قدم الدعم للطلاب وشارك في مبارياتهم الصباحية.. تعرف علي سيرة عميد كلية التربية بقنا الراحل الدكتور نصر الله معوض
الجمعة 07/مايو/2021 - 10:55 ص
نشر عبد الصبور بدر صحفي في جريدة أخبار اليوم تدوينة علي صفحتة علي موقع فيسبوك تناول فيها سيرة الدكتور نصر الله معوض عميد كلية التربية الأسبق بقنا والذي غير شكل المنظومة التعليمية بها.
وإليكم نص التدوينة:
في أوائل التسعينات شهدت قنا ظاهرة عجيبة بطلها رجل في بدايات الأربعين من عمره، تم تعيينه عميدا لكلية التربية بقنا، أول شيء فعله، وضع بدلته على الشماعة خلف مكتبه، وارتداء ملابس رياضية وكوتشي!.
في ملعب الكرة بالكلية كان بإمكانك مشاهدة العميد الجديد يشارك الطلاب مبارياتهم في الصباح، أو بجانبنهم على الكافتريا في الظهيرة يلقي النكات ويضحك معهم دون أن تهتز هيبته أو يفقد شيئا من وقاره، وفي المساء يشرف على الفرقة المسرحية باعتباره المخرج ويوجه تعليماته للممثلين بابتسامة تكشف عن أسنان بيضاء لرجل لا يدخن.
في الدور الأول من مبنى الكلية "قصر الملك فاروق سابقا" كان يقع مكتب العميد، إذا كنت طالبا يمكنك الدخول إليه في أي وقت بدون استئذان من مدير مكتبه، فقط تضع يدك على “أوكرة” الباب، لتجد نفسك أمامه، تقول له ما تريد ، أما إذا كنت عضوا في هيئة التدريس، أو مسؤولا في الكلية، فإن الأمر يستلزم أن تنتظر بعض الوقت حتى يسمح لك بالدخول.
ذات مرة دخلت على مدير مكتبه وأنا أسأله: العميد موجود فقال لي: نعم. وقبل أن أضع يدي على الأوكرة وجدت أحد الدكاترة يقف غاضبا وهو يقول لمدير المكتب: “أنا بقالي ساعة.. وده لسا جاي.. إزاي يدخل قبلي”.
نظر إليه مدير المكتب قائلا: ده طالب يدخل في أي وقت!.
- يعني ايه طالب؟
- أوامر العميد يا دكتور..
من الثامنة صباحا وحتى العاشرة مساء كل يوم، كان الطلاب يمارسون أنشطتهم المختلفة، لاعبو الكرة يتقافزون على المستطيل الأخضر، والجوالة ينصبون الخيام، والشعراء يجلسون في الندوات التي يأتي إليها كبار المبدعين في مصر، وهواة التمثيل يجسدون أدوارهم على المسرح ، والمبدعون يكتبون في العديد من المجلات المعلقة والمطبوعة، وكل هذا يمضي جنبا إلى جنب مع المحاضرات في المدرجات.
الطلاب الفقراء لم يكن عليهم إزعاج أولياء أمورهم بمصاريف الكلية، العميد كان يوفر لهم ما يحتاجونه من مذكرات مجانا، وحتى يضمن وصول الدعم لكل شخص منهم منعه الحرج من الذهاب إليه، كان يزرعنا نحن "أعضاء اتحاد الطلاب" لننقل إليه أسماءهم، فيرسل إلى كل دكتور ورقة صغيرة مكتوب فيها: رجاء إعطاء حامله مذكرة كذا، وإذا حدث وامتنع أحدهم عن منح المذكرة لطالب فعليه أن يحتمل ثورة العميد.
أما الذين يعانون من ظروف صعبة، وفي حاجة ماسة إلى إعانات عاجلة، فقد كان العميد يوجه ورقة إلى رعاية الشباب يكتب فيها رجاء إعطاء حامله مبلغ كذا، ويتم صرف المبلغ للطالب في الحال.
في عهده، كان من النادر أن تخلو ليلة من أمسية، أو حفلة فنية، أو ندوة ثقافية، أو لقاء أحد الضيوف الكبار من نجوم المجتمع، أو احتفال خاص بمناسبة، أما العميد فقد كنت تراه في كل مكان داخل الكلية، كأنه رجل من أهل الخطوة، يشرف ويشارك – حتى - العمال ما يقومون به.
في ذلك الوقت كانت كلية التربية بقنا هدفا لوسائل الإعلام، إذاعة وتليفزيون إضافة إلى كبريات الصحف التي تبعث مراسليها لتغطية الأنشطة المتنوعة، وبمجرد ظهور العميد في حفلة على مسرح الكلية، كان الطلاب يصفقون وهم يهتفون باسمه: نصر الله.. نصر الله.. نصر الله، وكان ينحني في تواضع ويشير لنا بيده أن نتوقف، ولا نتوقف، فيبتسم تلك الابتسامة التي تملأ قلوبنا بالمحبة والرضا لرجل منحنا أبوة خالصة.
شيء واحد اختفى من الكلية ولاحظ الجميع غيابه في عهد الدكتور نصر الله معوض .. التطرف وقد توفي نصر الله يوم 12 ابريل الماضي.