ما بعد الانتخابات..الجامعات الخاصة (2/3)
بدايةً، الجامعاتُ غيرِ الحكوميةِ مكونٌ
أساسي وهام من مكوناتِ التعليمِ العالي، يستحيلُ إنكارُ أهميتِها. لهذه الجامعاتِ
تصنيفاتٌ عدةٌ، فهي خاصة وأهلية ومنها ما تنظمُه قواعدٌ خاصةٌ عند إنشائها. قامَت
هذه الجامعاتُ على مفاهيمٍ جديدةٍ أولُها الاهتمامُ برأي الطلابِ والعملُ على إرضائهم،
في مقابلِ ما يسددونه من مصاريف. من وسائلِ الترغيبِ في هذه المشاريعِ الخاصة توفيرُ
بيئةٍ جذابةٍ من معاملٍ ومكتباتٍ وقاعاتِ درسٍ وكافتريات، وجوٍ مرحٍ كلُ فترةٍ يُحييه
أشهرُ نجومِ الغناءِ. تقومُ هذه الجامعاتُ على أكتافِ أعضاءِ هيئاتِ تدريسٍ في جامعاتِ
الحكومةِ وجدوا فيها ضالتَهم، ماديًا ووظيفيًا بعد أن أضنتَهم جامعاتُهم الأصلية.
مفهوم الطالب الزبون أو العميل الذي انتهجَته
الجامعاتُ غيرُ الحكوميةِ اِنتقلَ إلى الجامعاتِ الحكوميةِ فيما أُطلِقَ عليه نظامُ
الساعاتِ المعتمدةِ أو البرامجِ الخاصةِ أو المميزةِ. التعليمُ ليس سلعةٌ إنما ركيزةٌ
أساسيةٌ لقيامِ الدولِ شأنُه شأنُ الاقتصادِ والصحةِ والصناعةِ وحريةِ الرأي، لا يمكنُ
أن يقومَ بمفهومِ السوبر ماركت. في الدول المتقدمةِ علميًا يقومُ التعليمُ في الجامعاتِ
المحترمةِ على أساسِ الجديةِ واحترامِ المؤسسةِ التعليميةِ لصالحِ المجتمعِ والدولةِ
في المقامِ الأولِ. التعليمُ غيرُ الحكومي عندنا أصبحَ صورةً للتميُّزِ الاِجتماعي.
الضغوطُ صراحةً وضمنًا على أعضاءِ هيئةِ التدريسِ حتى لا ترتفعُ نسبةُ الرسوبِ، وهو
ما ينعكسُ على مستوى الخريجين ونظرتِهم إلى المجتمعِ.
ما هو دورُ وزارةِ التعليم العالي الفعالُ
في الرقابةِ على الجامعاتِ غيرِ الحكوميةِ؟ أحيانا تُسيِّرُ الوزارةُ لجانًا لمراجعةِ
لوائحِها دونما اِعتبارٍ لجديةِ العمليةِ التعليميةِ. وماذا عن الجامعاتِ ذات الإداراتِ
الأجنبيةِ التي ترفعُ شعارَ نقلِ التعليمِ الأجنبي لمصر؟ التعليمُ الجامعي يبدأُ من
المدرسةِ، هل التعليمُ قبل الجامعي عندنا يناظرُهم؟ قطعًا لا. إذن شعارُ تعلم في مصر
كأنك تتعلمُ في الخارجِ شعارٌ أجوف. كيف تُقامُ في دولٍ ذات سيادةٍ جامعاتٌ أجنبيةٌ
تستنسخُ نظمَها في بيئةٍ مختلفةٍ اجتماعيًا وتعليميًا؟ وكيف ستراقبُ الوزارةُ ممثلةُ
الدولةِ المصريةِ هذه الجامعاتِ الأجنبيةِ وهي مُنشأةٌ بمبدأَ التعالي والتفوقِ؟ وأي
جامعاتٍ أجنبيةٍ سيتمُ استِنساخُها وما مستواها؟ وما مدى خبرةِ إداراتِ الجامعاتِ الأجنبيةِ
التي ستتولى أمانةَ تعليمِ أبناءِ المصريين؟ ثم كيف ستتعاملُ النقاباتُ المهنيةُ وتحديدًا
نقابةِ المهندسين مع خريجين لن يستوفوا عددَ سنواتِ الدراسةِ الجامعيةِ؟ أليس في ذلك
تدميرًا لمهنةٍ عريقةٍ اجتماعيًا وعلميًا بدعاوى "زي برة"؟
لا تطفو مشكلاتُ التعليمِ إلا إذا حدَثت
قلاقلُ من الطلابِ وأسرِهم. أما البحثُ العلمي فهو بعيدٌ عن الأجندةِ، مُكلِفٌ بما
يُبعدُه عن الواقعِ والممارسةِ الحقيقيةِ.
اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ
للراحةِ وللجوائز،،
*كاتب المقال
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي
أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس