فى مؤسسات التعليم الالتزام ببعض المبادئ مع إمكانية تصحيحها عند الحاجة، كقبول الفرد للآخرين وقبولهم له، ووضع معايير تدفع به إلى تفجير طاقاته ومواهبه وقدراته، بهدف تحريره من الاعتمادية، وتحديد وجهة له يكون مبتغاها: التفكير والتعلم والكفاح من أجل الإبداع وتحقيق رغبة كامنة فى نفسه، ومهما تنوعت الحوافز الذاتية وحتى الخارجية المتاحة يظل حافز التحصيل والحافز الاجتماعى هما الأكثر حسمًا فى العملية التعلمية والإنتاجية..
ومن المهم والمفيد عند تحديدها نظام للتحفيز الالتزام بمبادئ أساسية تشمل: البساطة؛ بمعني أن يكون النظام بسيطًا وواضحا ومفهوما ويربط التحفيز بالأداء بحيث يشعر الفرد بأن مجهوداته تؤدي به إلى الحصول على حافز معين، وكذلك التفاوت؛ بمعنى أن اختلاف الحافز باختلاف الأداء، والمشاركة؛ بمعنى أخذ آراء الطلاب وأفكار العمال في الاعتبار عند وضع نظام للتحفيز ، والتنويع؛ بمعنى تطبيق أنواع مختلفة من الحوافز، والهدف؛ بمعنى أن يكون للتحفيز هدفٌ معينٌ، و العلانية: وهو إعلان الجزاء إيجابيا كان أم سلبيا ، وتدريب المعلمين والمدربين والمشرفين على إجراءات التحفيز ، والشمولية: بمعنى أن يشمل نظام التحفيز كل عناصر المؤسسة التعليمية أو الإنتاجية وأن يكون متناسبا مع حاجات كل فئة من الأفراد..
ويختلف العلماء حول ماهية المحفز وما إذا كان الأصل فيه فسيولوجيًا ، أم أن الحاجات الفسيولوجية هى حاجات ثانوية والأصل فيه معنوي وروحاني ونفسى بحت ، ومن ثم تتعدد وجهات النظر والتحليلات حول هذا الموضوع، والخلاصة أننا يجب ان نعتمد على المزج بين التجارب العلمية التى أجريت على حيوانات التجارب ، وما تم إجراؤه أيضًا من تجارب على البشر فى معامل علم النفس حول دراسة السلوك الإنسانى ، والاستفادة من نتائجها فى فهم ماهية الدوافع البشرية وبالتالى كيفية تحفيزها، وتوضيح معنى التحفيز البشرى وما يؤثر عليه إيجاباً وسلبًا من فنيات العلاج السلوكى ، والسلوكي المعرفى ، وكذا الطريقة المثلى للاستفادة من التحفيز فى شتى مناحي العملية التربوية والإنتاجية باختلاف المدارس النفسية القائمة على تلك التجارب وتوجهاتها..
وبمراجعة مدارس علم النفس السلوكي، والمعرفي، والتحليل النفسي، وغيرها للدوافع البشرية وفهم المتحكم الرئيس فيها، يتضح أنه لا يوجد بصفة عامة أداء عال بدون تحفيز، وأن التعزيز السلبي يؤدى إلى تدنٍ كبير فى الأداء والإنتاجية الفردية والجماعية ، وأن التدليل الزائد يقلل من التحفيز، وأن هناك نوعين من التحفيز: الأول خارجي من خلال تقديم جوائز مالية وعينية ، والآخر داخلي يتعلق بجاذبية النشاط بحد ذاته، كما يتضح أيضًا أن هناك حاجة إلى التحفيز الظاهري والجوهري والمراقبة المفتوحة، أو محددة الوقت، والمنافسة ، من منطلق أن كل ذلك يكون له تأثير واضح على السلوك الإنسانى، وأن العجز التعليمي والإنتاجي يظهر عندما لا يرى الفرد أهمية لما يقوم به، وأن الإلحاح المفرط يؤدي إلى الإحباط، وأن الإنسان غالبًا ما يرجع الفشل بشكل عام لأسباب خارجية، والنجاح لأسباب داخلية، وأن الاهتمام (الحافز الداخلى) ينخفض بسبب الإكراه أو الإجبار والتكرار، والتعليم بالأسلوب المراقب، والاعتداد الزائد بالنفس، وأن الحافز الداخلي يعتبر نتيجة لنوعين من الشعور هما: الكفاءة الملموسة وتقرير المصير، وأن المعرفة المسبقة لنتائج نشاط ما تقلل من التحفيز الداخلي (فى وضعية التقويم)، وأن تثمين المجهود المبذول من قبل الفرد واشراكه فى العمل مع إخفاء هويته أثناء المنافسة يؤدى إلى تحسين الأداء بالنسبة للأفراد الضعفاء، وأن التحفيز يكون ضعيف التأثير على الذاكرة قصيرة المدى، بينما يكون قوى التأثير على المستويات العليا للذاكرة خاصة الذاكرة الدلالية (اللفظية)، كما يؤثر على زيادة الاستراتيجيات التنظيمية المختبرة بشكل مسبق، وأن الخبرة لا تأتى إلا بالاستمرارية فى الأداء..
