التعليم وتكافؤ الفرص
الثلاثاء 27/أبريل/2021 - 12:11 ص
الجدل حول قضايا تطوير التعليم لا يتوقف فى مصر، وكان أحد مشاهده الأخيره ما تم فى مجلس الشيوخ الأسبوع الماضى، فى إطار مناقشة النظام الجديد للثانوية العامة. آراء كثيرة تم التعبير عنها فى جلسات الشيوخ، منها المؤيد والمطالب بتطبيق النظام الجديد بأسرع وقت، حيث لم نعد نحتمل التأخير فى تنفيذ أفكار التطوير. ومنها آراء أخرى متحفظة أو معارضة، وركزت على ضرورة تطوير البنية التحتية التكنولوجية اللازمة للنظام الجديد قبل البدء فيه، وأهمية أن يشمل التطوير المعلم والمناهج، وليس نظام الامتحانات فقط.
أثار بعض الأعضاء أيضا قضية هامة أخرى تتعلق بمدى تحقق تكافؤ الفرص فى النظام الجديد، ومن الذى سيستفيد منه بشكل أكبر، أو يستطيع تحمل أعبائه لو أدى تطبيقه إلى فتح باب الدروس الخصوصية لمدة ثلاث سنوات (النظام التراكمى الجديد)، وليس لمدة عام واحد (النظام الحالى). وزير التربية والتعليم قد يكون لديه إجابة عن هذه الأسئلة، ولكن هذا لا يمنع من طرح القضية، وإعادة التأكيد على إدماج تكافؤ الفرص فى أى تطوير للتعليم، ويجب أن يكون إحدى الأولويات التى تحرص عليها الدولة المصرية.
فغالبية الأسر المصرية لا تزال تنظر للتعليم على أنه أداة للحراك الاجتماعى، والانتقال إلى أوضاع أفضل، وغالبية القيادات والرموز المصرية الموجودة حاليا على الساحة، هى نتاج للفرص المتكافئة التى وفرها نظام التعليم (الحكومى)، وفرص التوظيف التى ترتبت عليه بعد ذلك. وتطوير التعليم لا يخل بالضرورة بتكافؤ الفرص، بل على العكس قد يؤدى التطوير إلى المزيد من تكافؤ الفرص، حين ينجح فى سداد الفجوة بين التعليم الحكومى والتعليم الخاص، أو فى الحد من الدروس الخصوصية، وهى الظواهر التى انتشرت فى السنوات الأخيرة، وأخلت بتكافؤ الفرص.
قضية تكافؤ الفرص فى التعليم ليست قضية مصرية فقط بحكم التراث الناصرى الاشتراكى، ولكنها قضية يتردد صداها فى العديد من دول العالم، ومنها الدول الرأسمالية. وتشهد فرنسا هذه الأيام جدلا كبيرا حول موضوع تكافؤ الفرص فى التعليم، بمناسبة القرار الذى اتخذه الرئيس ماكرون بإغلاق الكلية الوطنية للإدارة (ENA)، وهى الكلية التى أسسها الرئيس الفرنسى السابق شارل ديجول عام ١٩٤٥، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كى تساهم فى تخريج القيادات التى تتولى إعادة بناء الدولة بعد التدمير الذى شهدته من الحرب، وعبر السنين، تخرج منها أربعة من آخر ستة رؤساء للجمهورية، ومنهم الرئيس الحالى ماكرون (بالإضافة للرؤساء ديستان، وشيراك، وهولاند)، كما تخرج منها سبعة رؤساء للحكومة، بالإضافة للعديد من الوزراء، والسفراء، وكبار قيادات الدولة، بل قيادات الشركات الفرنسية الكبرى التى تعمل فى القطاع الخاص.
قرار ماكرون بإغلاق كلية الإدارة، وهى كلية حكومية وتمول بالكامل من الدولة وتقبل ٨٠ طالبا فقط سنويا، جاء فى مبرراته أنها أصبحت رمزا للنخبوية وعدم المساواة، وانفصلت عن الواقع وأصبحت ناديا مغلقا على أعضاء الطبقات العليا، وافتقرت للتنوع الاجتماعى (وفقا لدراسة أجريت عام ٢٠١٤، جاء ٧٠% من الطلاب من الطبقات العليا، وفى آخر دفعة كان ١٪ فقط من الطلاب لديه أحد الوالدين من الطبقة العاملة).
قرار ماكرون كان وراءه عدد من الاعتبارات السياسية، ومنها انتخابات الرئاسة فى العام القادم، والتى تنافسه فيها بشدة مارين لوبان، التى ترفع شعارات شعبوية وجماهيرية، وأراد ماكرون أن يجدد صلته بالقواعد الشعبية من خلال هذا القرار. هناك أيضا التأثير الذى تركته حركة «السترات الصفراء» التى كانت حركة الاحتجاج الشعبى الرئيسية قبل الإغلاق الناتج عن كورونا منذ حوالى عام، والحركة لا يزال لها جذورها ولا تزال أفكارها المعادية للنخبة لها صدى فى الشارع الفرنسى، وفى حسابات الرئيس ماكرون. ويضاف لذلك التحدى الذى شهدته مؤسسات الدولة فى التعامل مع أزمة كورونا.
قرار ماكرون، جاء فى إطار خطة واسعة لتطوير نظام الخدمة المدنية فى فرنسا، وأعلن أنه سيتم استبدال كلية الإدارة الملغاة، بمعهد جديد للخدمة العامة، وسوف يتيح الفرص للطبقات الاجتماعية المختلفة للالتحاق به، وفقا لمبدأ تكافؤ الفرص. كما سيتم تبنى مناهج جديدة تتماشى مع التطورات الحديثة، وتركز على المهارات وليس المعارف فقط، وخاصة ما يتعلق بالقيادة، واتخاذ القرار، والابتكار.
خلاصة ما سبق، أنه بالرغم من أن قضايا تطوير التعليم فى مصر قد تختلف عنها فى فرنسا، وتختلف تفاصيل الجدل حول الثانوية العامة عن الجدل حول كلية الإدارة الوطنية، ولكن مهما اختلفت التجارب يظل التعليم الحكومى هو القاعدة الأساسية لتقديم الخدمة التعليمية وتفريخ القيادات، ويظل مبدأ تكافؤ الفرص إحدى الركائز الرئيسية التى يجب دمجها فى تطوير التعليم، وفى استعادة دوره كأداة للحراك الاجتماعى إلى الأمام.