والواقع أن التحفيز له أساليب واستراتيجيات كما أن له معوقات وعوامل نجاح ، ومن معوقات التحفيز التي ينبغي البحث عنها وإزالتها: الخوف أو الرهبة من المؤسسة، وعدم وضوح الأهداف لدى الإدارة بها، وعدم المتابعة للعاملين فلا يُعرف المحسن من المسيء، وقلة التدريب على العمل وقلة التوجيه لتصحيح الأخطاء، وعدم وجود قنوات اتصال بين المديرين والعاملين فيكون كل في واد، والأخطاء الإدارية كتعدد القرارات وتضاربها، وتعدد القيادات وتضارب أوامرها، وكثرة التغيير في القيادات وخاصة إذا كان لكل منهم أسلوب في العمل يختلف عن سابقه. أما العوامل التي تساعد على تحفيز العاملين وكسب تعاونهم فتتمثل في: بناء جسور الثقة والاحترام مع الطلاب /العاملين بالثناء على ما أنجزوه من أعمال جيدة، والتحلي بالصبر، وإفساح المجال للعاملين للمشاركة في تحمل مسؤولية تحسين العمل، وتعليم الآخرين كيفية إنجاز الأشياء بأنفسهم، وربط التحفيز بالإنجاز الجيد للعمل بعيدًا عن معيار الأقدمية، وتشجيع العاملين على حل مشاكلهم بأنفسهم، ونزع الخوف من قلوبهم، وإقران العمل بالإخلاص، وجعل مجموعات العمل متناسبة في التوزيع والمهام..
وهناك طرق لـنقل التحفيز إلى الطلاب /العاملين منها: التخويف وهذه طريقة قد تجدي في أول الأمر لكنها مع مرور الوقت لا يكون لها أي مردود إيجابي، ومنها أيضًا المكافآت والحوافز المادية، وهذه الطريقة أيضًا قد تجدي في أول الأمر لكنها لا تلبث أن تخف حدتها ولا تجدي على المدى البعيد ايضًا، وهناك طريقة ثالثة تتمثل في مخاطبة العقل والإقناع بأن تطور المؤسسة يعود على الجميع بالنفع ويساهم في بناء مستقبل أفضل لأعضائها وهذه الطريقة غالبًا ما تكون مفيدة..
ونخلص مما تقدم أن التحفيز هو عبارة عن مجموعة من الوسائل التي توظفها المؤسسة التعليمية / الإنتاجية من أجل توجيه سلوك الطلاب / العمال، واستثارة رغبتهم في القيام بعمل محدد أو الابتعاد عن سلوك معين، بغية تحقيق أهدافها ورفع مستوى أدائها ، ولا يمكن أن تتحقق فعالية التحفيز إلا بوجود ارتباط كامل وواضح بين أداء العامل والحصول على التحفيز، كما تتوقف الفعالية على مدى رغبة الفرد في الحصول علي التحفيز من جهة، ومدى إدراكها لعدالته من جهة ثانية ، وتعتبر مختلف أنواع التحفيز دافعًا إيجابيًا لرفع مستوى الأداء في المؤسسة، إلا أن هناك عوامل أخرى تؤثر أيضًا في أداء الطلاب /العاملين تتعلق بالخبرة وبالجوانب الشخصية والاجتماعية، ودرجة الولاء والانتماء للمؤسسة.
وفى ضوء ذلك يمكن لوزارة التربية والتعليم ومؤسسات الإنتاج الاستفادة من نتائج التجارب المعملية للسوك الحيواني والبشرى؛ في فهم وإدراك ماهيته، ومن ثم علاج أوجه القصور فيه؛ والوصول إلى أقصى قدر ممكن من التحفيز للطلاب /العاملين في مراحل العملية التعليمية والإنتاجية المختلفة وتعديل اتجاهاتهم نحوها وزيادة شعورهم بأهمية ما يؤدونه ومن ثم تعديل التوجهات السلبية نحو الدراسة والعمل بشكل عام، كما يمكن تقديم مجموعة من النصائح للمعلم / المدير تساعد على رفع الحالة المعنوية للطلاب / العاملين وتنعكس على إنتاجيتهم في الدراسة / العمل منها: أن يكون المعلم / المدير بشوشاً ذا ابتسامة حقيقية، وأن يكون هادئاً يستطيع الرقابة على نفسه في الأوقات العصيبة، وأن يكون ثابت المزاج لا تتغير قراراته حسب أهوائه، وأن يبتعد عن الأنانية، وأن يكون صادقًا فيولد الصدق لدى الموظفين، وأن يكون ذا كرامة يستمدها من اتجاهاته نحو وظيفته واحترامه لمسئوليتها وتقديره لأهميتها ، وأن يكون حسن التصرف فلا يهين كرامته ولا يجرح كرامة غيره، وأن يكون صبورًا فلا يطلب أو يتوقع أكثر من طاقة وامكانيات طلابه أو مرؤوسيه، وأن يكون حازمًا في تصرفاته وتحمل مسئولياته ومواجهة مشكلاته، ولا يقصد بالحزم عدم الإنصات للحقائق، وأن يكون دقيقًا عند تناول أو عرض أي موضوع ولا يتكلم إذا لم يكن هناك داع للكلام وإذا تكلم فلا يتكلم أكثر من اللازم، ويعطى فرصة لكي ينصت ويفهم من الآخرين..